نحن نواجه عالماً غريباً هذه الأيام.. ليس هو نفس العالم الذى كنا نعيشه من قبل.. عالم يتنازل عن أهم مبادئه.. فأمريكا التى نصبت من نفسها حامية وراعية ومسئولة.. عن حقوق الإنسان.. وأهمها حرية التعبير عن الرأى وحق التظاهر (الاحتجاج) والديمقراطية.. تتخلى بكل سهولة عن هذه الحقوق.. كنت اعتقد ان ما قاله الرئيس الأمريكى ترامب عن فصل كل طالب من جامعته.. فى حالة خروجه فى مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين.. انه مجرد تهديد.. خاصة بعد خروج غالبية طلبة الجامعات الأمريكية فى مظاهرات حاشدة للتعبير علانية عن رفضهم للحرب الشرسة التى تشنها إسرائيل فى غزة.. لكنى فوجئت بقيام وكالة رويترز العالمية.. بإذاعة خبر ترحيل الطالبة يونسيوتشونج ٢١ عاما وهى أمريكية من أصل كوري.. تعيش فى امريكا وتدرس فى جامعة كولومبيا.. لاشتراكها فى مظاهرات مؤيدة للحق الفلسطيني.. بسرعة ألغت امريكا الإقامة الدائمة والقانونية للطالبة.. والأسوأ من ذلك ما ادعته الإدارة الأمريكية فى أسباب إلغاء اقامة يونسيوتشونج وترحيلها.. ان إقامتها فى أمريكا تعوق خطط أمريكا المتعلقة بسياستها الخارجية !!!.. معقول أمريكا اكبر وأقوى دولة فى العالم.. يصل بها الحال الى هذه الدرجة.. من إنكار مبادئ طالما تغنت بها طويلا.. مبادئ نص عليها الدستور صراحة.. نحن نعيش العجب.. نحاول ان نفهم.. كيف تبذل أمريكا جهدها لإيقاف الحرب فى اوكرانيا.. بينما تبارك وتدعم إسرائيل فى استمرار حربها ضد غزة.. وهى حرب ليس لها مثيل فى جميع انواع الحروب على مر التاريخ.. اليس هذا انحيازاً أعمى لطرف على حساب آخر.. كيف تلغى امريكا عقلها.. وتسير خلف نتنياهو.. ولا تجرؤ ان تعارضه.. أو حتى تمنعه من اختراق اتفاق وقف إطلاق النار.. الا يشاهد ترامب ومن معه.. ماذا يحدث فى غزة.. لماذا تختفى مشاعر الانسانية فى حالات وتظهر فى حالات أخري؟!.. من عجائب الدنيا.. انه عندما يشاهد واحد من امريكا أو غيرها من دول الغرب قطة معلقة فوق شباك أو سلك فإنه يتصل بالمطافى والنجدة.. لانقاذها.. وفى اقل وقت ممكن تتحرك أجهزة الإنقاذ.. ويتجمع المارة.. وتظهر علامات الحزن والخوف بل والرعب على وجوه الجميع خشية على حياة قطة.. فى نفس الوقت الذى لا يهتز لهم جفن.. امام قتل الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ فى غزة.. اين تذهب مشاعر هؤلاء.. هل معقول ان تصبح المشاعر بالمزاج.. أو حسب الطلب.. ام ان كل شيئ مباح للاسرائيليين.. حتى إراقة الدماء.. ولو كانت بصورة وحشية ينخلع لها قلب الانسان السوي.. انتفضت اوروبا وامريكا طبعا.. لاعتداء روسيا على اوكرانيا.. وتسابقت دول العالم على مساعداتها.. وقدمت احدث اسلحتها ومعداتها وأيضا جنودها.. دون تردد أو تفكير.. مليارات الدولارات مساعدة لاوكرانيا.. بينما العالم كله يشاهد ما يتعرض له الشعب الفلسطينى من ابادة جماعية.. وتجويع علني.. بمنع دخول المساعدات.. وهدم المستشفيات.. يعنى لا طعام.. ولا علاج.. ولا مساكن للايواء.. ولا حياة آدمية لشعب اعزل.. والمأساة الحقيقية.. ان شاشات التليفزيون تنقل للدنيا كلها.. الحقيقة كاملة.. وايضا المحمول.. فهؤلاء من أصحاب القلوب الرهيفة.. الذين لا يطيقون مجرد مشاهدة قط معلق فى الهواء.. يصرخون بأعلى أصواتهم لإنقاذه.. هم أنفسهم الذين يلتفتون الى الجانب الآخر.. وكأنهم لم يشاهدوا المجازر والوحشية التى يتعرض لها الشعب الفلسطيني.. نحن امام عالم جديد موحش.. تقوده أمريكا بكل جبروت وغرور القوة.. على حساب الشعب الفلسطينى المقهور.. طبعا نتنياهو استغل هذه الفرصة.. واستأنف العدوان أكثر شراسة.. فهو يريد ان يخرج منتصرا على كل الجبهات.. بداية من القضاء التام على حركة حماس.. والانطلاق بكل قوة لتهجير أهل غزة قسرا أو طواعية.. وايضا استعادة مكانة إسرائيل امام الدول العربية بأنها صاحبة الجيش الذى لا يقهر.. امام كل ذلك لا تهتم إسرائيل باستعادة الرهائن من ايدى حماس.. انما استكمال أهدافها.. ويبقى الأخطر من كل ذلك.. عدم وقوف العرب كتلة واحدة وبالتماسك المطلوب.. امام هذه المجازر الإسرائيلية العلنية.. وهو ما جعل إسرائيل تعلن.. بان استئناف الحرب.. هو بداية تصعيد جديد.. ولا احد يدرى متى يتوقف ؟!.. اقول لازم نفهم انه عالم موحش.. لا يعترف الا بالاقوياء .