هناك سؤال مهم.. فى ظل الحديث عن اقتراب الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية وتبادل الأسرى والمحتجزين بين الجانبين وانسحاب جيش الاحتلال من القطاع تدريجياً.. وهو لماذا تفاوضت إسرائيل بجدية ووافقت على الاتفاق والانسحاب والخروج من محور فيلادلفيا ومعبر رفح من الجانب الفلسطيني.. ما السبب الذى أجبر نتنياهو على عدم إفشال المفاوضات وإبداء المرونة وتقديم التنازلات بعد أكثر من 15 شهراً من العدوان والإبادة والحصار والتجويع وظروف غير إنسانية يعيشها الفلسطينيون وتدمير كامل لقطاع غزة وتحويله إلى مجرد أطلال لا حياة فيه.. وقصف كافة المنشآت الخدمية سواء المستشفيات أو الجامعات والمدارس ومحطات الكهرباء والمياه وقتل الصحفيين والأطباء وأطقم التمريض واستشهاد ما يقرب من 47 ألف فلسطينى فى القطاع.. السواد الأعظم منهم من النساء والأطفال وكبار السن والباقى من المدنيين العزل والأبرياء.. ما الذى عطَّل إسرائيل ودفعها للتوقف رغم الإصرار على العدوان والتصعيد والتمادى فى حرب الإبادة ضد الفلسطينيين؟
بداية قبل أن نتحدث عن الأسباب التى أجبرت الكيان الصهيونى على الدخول فى مفاوضات جادة والتوجه إلى إنهاء العدوان ووقف إطلاق النار والموافقة على شروط المقاومة.. لابد أن نتذكر ونستعيد أهداف العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة.. وتتمثل فى تصفية القضية الفلسطينية من خلال انتهاج جريمة الإبادة.. وتحويل قطاع غزة إلى مكان غير صالح للحياة.. بالقضاء على كافة مقوماتها والإمعان فى القتل والحصار لتحقيق هدف هو غاية العدوان.. وهو التهجير من خلال إجبارهم على النزوح إلى الحدود المصرية.. والضغط عليها لأنه لن يبقى هناك مهرب من القتل والإبادة والقصف على مدار الساعة إلا بالاتجاه إلى الحدود المصرية.. وكما تصور وتوهم العقل الصهيونى المريض انه يمكنه فرض سياسة الأمر الواقع على مصر والرضوخ وفتح الحدود للفلسطينيين لتنفيذ مخطط التوطين وإخلاء غزة تماماً لإدخالها فى مشروع التوسع الصهيونى كمرحلة من أجل إقامة إسرائيل الكبري.. اذن كنا أمام أهداف تكتيكية وهى القتل والإبادة والحصار والتجويع من أجل تفريغ القطاع من السكان وإجبارهم على الاتجاه إلى الحدود المصرية وهنا يتحقق طبقاً لعقد الأوهام الصهيونية فى تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين خارج القطاع.. ثم التوطين على حساب الأراضى المصرية فى سيناء هذه هى أهداف المخطط الصهيو- أمريكى المدعوم والممول بالمال الوفير والسلاح الفتاك والدعم السياسى والدبلوماسى والقانونى وغطاء الحماية الأمريكية والغربية من خلال الأساطيل والبوارج وحاملات الطائرات وأحدث المقاتلات والصواريخ لحماية دولة الاحتلال وإجرامها.
اذن نتفق أن غزة هى الهدف والتهجير هو الغاية والتوطين هو التتويج الحقيقى لأهداف الشيطان وهذا لم يتحقق.. هل سألت نفسك لماذا؟ ومن الذى وقف بشجاعة وحسم أمام هذا المخطط؟ وكيف نجحت مصر منذ اللحظة الأولى لانطلاق العدوان فى إجهاضه بمحاصرة أهداف الشيطان الصهيونى سياسياً ودبلوماسياً ودولياً وإقليمياً وأممياً ومساندة ودعم شامل للأشقاء الفلسطينيين والتفاعل والتواصل على مدار الساعة مع المجتمع الدولى بكافة أطيافه.. حتى نجحت القاهرة فى بلورة وترسيخ مفهوم وحقيقة لا لبس فيه أنه لا حل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلى إلا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة طبقاً لقرارات الشرعية الدولية.
فشلت إسرائيل فى تحقيق هدفها الإستراتيجى لعدوانها على غزة وهو تصفية القضية وتهجير سكان القطاع.. وتوطينهم فى سيناء ربما جل مكاسبها طبقا للذهنية الصهيونية المريضة هو الإمعان فى القتل والحصار والتجويع والتدمير.. وربما أيضاً مكاسب أخرى تكتيكية فى القضاء على جزء كبير من قدرات حزب الله وقياداته من الصف الأول حتى الثالث.. وإسقاط نظام بشار الأسد وبالتالى قطع خطوط الإمدادات من سوريا إلى حزب الله فى لبنان.. وكذلك ضربات لأهداف وقيادات إيرانية.. لكنها لم تنجح فى تحقيق أعلى أهدافها وأهمها على المستوى الإستراتيجى وهو الخلاص من سكان قطاع غزة وتوطينهم فى سيناء وهو أمر تصدت له مصر بكل قوة وحسم وأظهرت «العين الحمراء» ورسمت خطوطاً حمراء وتحلت بأعلى درجات الجاهزية لمجابهة أى محاولات لفرض الأمر الواقع وقالها الرئيس عبدالفتاح السيسى القائد العظيم.. الشريف: (ان محاولة تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين ودفعهم على الحدود المصرية هو مساس بالأمن القومى المصرى وسيواجه بكل حسم.. وأنه خط أحمر وما يحاولون فرضه كأمر واقع لن يحدث) وخاضت مصر معركة وملحمة على كافة الأصعدة سياسياً ودبلوماسياً وإنسانياً بل وبعثت برسائل قاطعة من خلال الجاهزية وأعلى درجات القوة والقدرة والاستعداد والردع لأية محاولات أو مساس بالثوابت والأرض والحدود المصرية.. وأن كل السيناريوهات مفتوحة إذا فكَّر أحد فى ذلك.. واعتبر ان يأس وإحباط إسرائيل فى تحقيق هدفها الإستراتيجى فى تحقيق مخططها وهدفها الأول فى توطين سكان قطاع غزة فى سيناء هو انتصار للإرادة والقيادة والدولة المصرية العظيمة بل وإن التأكيدات تشير إلى انسحاب إسرائيل من ممر فيلادلفيا ومعبر رفح من الجانب الفلسطينى والعودة إلى تنفيذ والالتزام بالاتفاقيات هذه هى مصر العصية التى رفضت كل محاولات الترهيب والضغوط وحملات الأكاذيب والحرب النفسية التى اديرت ضدها والإغراءات مما يفوق ما يمكن ان تتوقعه من أجل التفريط فى ثوابتها ومبادئها وقدسية أراضيها والتى تجسِّد مقولة الرئيس السيسى (سيناء يا تبقى مصرية- يا نموت على أرضها وهى مصرية إلى يوم الدين).
وحتى نكون منصفين فإن الشعب الفلسطينى الذى تحمل ما لا تتحمله الجبال من قصف وقتل وإبادة وحصار وتجويع وظروف إنسانية كارثية.. يسكن فيها المدنيين.. ورغم ذلك صمد الفلسطينيون ولم يفكروا فى مغادرة أراضيهم.. لأن الرسالة وصلت إليهم.. فالتخلى عن أراضيهم وتركها يعنى عدم العودة إليها.. لذلك هم بالفعل أبطال.
تحيا مصر