ما أكثر الهموم والأزمات النفسية التى تطارد الإنسان فى عالم اليوم، وقد تعددت وتنوعت تحليلات وتفسيرات علماء وأطباء الأمراض النفسية لأسباب هذه الهموم وتلك الأزمات، وتعددت وتنوعت نصائحهم وتوجيهاتهم.. ومع ذلك فالمشكلات النفسية تتزايد وتتنوع وتدفع بعض الشباب لأمراض نفسية تسوقهم فى طريق الهلاك وكثير منهم لا يعانون من أزمات مالية فهم أبناء أسر مستقرة اقتصاديا ولديها كل وسائل الرفاهية.
إذن هناك حلقة مفقودة فى الحلول المطروحة لمواجهة الأزمات النفسية.. تلك الحلقة ينبغى أن تكون على مائدة المؤسسات الدينية المعنية بتأهيل وتدريب وثقل مواهب الدعاة وخطباء المساجد ورجال الفتوي.. وتلك المؤسسات موجودة ولله الحمد فى الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الافتاء.
لقد أكد العديد من أساتذة الطب النفسى أن تعاليم الدين وتوجيهاته تحمل الخلاص من كل ما يؤثر على الصحة النفسية للإنسان.. والسؤال الذى ينبغى أن تبحث مؤسساتنا الدينية بالتعاون مع الجامعات ومراكز التأهيل النفسى عن إجابة له هو: كيف نستثمر تعاليم الدين وتوجيهاته لمواجهة هموم شبابنا ومشكلاتهم؟ وكيف نوظف نصوص القرآن ووصايا وتوجيهات رسول الله الخاتم صلى الله عليه وسلم لمواجهة ما يعترى النفس من ضيق وشعور بالإحباط والانكسار؟ وما الذى ينبغى أن يتسلح به الإنسان لكى يتجاوز هموم الحياة ومشكلاتها وما تسببه من أزمات؟
>>>>
علماء الدين يؤكدون أن الحرص على تعاليم الدين بما فيها من أوامر ونواه توفر للإنسان الاستقرار النفسى الذى ينشده، ويرون أن كل ما يصيب الإنسان الآن من ضجر وضيق وأزمات نفسية سببه مخالفة تعاليم دينه، وانشغاله بهموم الدنيا دون أن يهتدى بهدى الدين لمواجهة هذه الهموم.
نعم.. تعاليم الدين تجلب لنا رضا الخالق وعفوه وكرمه، وتساعدنا على التخلص من همومنا وأحزاننا، ولا شك أننا لو التزمنا بما وجهنا إليه ديننا من علم وعمل وكفاح وسعى والتزام بالقيم الأخلاقية من تسامح وعفو ورحمة ورضا وقناعة، وتعامل إنسانى مع كل خلق الله، ثم تركنا نتائج ذلك كله على الله، مع ثقة كاملة فى عدله وكرمه وعطائه، وتقربنا إليه بالدعاء الصادق فى كل الظروف والأحوال خاصة عندما تضيق بنا الدنيا وتتقطع بنا السبل لحلت كثير من أزماتنا النفسية.
كثير منا سمع عن قصة (أبو إمامة) الذى دخل عليه رسول الله المسجد ذات يوم ووجده منزويا فى ركن من المسجد فى غير وقت صلاة.. فسأله عليه الصلاة والسلام عن سبب ذلك.. فقال: «هموم لزمتنى وديون أثقلتنى يا رسول الله».
فقال له الرسول: «ألا أعلمك كلاما إذا قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى دينك؟.. قال: بلى يا رسول الله.. قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: «اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بكم من البخل والجبن، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال».. قال أبو إمام: فعلت ذلك فأذهب الله همى وقضى ديني».
هذه الواقعة الصحيحة التى نقلتها لنا كتب السنة لا تعنى أبدا أن الإسلام يحث أتباعه على التواكل والسلبية، أويدفعهم إلى مواجهة مصاعب الحياة بالأدعية وترديد كلمات وليس بأعمال فعلية.. لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما علمنا أن ديننا دعوة إلى العمل والكفاح يربط الإنسان دائما بعطاءخالقه ورازقه ليحظى برضوانه ومغفرته، ويكون أهلا لعونه سبحانه ورعايته.
وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التى علمها لأبى إمامة وطالبه بتكرارها فى الصباح وفى المساء توقظ العقول والوجدان وتغذى الجسد، وتعطيه الحياة من خيراتها بمقدار ما يعطيها من إمكاناته، ويهبه الله من فضله ما يذهب بهمه ويقضى عنه دينه ويفرج كربه وهو القائل « ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب»، والقائل سبحانه: «ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا».
فتقوى الله تقتضى الالتزام بما أمر، والانتهاء عما نهى عنه، والتقوى تقتضى أيضا الأخذ بالأسباب، ثم ترك النتائج على الخالق سبحانه، فهو الذى يعلم ما فيه الخير للإنسان، فقد يذاكر الإنسان، ولو حكم الإنسان مقاييسه الشخصية سوف يتأزم وتسوء حالته النفسية، لكن لو أدرك أن الله هو من يقدر ويريد، وأنه لن يخذل من يعمل ويجتهد ويكافح لتحقيق طموحاته سيدرك أن الخير قادم، وعليه أن ينتظر وعد الله له ولغيره من المجدين والمجتهدين.