
مشاعر كثيرة تنتابنى وتعيدنى للأيام الأولى التى خطت فيها قدماى داخل المبنى القديم لجريدتى المفضلة «الجمهورية».. نصف قرن من الزمان، تعلمنا فيه معنى الانتماء والحب المتبادل بين الزملاء، معنى الولاء للمكان، للأصدقاء.. ثم العطاء بكل أنواعه وكأننا نبنى المستقبل من خلال ذكريات الماضى الذى عشناه.
نعم، نصف قرن مضى وكأنه ومضة سريعة من عمر الزمن منذ تتلمذنا على أيدى أساتذة أفاضل خبراء فى التعامل، يعرفون قيمة الكلمة ويجيدون فن الصحافة الورقية بما كان لها من قيمة إعلامية تنويرية.. هكذا كانت «الجمهورية» صحيفة الشعب التى انطلقت وكأن لسان حالها كان ينطق باسم الثورة، فظهرت فى النور لتكمل منظومة الصحافة فى ذلك الوقت.. «الأهرام» و»الأخبار» و»روزاليوسف» بإصدراتها العديدة.. ولكن «الجمهورية» باسمها الثرى صدراً معبراً عن جمهورية مصر الجديدة عقب ثورة يوليو، ظلت علامة للتحرر من كل القيود وكانت الشعلة الإعلامية التى ساهمت فى ثورات عديدة حتى فى الدول الأخري.
الآن وقد مر على «الجمهورية» سبعون عاماً من العطاء والتنوير فى شتى المجالات، قضيت منها نصف قرن فى هذا الحرم الإعلامى ومن باب الوجود والعمل التخصصي.. كنت جندياً فى محراب «الجمهورية الرياضي» مع أساتذة أفاضل.. فى بداية السبعينيات تعلمت منهم الكثير مثل عبدالرحمن فهمى وناصف سليم ومحمود معروف وعلى الجناح الآخر للجمهورية كان المرحوم حمدى النحاس مسئولاً عن رياضة المساء ضمن منظومة دار الجمهورية ثم ظهرت جريدة الكورة والملاعب برئاسة حمدى النحاس ومن بعده محمود معروف لتستمر المسيرة الناجحة لرياضة الجمهورية.. ومازال بحرها يعطى وبسخاء!!
ذكريات رياضة زمان
صفحات الرياضة فى الجمهورية شهدت عشرات الأسماء التى عملت فى التقدم الرياضى وكانت بصمتهم واضحة.. وربما لا يعرف الجيل الحالى من القراء أن ضمن أسرة الرياضة فى الجمهورية كان الكابتن على زيوار نجم الأهلى الأسبق ثم مدير الكرة والمعلق التليفزيونى على المباريات وكان يحلل كل مباريات الأهلى لقراء «الجمهورية».. فى المقابل كان اللواء محمد عبدالله لاعب ومدير الكرة بالزمالك أيضا يكتب كلمته الشهيرة فى ذلك الوقت ويحلل مباريات الزمالك، واختيارهما كان بذكاء من ناصف سليم رئيس القسم الرياضى فى ذلك الوقت لجذب قراء وجماهير الأهلى والزمالك، وكم من طرائف كانت تحدث فى تعليقات زيوار وردود عبدالله تجذب القراء والمتابعين.
من الذكريات الجميلة التى عشناها فى «الجمهورية»، عندما أصبحت الرياضة، خاصة كرة القدم هى السلوى والتسلية لكل الشعب المصري، ومع زيادة الإقبال على قراءة الأخبار والتحليلات الرياضية، زادت صفحات الرياضة فى «الجمهورية» فى السبعينيات وظهرت فى «الجمهورية» ولأول مرة صفحات كاملة تتحدث عن الألعاب الأخرى بجوار كرة القدم، وكان ملحق «الجمهورية الرياضي» بوابة للقراء ومعها بدأت لأول مرة موضة جديدة فى الصحافة اسمها استفتاء الجماهير لأحسن لاعب ويقام سنوياً حفل التتويج الذى كان يشارك فيه وينتظره الجمهور والقراء.
نقلة جديدة وتطور
ولأنها «الجمهورية» التى أفردت مساحات واسعة وصفحات كاملة للرياضة، كانت أيضا سباقة فى تنظيم البطولات العالمية والدولية فى ألعاب أخرى لعمل التوازن الجماهيرى ما بين الكرة بشعبيتها الجارفة، والألعاب الأخرى التى تحتاج للدعم والتدعيم، فابتكرت «الجمهورية» سباق النيل الدولى للسباحة وكان يشهد مشاركة أبطال العالم من الرجال والسيدات، وتوالت الأفكار على مر السنين.. حتى جاء الأستاذ سمير رجب رئيساً لمجلس الإدارة والتحرير وحملنى شخصياً مسئولية تنظيم بطولة كروية سنوية صيفية دائمة فى مدينة الاسكندرية، وكانت تشهد مشاركة ثمانية أندية فى مجموعتين، بينها بعض الفرق الأجنبية، حتى أصبحت بطولة شبه دائمة ولسنوات طوال، وكان الهدف منها إعداد الأندية للموسم الجديد، وكم من فريق كانت بداياته الأولى فى تلك البطولة مثل سموحة السكندرى الذى كانت بطولة الجمهورية سر انطلاقه وتفوقه من البداية.
أما النقلة الحقيقية فى رياضة «الجمهورية»، فكانت من بنات أفكار الراحل محسن محمد، الذى تولى رئاسة تحرير «الجمهورية» وأول ما فعله هو الاهتمام بالرياضة بصفة خاصة، فغير من كل التفاصيل الصحفية فى الجريدة، ونقل الرياضة إلى الصفحة الأخيرة، وعندما سألناه عن الفارق، قال إن الجريدة لكى تنجح لابد أن تقرأ من الصفحة الأولى حتى الأخيرة، ولا شيء يزين الجريدة أكثر من الرياضة، ومن هنا أطلق البعض أيامها على «الجمهورية» أنها الجريدة التى تقرأ من الخلف إلى الأمام.. فى نفس الوقت تم تحديد مكان فى أعلى الصفحة الأولي، وفى أقصى اليسار لعنوان يومى دائم عن الرياضة كإعلان عن أهم الموضوعات والأخبار داخل الجريدة.
استمر هذا الاهتمام، بل انعكس على سائر الصحف الأخرى التى تهتم بالرياضة وحتى الآن.
طرائف رياضية
والحديث بالحديث يذكر، عن الأساتذة الأفاضل فى الرياضة، كان القسم الرياضى يستعين بخبير أجنبي- مصرى هو الخواجة «أسكاموليس» الذى كان يحمل الجنسيتين اليونانية والمصرية، لم يعرف الكتابة بالعربي، لكنه كان صحفياً حتى النخاع فى وقت لم تكن فيه وسائل الاتصال متطورة كما هى الآن، فكان يستمع يومياً للبرامج الرياضية الأجنبية فى الراديو ويسجل الأخبار لديه بحروف يونانية، ثم فى الصباح يأتى إلى القسم الرياضى ليتحدث هو عن الخبر ونتناوب نحن صغار الصحفيين فى ذلك الوقت ترجمة ما يقوله لنحوله إلى خبر رياضي، وكان أهم ما يقدمه فى ذلك الوقت عن بيليه ومنتخب البرازيل ونجوم الأندية الأوروبية خاصة الإنجليزية التى جاء بعضها للعب فى مصر وديًا مثل فريق ويستهام الإنجليزى وبنفيكا البرتغالى وأيضًا عن محمد على كلاى النجم العالمى المسلم الذى أثار ضجة فى العالم بإسلامه حتى كانت الجمهورية فى استقباله عندما جاء استعرض مهاراته على الحلقة المصرية.
ولأن الجمهورية.. هى بيت الصحافة والإبداع الإعلامي.. فقد تخرج فيها الكثيرون الذين أثروا الإعلام الرياضى بصفة خاصة.
فأصبح محمود معروف وجمال هليل ومحمد جاب الله رحمه الله ثم محمد الدمرداش رؤساء تحرير للكورة والملاعب.. وانطلق بعضهم للعمل التليفزيونى وتقديم البرامج فى قنوات عديدة والبعض تولى المسئولية الرياضية فى الأندية مثل معروف فى الزمالك.. وهليل فى الكرة الطائرة.
ومازالت مدرسة الجمهورية مفتوحة على مصراعيها تعطى بسخاء ويتخرج فيها الخبراء الذين انطلق منهم العشرات للعمل فى الصحف والقنوات العربية والرياضية.
جمهوريتى.. معشوقتى.. حبيبتى الخالدة

د. إكرام منصور
يُعتبر الاحتفال بعيد صدور جريدة الجمهورية مناسبة تجمع بين استحضار الماضى واستشراف المستقبل. فهذه الجريدة، التى كانت شاهدة على أحداث تاريخية ومراحل مفصلية فى تاريخ مصر، تمثل نافذة أطل منها المصريون على قضاياهم اليومية، ومصدرًا ثريًا للمعلومات والتحليل الموضوعى.
على مر السنين، حافظت الجمهورية على أبوابها المميزة التى تناولت مختلف القضايا الاجتماعية، السياسية، والاقتصادية. من «الرأى والرأى الآخر» إلى «عالم الثقافة والفنون»، كانت الجريدة مرآة تعكس نبض الشارع المصرى، وتجسيدًا لدور الإعلام المسئول فى تنوير العقول وإبراز التحديات والإنجازات على حد سواء.
التاريخ حكايات شعب بأكمله؟ جمهورك المثقف، وأبناء القرى والصعيد، والفلاحون الذين وجدوا فيكِ مرآة تعكس همومهم وآمالهم وطموحاتهم.
فى صغرى، كنتُ أفتح صفحاتك بشغف. كنتِ ملاذى لعوالم الرياضة والفن والسياسة. أبوابكِ العريقة كانت بوصلتى: «كل زاوية فيكِ كانت رحلة، وكل سطر كان درسًا إن ميلادكِ لم يكن مجرد انطلاقة لصحيفة، بل بداية لثورة فى الوعى. رأى فيكِ الزعيم جمال عبدالناصر منارة تُنير طريق الشعب، فجاءت فكرتكِ وليدة حلم الاستقلال، وأُطلق عليكِ اسم «الجمهورية» تيمّنًا بتحوّل مصر إلى عهد جديد. كان أول من حمل مشعل قيادتك الرئيس محمد أنور السادات، بتكليف من عبدالناصر نفسه، لتكونى صوت ثورة يوليو، وأول صحيفة يومية تُجسد رؤاها وتدافع عن سياساتها، فى كل صباح، وعبر كل منعطف من تاريخ هذا الوطن، كانت «الجمهورية» نبضًا حيًا لا يخفت، وصوتًا صداحًا لا ينقطع. كيف لى أن أصفكِ، وأنتِ العريقة التى خطّت بحروفها على صفحات اليوم يتزامن هذا اليوم المميز فى تاريخ الجريدة مع حدث شخصى عميق الأثر فى حياتى، وهو مناقشة رسالة الدكتوراه الخاصة بى منذ تسعة عشرة عاما. هذا الحدث يربط بين مسارين متوازيين من الطموح والإصرار، أن الربط بين عيد صدور جريدة الجمهورية ومناقشة رسالة الدكتوراه يجعلنى أتأمل كيف يمكن للإنجازات الفردية أن تتكامل مع الإنجازات المؤسسية، وأهمية العمل الجماعى الصحفى من القيادات الحالية التى تسعى دائما للتطوير وتقديم الافضل بالمثابرة فى تحقيق التغيير الإيجابى. فكما استمرت الجريدة فى تقديم رسالتها رغم التحديات التى تواجهها فى هذه الفترة، فإن مسيرتى العلمية تؤكد أن المثابرة والتخطيط يمكنهما تجاوز أى عقبة، كما يحمل هذا اليوم فى طياته عبق التاريخ، وأمل المستقبل، ورسالة واضحة: أن الإنجاز لا يتوقف عند حدود الفرد أو المؤسسة.
سر القوة والعطاء.. والتنوير.. والتوعية
سيد عباس
ونحن نحتفل بالذكرى 71 عاماً على إنشاء جريدة الجمهورية تلك الصحيفة التى خطفت الأضواء وشعبية جارفة بين المصريين وسوف أسرد من خلال المقال سر شعبية «الجمهورية».. ولماذا نفخر بالعمل بها ونعتبرها رقم «١» بين الصحف المصرية، وأعود بالذاكرة إلى ارتباطى بالجمهورية منذ طفولتى حيث كان والدى رحمة الله عليه واشقائى خاصة أحمد حريصين على شراء الصحف بصفة شبه يومية ولفتت انتباهى جريدة «الجمهورية» بسبب الاهتمام بالرياضة ولها مساحة كبيرة والإشارة الشهيرة بالصفحة الأولى بينما كانت الصحف الأخرى لا تهتم بالرياضة ومساحتها محدودة.
كان أهم أمنياتى أن أكون صحفياً بالجمهورية وأتذكر إنى كتبت على السبورة وكنت فى الصف السادس الابتدائى.. سيد عباس صحفى بالجمهورية إن شاء الله وذلك من شدة انبهارى بالجمهورية.
وأعود بالذاكرة إلى ثلاثين عاماً عندما بدأت العمل بالجريدة وتحديداً فى شهر أكتوبر عام 1994 وكانت البداية بالعمل فى صفحة الشباب وكان لها أهمية كبيرة وكان من سياستها إعطاء الفرصة للشباب لعمل التحقيقات الصحفية بالإضافة إلى الأخبارحيث قمت بالفعل بإرسال مجموعة من التحقيقات والأخبار إلى الصفحة وكانت الفرحة الغامرة عندما تم نشر اسمى وكان معى بعض الشباب الذين أرسلوا الشغل للصفحة ولكن بعد مرور أسبوع واحد تم الاعتماد علىَّ فقط فى مراسلة الصفحة من سوهاج وأصبحت من الأعمدة الرئيسية لصفحة الشباب بل وتم نشر أخبارى المتنوعة منها بالصفحة الأولى وأيضاً بقية الصفحات..، ثم جئت للعمل بالجريدة بمقرها الرئيسى بالقاهرة وكنت محظوظاً إنى قابلت مجموعة من الصحفيين المحترمين ولم أشعر بغربة والتى تنتاب الشخص الذى يعمل بمكان جديد ولابد أن أتذكر بالخير والسيرة العطرة بعض الأساتذة الكبار الذين رحلوا عن عالمنا ومنهم المرحوم الأستاذ حربى بيرم الذى تأثرت كثيراً بوفاته وأيضاً المرحوم الأستاذ حسن الرشيدى والمرحوم الأستاذ جلال راشد والذين تميزوا بدماثة الخلق والكفاءة المهنية وندعو لهم بالرحمة.
وأهم البدايات.. العمل بصفحة «حديث المدينة» ثم التحقيقات الصحفية ثم رجوعى لحديث المدينة التى كانت تهتم بالأخبار الخفيفة وكنت مازالت فى مرحلة الشباب ولم يكن معتاداً أن يتولى رئاسة قسم أو الإشراف على باب يومى سوى الصحفيين الكبار فقط وبالفعل بذلت مجهودا كبيراً لساعات طويلة من العمل وبالفعل حقق باب حديث المدينة نجاحاً ملفتاً للنظر..وتستمر «الجمهورية» جريدة الثورة.. وصوت الشعب فى مسيرة العطاء والتنوير والتوعية وطرح القضايا الهامة.
جمهوريتنا العريقة.. بين أمجاد الماضى.. وتحديات الحاضر والمستقبل

أحمد العطار
71 عاماً مرت على إصدار العدد الأول من جريدتنا الغراء.. «الجمهورية العظيمة».. صدرت رخصتها باسم الزعيم جمال عبدالناصر وأدارها فى مرحلتها الأولى الزعيم أنور السادات.. عبدالناصر والسادات حلما معاً بصوت حر يعبر بصدق عن أحلام وطموحات جيل جديد وجمهورية جديد وحقبة جديدة ثرية ومثيرة فى تاريخ مصر المحروسة.. فصدرت الجمهورية.. مديرها العام أنور السادات وهو المنصب الأعلى الذى يوازى حالياً «رئيس مجلس الإدارة»، ونائب المدير العام العملاق جلال الدين الحمامصى أما أول رئيس تحرير فكان عملاق الصحافة حسين فهمى.. الرئيس السادات لم يكن مديراً تقليدياً لجريدة عادية.. فالجمهورية كانت بالنسبة له مشروع حياة وحلم عمر ولذلك أدارها بكل اخلاص وتفان ووطنية.
وطوال فترة توليه المسئولية ظل السادات قريباً من الجميع.. صحفيين وفنيين وعاملين ومازلنا نتذكر مشاهد تاريخية خالدة تجمعه بالعاملين فى مطبعة الجمهورية خلال الأحداث الجسيمة التى مرت بها مصر فى الخمسينيات وكانت «الجمهورية» شاهداً حياً وسجلاً موثقاً بل وشريكاً أساسياً فى متابعتها وتحليل أبعادها.
وبعد السادات والحمامصى وفهمى.. جاء لـ»الجمهورية» عمالقة ورواد وعظام.. كتَّاب ومفكرون وفلاسفة وأدباء وشيوخ الصحافة الذين نعتز بهم ونفخر بانتمائهم لـ»الجمهورية».. رائدة الصحافة الجماهيرية وصوت الوطن ولسان الشعب.. جيلاً بعد جيل.. وأحداث تلو الأحداث.. ورموز كثيرة مرت من هنا.. من شارع الجلاء حيث كان المقر شقة صغيرة بجوار باقى الصحف.. إلى شارع زكريا أحمد حيث المقر الواسع.. إلى أن استقر الحال بجريدة الثورة فى 115 شارع رمسيس وسط القاهرة.. وسبحان الله.. وكأنه كتب على الجمهورية أن ترتبط دائماً بالزعامات الوطنية.. فعندما قرر العملاق الكبير سمير رجب انشاء المبنى الشامخ الجديد مطلاً على شارع رمسيس العريق.. رفض محافظ القاهرة اصدار رخصة المبنى خوفاً من زيادة حدة الزحام وسط البلد.. ورفض أيضاً وزيرا الداخلية والتنمية المحلية.. وتعقدت الأزمة وبات الموقف أكثر صعوبة وكاد حلم المبنى الشامخ يتبدد لولا تدخل الرئيس الراحل حسنى مبارك شخصياً وقيل إنه وقع بنفسه على رخصة المبنى.. وتحركت المياه الراكدة وعادت ماكينات العمل للدوران من جديد حتى تحوَّل الحلم إلى حقيقية ومازال مبنى الجمهورية الذى صمم كـ»كتاب مفتوح» شاهداً على عظمة الحلم وعراقة الجريدة وأن صوت الوطن مازال ينبض بالحياة.. ولسان الشعب لن يصمت أبداً عن قول الحق والتعبير عن آلام وآمال أمة عظيمة عريقة تمتد بجذورها العميقة فى وجدان التاريخ البشرى.. ولكن.. هل تتوقف المسيرة عند هذا الحد؟ هل نستسلم ونرفع الراية البيضاء.. هل نذعن للضغوط ونقول «ليس فى الامكان أبدع مما كان» إلى أن تأتى اللحظة ويموت الحلم العظيم فى نفوسنا قبل أن يموت فى سجلات الموسوعة الصحفية؟ طبعاً لا.. وألف لا.. وإذا كانت التحديات صعبة والمهمة ثقيلة فلن تكون أصعب من ضربات العدوان الثلاثى حيث استمرت الجريدة فى الصدور وماكينات مطابعها لم تتوقف لحظة عن الدوران رغم شدة القصف البريطانى الفرنسى الإسرائيلى.. وفى يونيو 67 تعرضت الأمة لنكسة مدمرة كادت تأكل الأخضر واليابس وتصور العدو آنذاك أن الأمة المصرية قد ماتت وحان وقت تشييع جنازتها.. لكن المصريين أبوا.. صمدوا.. وتماسكوا.. ولم تتوقف مطابع الجمهورية عن الدوران.. وصدرت أعداد الجريدة بانتظام كعادتها.. وكل يوم مانشيت صارخ ومؤلم ومفجع للعدو أقوى من القنابل وأشد من دانات المدافع وأكثر لهيباً من نيران الصواريخ!!
ثم جاء يوم العبور العظيم.. فكانت الجمهورية صوت الحق نقلت للعالم كله زئير الجندى المصرى الجسور وهو يعبر القناة ويحطم خط بارليف ويحرر الأرض من دنس العدو.. وفى معركة السلام كنا حاضرون بقوة.. وساهمت الجمهورية بدور مؤثر وفاعل فى بناء رأى عام وطنى حقيقى مساند لرؤية زعيم وطنى انتصر فى الحرب وقرر خوض معركة السلام من أجل تحرير آخر شبر فى أرض الوطن.. وفى حربنا ضد الإرهاب لعبت الجمهورية دور البطولة فى التصدى للتيارات المتطرفة والمتشددة وحافظت على حظها الرئيس ومنهجها الثابت المستقيم دفاعاً عن الحق والعدل والوطن.. وفى معارك البناء والتنمية والتعمير مازالت الجمهورية رقماً مهماً وحاسماً فى المعادلة الصحفية والإعلامية تشحذ الهمم وتنير العقول وتبث روح الولاء والانتماء لوطن عزيز وغال يضمنا جميعاً بين حبات ترابه ونضمه أيضاً بين نبضات قلوبنا وداخل جوارحنا.. ونعود للسؤال.. وماذا بعد؟! هل نتوقف.. أم نستمر فى رحلة التنوير والتنمية والتضحية.. أتصور أنه لا بديل أمامنا سوى العمل والابداع والتطوير.. ونستطيع أن نطوع التكنولوجيا ونروض أدواتها وأدبياتها لخدمة العملية الصحفية.. وبدلاً من أن تكون عدواً نستطيع أن نجعل منها أدوات تساعدنا على استمرار رحلة العطاء.. قد تتغير الوسائل.. وقد تتبدل الآليات.. لكن المضمون واحد.. والرسالة ثابتة.. واليقين بداخلنا راسخ كالجبال.. واليوم ونحن نحتفل بمرور 71 عاماً على ميلاد «الجمهورية» ونتذكر بكل فخر واعتزاز ملامح المسيرة ومحطات الفخار ومراحل الشموخ والسطوع علينا أن نتحمل مسئولياتنا كجيل من أجيال «الجمهورية» ونعبر بجريدتنا كل ما يهددها من تحديات وعراقيل.. علينا أن نكسر روح الانهزامية التى قد تتسلل أحياناً إلى نفوسنا وتدعونا للاستسلام والاقرار بالانهيار والفشل.. لا.. لن نستسلم.. ولن ننهزم.. لن نخون الأمانة.. ولن نسقط الراية التى حملها العمالقة فى العقود الماضية ورفعوها عالية تعانق السماوات.. واجهوا عقبات وأزمات وحروب وضغوط وإرهاب وتطرف.. ومع ذلك صمدوا ولم يستسلموا.. علينا أن نواجه مشاكلنا بشجاعة أولاً.. ثم نحدد طريقنا جيداً.. ونجهز الأوراق والأسلحة التى نحارب بها ونعبر إلى مستقبل أفضل.. مثلما عبر الرواد فى سنوات خلت من تاريخ «الجمهورية».. فقط نكون يداً واحدة.. يجمعنا هدف واحد.. وغاية واحدة.. جريدتنا وأمتنا ومستقبل الأجيال القادمة.. علينا أن نعبر تحديات العقد السابع وننتقل بالجمهورية ــ الصحيفة والوطن والأمة ــ إلى العقد الثامن ونسلم الراية إلى جيل جديد ربما يكون أكثر قوة وصموداً ولديه إرادة النصر ورفض الهزيمة.. عودوا للأرشيف واقرأوا مانشيتات وتحقيقات ومقالات وكلمات رموز «الجمهورية».. ارجعوا إلى بدايات السادات والحمامصى وحسين فهمى.. مروراً بالعملاق محسن محمد والمتميز محفوظ الأنصارى والقبطان المجدد سمير رجب الذى تحدى كل التحديات وقرر العبور بالكيان إلى مرحلة جديدة أكثر شموخاً وسطوعاً وتوهجماً.. وعلى القيادات الحالية تحمل مسئولياتها التاريخية فى ايجاد الحلول والأفكار والبرامج والآليات التى تعيننا على عبور الأزمات المالية الطاحنة التى تواجه كل المؤسسات الصحفية القومية.
وتحيا «جمهورية مصر الصحفية التنويرية»
جريدة الجمهورية.. تاريخ حافل
شريف عبدالحميد
فى البداية أحب أن أهنئ جريدتنا الغراء «الجمهورية» بمناسبة ذكرى تأسيسها الـ 71 حيث أسسها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بعد ثورة 23 يوليو.. صدر العدد الأول منها فى 7 ديسمبر 1953، وكان الرئيس الراحل محمد أنور السادات هو أول مدير عام لها فهى بالفعل جريدة صوت الشعب.
الرئيس الراحل أنور السادات كتب فى مقاله بالعدد الأول بجريدة «الجمهورية» باعتباره مدير عام الجريدة: «هذه الجمهورية تشق طريقها إليك بين الصحافة العربية وتشق طريقها واضحاً لا تخبط فيها ولا التواء ولا مجاملة ولا تحامل.. لقد حددت أهدافها أو آلت على نفسها ألا تنفذ هذه الأهداف إلا بسلطان الصدق وفى ضوء الوضوح.»
«جريدة الجمهورية» يزداد دورها الوطنى يوماً بعد يوم، دعماً للدولة المصرية وقضايا الوطن وأولوياته وأداة رئيسية للتنوير والتثقيف ونشر الوعى.
الجمهورية منذ تأسيسها وقد عملت انفرادات عديدة لا تعد ولا تحصى فى كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والفنية والتكنولوجية والدينية والعلمية سواء على المستوى المحلى أو الدبلوماسى أو العربى أو العالمى، واستطاعت وسط تحديات عديدة أن تثبت قدرتها على مواجهة كل هذه الصعاب، والتصدى للعديد من القضايا من خلال المجهودات الكبيرة التى يبذلها أبناؤها فى كل مكان من أجل أن ينقلوا للقارئ ما يدور فى كل مصر وخارجها بكل مصداقية وشفافية.
أجيال تسلم أجيالاً من أجل العمل على نفس الوتيرة.. فها هى «جريدة الجمهورية» التى استطاعت بالفعل أن تكون فى المقدمة والتحلى بشعبية كبيرة لدى الشعب المصرى، وأن تحافظ على تميزها، فضلاً عن تطورها الدائم لمواكبة آفاق وفنون العمل الصحفى الحديث، وكونها أحد أذرع القوى الناعمة فى مصر.
كل الزملاء والزميلات الذين يتواجدون فى «جريدة الجمهورية» يعتزون بكل لحظة قضوها بالمكان والزمان الذى أحاط صحيفتها.. فهى بيتنا الذى شكل كثيراً من حياتنا وسعادتنا وتعبنا وما تميزت به فالكل كان على قدر المسئولية وعلى قلب رجل واحد لتأكيد جدارتهم وإثبات ذاتهم وهو ما نراه الآن وفى كل وقت.