حقبة العشرينيات من هذا القرن هى أسوأ عصور الحرب والصراعات الدموية منذ 1945.. هذه هى مرحلة «إعادة بناء العالم» كما قال هنرى كيسنجر.. أى هى عملية إعادة بناء النظام العالمى الجديد بالحرب وبقوة السلاح وبالحديد والنار.. نعم هذا هو الميلاد الدموى للنظام الدولى الجديد.. حرب وجرائم إبادة فى غزة وحرب تتصاعد بلا حدود فى أوكرانيا.. والمفاجأة المنتظرة كانت هى الحرب الإسرائيلية على إيران.
لا أحد ينام فى الشرق الأوسط هذه الأيام.. وربما لأيام وأسابيع طويلة قادمة مع تصاعد المواجهة فقد بدأت إسرائيل الحرب على إيران بمنتهى القوة والعنف وحققت المفاجأة الاستراتيجية الكاملة عند فجر الجمعة الماضية ومرة أخرى نفذت إسرائيل استراتيجية قطع الرؤوس واغتالت قيادات الجيش الإيرانى وكبار علماء البرنامج النووى وكل المواقع النووية فى إيران.. نتنياهو يتعهد بتحقيق النصر الكامل على إيران فى هذه الحرب.. وطهران تؤكد أن إسرائيل هى التى بدأت الحرب.. لكن إيران هى التى سوف تحدد كيف تنتهي.
لكن هل هذه هى حرب إسرائيل الأخيرة فى الشرق الأوسط!! وهل إيران هى الهدف النهائى والأخير لكل حروب إسرائيل فى المنطقة؟!!
الندم.. الندم
ربما تعض إيران أصابع الندم بعنف طويلاً.. لأنها لم تبادر بإنتاج السلاح النووى منذ 15 عاماً مضت.. هناك سؤال رهيب يتردد فى طهران حالياً أيهما أفضل لإيران السلاح النووى مع العقوبات الاقتصادية مثل كوريا الشمالية.. أم عدم إنتاج السلاح النووى وتحمل العقوبات.. وفى النهاية تأتى الحرب الإسرائيلية الاستباقية ضد إيران؟!.
لا أحد يدرى كيف سوف ينتهى سيناريو هذه الحرب المتصاعدة بين إسرائيل وإيران، لكن هذا تاريخ جديد للشرق الأوسط.. أو إن إسرائيل وأمريكا يحاولان إعادة تشكيل المنطقة بالقوة المسلحة، وربما تغيرت موازين القوى الإقليمية.
ويتأكد من جديد أن إسرائيل فى حالة حرب دائمة لا تتوقف ولا تنتهى وكل حروب إسرائيل مفتوحة، الحرب وجرائم الحرب ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة لم تتوقف.. ومازالت حرباً إسرائيلية مفتوحة.. ومعارك التوسع والاستيطان ضد الشعب الفلسطينى فى الضفة الغربية والقدس لا تتوقف.. وتبقى حرباً مفتوحة.. الحرب الإسرائيلية على لبنان وسوريا.. مازالت مفتوحة.. والآن قامت إسرائيل بفتح جبهة جديدة وواسعة ضد إيران.. وهى حرب بالاختيار.. كما يقولون فى واشنطن.. أى أن إسرائيل اختارت الحرب ضد إيران فى هذا التوقيت.
الرئيس الأمريكى ترامب يؤكد بثقة أن إيران لن تفوز فى هذه الحرب.. وحين سأله الصحفيون هل يمكن أن تنضم أمريكا إلى إسرائيل فى الحرب على إيران.. رفض الإجابة على السؤال.. وترك الباب مفتوحاً. ورئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو عقد مؤتمراً صحفياً فى مخبأ سرى تحت الأرض أكد فيه أن الحرب لن تتوقف حتى تتمكن إسرائيل من تحقيق النصر المطلق على إيران.. وحدد أهداف الحرب بضرورة إزالة كل ما يهدد وجود إسرائيل من أدوات الحرب لدى إيران.. وخصوصاً برنامجها النووى والصواريخ الباليستية.. وأضاف هدفاً جديداً هو إسقاط النظام الإيرانى وهدد باغتيال المرشد الأعلى على خامنئي.. فى تصعيد جديد لاستراتيجية قطع الرؤوس الإسرائيلية.
ويقول المراقبون إن إيران قد تدرك بعد فوات الأوان أنه لا أمن ولا استقرار ولا وجود إلا لمن يملك السلاح النووى بهدف ردع ومنع العدوان.
يقول الجنرال الإسرائيلى السابق آموس يادلين رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق إنه توجد 4 سيناريوهات لهذه الحرب الإسرائيلية الجديدة على إيران.. والسيناريوهات الأربعة تعتمد على ردود أفعال أمريكا وروسيا والصين وإيران.
يقول آموس يادلين وهو طيار سابق إن إسرائيل سوف تواصل ضرباتها لإيران فى كل السيناريوهات والحرب لم تنته بعد وسوف تتصاعد إلى أعلى قمة المخاطر.. والطيران الإسرائيلى لا يغادر سماء إيران تقريباً.. رغم أن المسافة بين إيران وإسرائيل تمتد لأكثر من ألفى كيلو متر ولكن الطائرات الأمريكية للتزود بالوقود فى الجو.. تساعد المقاتلات الإسرائيلية فى عملياتها داخل إيران.. العشرات من خزانات الوقود الطائرة الأمريكية تساند المجهود الجوى الإسرائيلي.. الطائرة الواحدة يمكنها تزويد ثلاث مقاتلات على الأقل بالوقود فى وقت واحد.
السيناريو الأول: أن تبقى الحرب بين إسرائيل وإيران فقط وأمريكا تقف بعيداً.. تكتفى بتزويد إسرائيل بالقنابل والصواريخ وبالدعم اللوجيستى والدعم المعلوماتى والمخابراتي.. ترامب لم يضع خطاً أحمر يمنع إسرائيل من الحرب أثناء المفاوضات.. واعتبر نتنياهو أن ذلك ضوء أخضر لبدء الحرب.
وقد اتصل نتنياهو بالرئيس ترامب قبل ساعة واحدة من بداية الحرب والهجوم الإسرائيلي.. وكانت رسالة ترامب واضحة وهى أن البرنامج النووى الإيرانى يهدد وجود إسرائيل ولذلك أرادت إسرائيل أن تهاجم إيران.. ولم لا.. لكنه أوضح أن أمريكا لن تشارك خوفاً على الجنود والقواعد الأمريكية بالمنطقة.. وتمنى لإسرائيل حظاً طيباً فى الحرب!!
السيناريو الثاني: أن تشترك أمريكا فى أى مرحلة فى الحرب مع إسرائيل ضد إيران.. خصوصاً إذا أخطأت طهران فى حساباتها وقامت بالهجوم على القواعد والمصالح الأمريكية بالمنطقة أو إذا قامت إيران بإغلاق مضيق هرمز.. وتوقفت الملاحة البحرية فى الخليج.
وفقا لهذا السيناريو القيادة المركزية الأمريكية لديها خطط للطوارئ.. وهناك حاملة طائرات أمريكية ثانية تقترب من المحيط الهندى إلى الخليج بهدف الاشتراك فى الدفاع عن إسرائيل.. بذلك تكتمل منظومة الأساطيل والطائرات الأمريكية فى البحرين الأحمر والمتوسط للدفاع عن إسرائيل وإسقاط الصواريخ الإيرانية.
العودة للتفاوض
ترامب كان يرفض الضربات الإسرائيلية فى مرحلة التفاوض لكنه يقول الآن إن الهجمات الجوية الإسرائيلية يمكن أن تساهم فى دفع إيران وإجبارها على العودة إلى مائدة التفاوض وتقديم التنازلات المطلوبة والاستسلام الكامل لشروط أمريكا وإسرائيل.. ويبقى الشرق الأوسط فى المنظور الأمريكى منطقة حيوية فى مرحلة صعبة من الحرب وانعدام الاستقرار.
السيناريو الثالث: أن تتقدم أمريكا فجأة بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولى لوقف إطلاق النار فوراً.. مما يجعل فرصة إيران للانتقام عالية التكلفة.. وقد لا تستخدم الصين وروسيا حق الفيتو.. وهذا يعطى إيران أوراقاً جيدة للتفاوض.
السيناريو الرابع: أن تقف الصين وروسيا فى مرحلة ما من الحرب مع إيران ضد إسرائيل.. وحتى ضد أمريكا.. مما يؤدى إلى صراع عالمى واسع.. وهذا احتمال بعيد وغير وارد حتى الآن.
ويقول الجنرال يادلين إن إسرائيل لديها الفرصة لضرب إيران وقد حدث.. وربما تكون هذه هى الفرصة الأخيرة.
إخلاء طهران
لكن العالم وقف على أطراف أصابعه فجأة بعد أن أعلن الرئيس الأمريكى ترامب أن على الجميع القيام بإخلاء طهران فوراً.
وأكد من جديد أنه لا يمكن السماح لإيران.. بامتلاك سلاح نووى وطالبها باستسلام دون شروط.
المراقبون يتساءلون فى دهشة ولهفة ويقولون: هل قررت أمريكا الاشتراك فى الحرب مع إسرائيل ضد إيران؟!
فقد قطع ترامب مشاركته فى قمة السبع الصناعية وتوجه لواشنطن على وجه السرعة ودعا لعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن القومى الأمريكى لاتخاذ قرار هام، ترامب يعطى إشارات مزدوجة بأنه قد يوفد نائبه دى فانس مع مبعوثه للشرق الأوسط إلى إيران وفى نفس الوقت هناك مراقبون فى واشنطن يؤكدون أنه قد يتخذ قرار الاشتراك مع إسرائيل فى ضرب إيران والعالم يقف على أطراف أصابعه فى انتظار ما يمكن أن يحدث.
حتى اليوم الخامس للحرب أكد الأمريكى تاريتا بارس نائب رئيس معهد كونيس للدراسات الاستراتيجية فى واشنطن أنه حتى اليوم الخامس من الحرب كانت إيران تقوم بضربات صاروخية انتقامية عنيفة ضد إسرائيل.. وقال إن نتنياهو فى الطريق لخسارة الحرب وأكد أن إسرائيل تستغيث بالرئيس ترامب بالاشتراك معها فى ضرب إيران وارتفعت أصوات مؤيدى إسرائيل فى الكونجرس تطالب ترامب باتخاذ قرار حاسم إما وقف الحرب أو الدخول فيها إلى جانب إسرائيل ضد إيران.
لكن تغيرت الأوضاع فى الليلة الخامسة للحرب.. وظل الطيران الإسرائيلى فى سماء إيران طوال الليل وتعرضت طهران لغارات عنيفة وتم تدمير مقر التليفزيون الإيرانى والكثير من المواقع الاستراتيجية فى طهران وتبريز وبندر عباس.. وأكدت إسرائيل أنها تمكنت من تدمير 40 ٪ من منصات الصواريخ الإيرانية.
وقد ردت إيران بتوجيه موجات من الضربات الصاروخية لإسرائيل أو الموجة التاسعة التى كانت شديدة العنف ثم الموجة العاشرة.. الحياة فى إسرائيل توقفت تماماً فى تل أبيب وحيفا ومعظم أنحاء إسرائيل كما تقول صحيفة لوموند الفرنسية.. المدارس والجامعات والمصانع مغلقة وحتى المحلات مغلقة.. ولا توجد أى مظاهر للحياة سوى الدخول إلى الملاجئ خوفاً من الصواريخ الإيرانية أو الخروج منها لساعات قليلة.. قبل أن تنطلق صافرات الإنذار من جديد تحذر من موجة صواريخ إيرانية جديدة ومدمرة.
وحول المجهول والمعلوم فى الحرب بين إسرائيل وإيران يقول الأمريكى ويليام ويشيستر.. إنه لا أحد يدرى ما هى خطط إسرائيل القادمة فى هذه الحرب المتواصلة على إيران.. وما هو قرار نتنياهو النهائى حول توسيع نطاق الحرب والتصعيد.. لكن الهدف واحد فى واشنطن وتل أبيب وهو ضرورة منع إيران من امتلاك سلاح نووي.
حماية الأساطيل
والآن لا أحد يعلم ما هو سيناريو النهاية لهذه الحرب المفتوحة بين إسرائيل وإيران.. لكن الأساطيل الأمريكية وأساطيل دول حلف الناتو تقف بجوار إسرائيل للدفاع عنها وإسقاط الصواريخ والمسيرات الإيرانية.
هناك سيناريوهات كثيرة يمكن أن تجر أمريكا للاشتراك فى الحرب على إيران ماذا يمكن أن يحدث إذا اكتشفت واشنطن أن الضربات الإسرائيلية لا تكفى لردع إيران وإجبارها على تفكيك شامل لبرنامجها النووي.
يؤكد ويشيستر أنه فى هذه اللحظات سوف تتخذ واشنطن القرار الخطير بالتدخل المباشر فى الحرب ومنع السيناريو الأسوأ من الحدوث.. سيناريو أن تسارع إيران بإنتاج السلاح النووي.
ويتساءل ريتشارد نيفيو عضو مجلس الأمن القومى الأمريكى السابق ويقول هل يمكن لإسرائيل فعلاً تدمير برنامج إيران النووى بالغارات الجوية؟! ويؤكد أنه من الواضح أن إسرائيل وصلت إلى نقطة اللاعودة مع إيران.. وقرار الحرب قد يكون بداية لحرب إقليمية واسعة فى الشرق الأوسط.
نقطة تحول
الضربات الإسرائيلية والحرب على إيران هى نقطة تحول فى تاريخ الشرق الأوسط وفى النهاية قد نجد إيران تسارع إلى إنتاج ولو قنبلة نووية بدائية لردع إسرائيل ووقف الحرب.
لا أحد يدرى ما هى النتائج الأكثر احتمالاً.. الحرب وضعت حداً لكل النبوءات والتنبؤات.. الحرب وضعت واقعاً إقليمياً جديداً أو من السابق لأوانه معرفة نتائج هذه الحرب ربما قبل أيام طويلة أو أسابيع.