أن تحاول التنبؤ بسلوك الأذكياء والنابهين فهذا أمر صعب، لكن محاولة التنبؤ بسلوك الأغبياء والحمقى يكاد يكون أمراً مستحيلاً، ورغم اهتمام علوم التنبؤ واستشراف المستقبل بطريقة تفكير الأذكياء والقادة والحكماء إلا ان الأهم هو تتبع سلوك هؤلاء التافهين غير النابهين، فمعظم كوارث وازمات العالم كانت نتاج سلوك الحمقى والأغلبيات وليس الحكماء، من هنا ارى ضرورة الاهتمام بالحماقة والغباء أكثر من الحكمة والذكاء، قرأت رواية «الغبي» لاستاذنا فتحى غانم والتى قال فى مقدمتها «لقد تعودنا أن نهتم بالأشياء المهمة ونتغاضى عن الأشياء التافهة رغم أنها الأخطر».
ومع التطور التكنولوجى المذهل بات من السهولة بمكان التنبؤ بسلوكيات ورغبات الناس، فتطبيقات التواصل الاجتماعى تتابعنا على مدار اللحظة فى كل تصرفاتنا وسلوكياتنا ومن هنا استطاعت أجهزة الاستخبارات فى معظم دول العالم بناء تطبيقات تستطيع من خلالها ليس فقط متابعة من تريد من خلال وسائل التواصل وانما يمكنها التنبؤ بسلوكيات وقرارات الآخرين، فإذا كانت هذه التطبيقات متاحة بهذا الشكل فما بالنا بامكانات أجهزة لديها كل هذه الإمكانات، أعلم ان هناك نماذج وتطبيقات يمكنها التنبؤ الدقيق بسلوكيات وقرارات الآخرين وهذا يمكن الاستفادة منه فى مجالات السياسة والاقتصاد بشكل خاص، هذه النماذج تم بناؤها على أساس فرضيات العقل والحكمة والمصلحة والدوافع والنتائج الى آخر هذه المحددات، لكن لفت انتباهى أن كثيراً من المؤثرين فى عالمنا حمقى وأغبياء ويتصرفون أحيانا كثيرة بشكل لا علاقة له بالمنطق والعقل والحكمة، فوجدنا كثيراً من الحمقى والأغبياء صنعوا التاريخ، فقد نشبت حروب عالمية بقرارات متسرعة او متشنجة لشخص او لأشخاص غير اسوياء، لذلك اتساءل هنا وبمنتهى الجدية لماذا لا يكون لدينا مراكز تنبؤ بسلوكيات الحمقى والأغبياء؟ فالعقلاء والحكماء يفكرون ثم يتخذون قراراتهم، أما الحمقى والاغبياء فيتخذون قراراتهم بعصبية ودون تفكير، فالأغبياء هنا أولى من الحكماء فى ضرورة البحث عن آلية للتنبؤ بقراراتهم.