فى مشوار حياتى المهنية أتيحت لى فرصة اصطحاب بعض الوفود الاجنبية لزيارة الاماكن الاثرية الكثيرة والمتنوعة التى لا يوجد لها مثيل فى العالم والجديرة بأن تكون قبلة ملايين السياح من شتى الدول.. ومع مرور الوقت لفت انتباهى ان اغلب الافواج ممن تجاوزوا الخمسين والستين من العمر ومعهم احياناً اسرهم.. وكان فضولى يلح على دوماً ان اسأل أحدهم لماذا كبار السن.. واين الشباب والفتيات من العشرينيات والثلاثينيات.. وكانت الاجابات مذهلة ومبهجة فى آن واحد.. فلا وقت لدى الشباب من الجنسين إلا العمل ثم العمل.. او العلم والعمل معاً وتكريس كل الوقت والجهد للنجاح فى الحياة وتحمل مسئولية المعيشة والعمل ليل نهار ومواصلة الدراسة مع العمل المتواصل.. هذه هى حياة الشباب وإلا ما وجد له مكاناً بين أسرته أو فى مجتمعه.. فأى شاب او خريج.. ما عليه الا ان يسجل بياناته فى هيئات التشغيل والمحليات ونوع مؤهله او المهنة التى يجيدها.. ويتم توجيهه إلى موقع عمله ليتسلم العمل.. وما عليه إلا اثبات كفاءته ولا مجال لمهمل او مقصر او متخاذل أما لماذا فوق الخمسين والستين.. فجاءت الاجابة مدهشة ان الحياة لديهم تبدأ بعد الستين.. ففى معظم الدول الاوروبية.. إذا رغبت فى تسوية احالتك إلى التعاقد قبل الستين او بلغت رسمياً سن التقاعد وهى الستين فى بعض الدول والخامسة والستين فى البعض الآخر.. يصلك خطاب من جهة عملك بكل التقدير والاجلال.. بأنك من اليوم تحصل على ٪80 من دخلك كمعاش.. ويتم خفض فواتيرك لجميع الخدمات ٪50 .. وتستعمل كافة وسائل المواصلات مجاناً بموجب الكارنيه الذهبى الذى يمر من كافة بوابات القطارات والاتوبيسات ومترو الانفاق.. فيتم خفض فاتورة الكهرباء ٪50 والمياه والغاز ٪50.. فيزيد دخلك ويتوفر لك الوقت.. بعد ان اصبحت بلا عمل وتملك الدخل المناسب.. هنا تبدأ الحياة بعد الستين.. فيبدأ كل من يريد ان يستمتع بحياته بعد رحلة عمل تبدأ فى اوروبا وسائر دول العالم المتقدم من سن الثامنة عشرة.. فمعظم طلاب الجامعة يعملون وهم يدرسون.. ومنهم من يعمل فى الجامعة ذاتها.. فبعد ساعات الدراسة يعمل البعض فى نظافة الجامعة ومعاملها ومكاتبها.. ومن لم يكمل فى الجامعة يلتحق بأى عمل حتى يستطيع ان يعيش حياته ويعتمد على نفسه.. لذلك عندما يصل إلى سن التقاعد بعد الستين يكون قد قدم لحياته وغده واعطى كما يجب.. ومن حقه ان يستمتع بحياته بعد الستين فيبحث الانسان عن رحلات والاستمتاع بالحياة.
>>>
جال فى خاطرى ذلك وأنا اطالع رسالة عبر البريد الالكترونى بنفس عنوان المقال «الحياة بعد الستين» وصلت من موظف بإحدى الشركات الكبري.. احيل إلى التقاعد فبدأت رحلة العذاب والمعاناة كما يقول: رب اسرة من ثلاثة ابناء فى الجامعة والثانوي.. وزوجة وام مسنة تعيش معه فهو الابن الاكبر واختارته من بين اشقائه ليكون عائلها ومراعيها.. كان كبير من عمله فى شركته وعمل اضافى آخر فى الفترة المسائية.. ويعيش حياة هادئة مستقرة.. يعوض تعبه ومجهوده ان يرى ابناءه واسرته وقد استطاع ان يوفر لهم كل احتياجاتهم من مصروفات دراسية ومأكل ومشرب وبعض العلاج لوالدته.. وفوجيء ان معاشه يتجاوز الالفين بقليل وهو الذى كان يدبر حياته بالكاد وهو يحصل على اضعاف هذا المبلغ فكيف له ان يدبر حياته ونفقات المدارس ومصاريف الدراسة والمواصلات والمأكل والمشرب لاسرته.. فواتير الكهرباء والمياه والغاز.. والعلاج.. أصبحت فى حيرة من امري.. فكيف يدبر حياته.. دارت الدنيا.. وغمرته الهموم من كل جانب.. وحاصرته الامراض.. وزادت همومه اعباءه.