تقول الرواية الغريبة التى نسبها البعض لابن الجوزى وقالوا انها وردت فى كتابه «اخبار الحمقى والمغفلين» بينما الحجاج يطوفون بالكعبة ويسعون بين الصفا والمروة ويغرفون الماء من بئر زمزم فيشربون ويتضلعون، إذ قام أعرابى فحسر عن ثوبه، ثم بال فى البئر والناس فى صدمة ينظرون، فما كان منهم إلا أن انهالوا عليه بالضرب المبرح حتى كاد أن يموت بين اياديهم فخلصه حراس الحرم منهم وجاءوا به إلى أمير مكة فقال له: قبحك الله وسود وجهك يا أحمق، لم فعلت هذا وما سبقك اليه أحد من العالمين؟
فقال: حتى يعرفنى الناس فيقولون هذا الذى بال فى بئر زمزم فأردت أن أذكر ولو باللعنات»، انتهى الاقتباس، وبعيدا عن صحة الرواية او ضعفها إلا انها وردت فى كثير من الكتابات التى تتحدث عن الحمقى والاغبياء وأصحاب النزعات الشيطانيّة الذين يبحثون عن الشهرة حتى ولو ارتكبوا اكبر الكبائر واحقر الصغائر، قرأت هذه القصة كثيرا.
وأتذكر الكثير من المواقف التى دفعتنى تفاصيلها حينئذ إلى استخدام خلاصة هذه الرواية بقولى لاحدهم «لا تكن كصاحب البئر او لا تبول فى البئر»، اليوم كثُر «البوالون» على كل ما هو جميل فى وادينا الطيب وكان هدفهم المعلن هو نفس هدف كليب بن الابرص صاحب واقعة البئر «أردت أن يعرفنى الناس حتى ولو باللعنات» تجدهم فى كل مكان يأتون بكل ما هو شاذ من الأقوال أو الأفعال فقط حتى تسلط الأضواء اللعينة عليهم، وهذه الممارسات رغم انها تمثل انحرافات سلوكية إلا انها فى حقيقتها العميقة مرض نفسى عضال لا علاج له إلا الكى، أنا شخصيا أعرف الكثير من هؤلاء وأطلق عليهم «أصحاب البئر»، وربما كانت السوشيال ميديا الان والبحث عن التريندات من خلالها بالإضافة إلى استخدامات الذكاء الاصطناعى تمثل مجالا خصبا لنمو مثل هذه الممارسات، لكن ما لفت انتباهى هو ما يقوم به الاخوان ومن على شاكلتهم من تسميم كل الابار التى كانوا يشربون منها بالأمس ظنا منهم أنهم ناجون مما سيصيب غيرهم، لقد قطع هؤلاء الحمقى المأجورين كل علاقة لهم بالوطن ولم يعد لهم من حق فيه إلا البكاء على حرمانهم من شرف الانتماء اليه، لقد بال الاخوان فى كل آبار الوطن افتراضيا وهربوا إلى الخارج يحصدون الحسرة والندامة، حاول الاخوان قطع أوصال الوطن وإلقاء الأشواك فى كل الطرق المؤدية إلى الحق والحقيقة والوعى، الان يقفون حفاة عراة يتسكعون فى شوارع اوربا يحلمون بالسير مجددا فى دروب الوطن وشوارعه وطرقه لكنهم يعلمون جيدا ما نثروه من اشواك فى نفس تلك الطرق التى يريدون السير عليها، الاخوان ومن على شاكلتهم كمن شرب من البئر طوال فترة إقامته حوله ثم أراد الرحيل فبصق فى نفس البئر الذى طالما شرب منه، وعلى صعيد آخر ارى ان هناك أناسا يديرهم شيطانهم فيبحثون عن كل بئر ليفعلوا ما فعله صاحب البئر كليب بن الأبرص بحثا عن شهرة زائفة او ركوب تريند مسموم لتحقيق أهداف شديدة الرخص، وعلى صعيد الجماعات وبعض الأحزاب بل وبعض الدول نجد نفس الشئ وان اختلف السياق، حيث نجد إجراءات او قرارات او حتى معارك وهمية ليس لها نصيب من المنطق إلا خلق حالة من الجدل وركوب – لامؤاخذة – التريند الملعون، من هنا وجب على كل من يعمل او يهتم او يتابع العمل العام ان ينتبه إلى هذه الحالات ويضعها فى سياقها، والى الذين ادمنوا الطواف حول الآبار لتحقيق غاياتهم الدنيئة توقفوا فأنتم مفضوحون.