10 أيام مع السينما الإيطالية عاشتها القاهرة فى رحاب المعهد الثقافى الإيطالى حتى ٩ يونيو الجاري.. توزعت العروض بين مقر المعهد وسينما الزمالك حيث شهدت إقبالا كبيرا من الجمهور وجاءت العروض مجانية وكاملة العدد.
اختير «أنا القبطان» الفائز بجائزة الأسد الفضى من مهرجان فينيسيا كفيلم الافتتاح بحضور ديفيد سكالمانى مدير المعهد واوسكار لاروسى الصحفى والناقد الأدبى والسينمائي.
رفع المهرجان شعار «السينما فى المدينة» بمزيج من الروائع الإيطالية الكلاسيكية مثل أعمال فريدريكو فيللينى وبطولة مارسيلو ماستريانى وصوفيا لورين بجانب أحدث إنتاجات 2023، ولم يغفل المهرجان الفيلم الوثائقى فكان جوهرة المهرجان فيلم «رجال وآلهة» عن المتحف الفرعونى المصرى فى مدينة تورينو الايطالية الذى شاهدناه بسينما الزمالك.
امتلأت القاعة بالجمهور محب الآثارأو عاشق الثقافة الإيطالية فى فيلم يخاطب النوعين معا ، ليقدم رؤية عن الفراعنة الخالدين باستعراض الروائع التى تضيء المتحف المصرى بتورينو شمال غرب إيطاليا وهوأقدم متاحف المصريات فى العالم تأسس 1843 وبه ثانى أكبر مجموعة مقتنيات بعد متحف التحرير «أكثر من 30 ألف قطعة».
الترجمة الحرفية لعنوان الفيلم الذى عرض لأول مرة فى نوفمبر 2023 «رجال وآلهة»، ولكن العنوان الإنجليزى يقدم الرؤية أوضح: «الخالدون.. عجائب المتحف المصرى بتورينو». يتحدث – فى ٨٥ دقيقة – عن عقيدة الموت والخلود عند المصريين القدماء بدءا من اسطورة ايزيس وأوزوريس إلى طرق التحنيط واستعدادات الرحلة للعالم الآخر.
ويركز على الرؤية المتحفية فى عرض المومياوات والتماثيل واللوحات التى تعبرعن حياة هؤلاء الموتى الخالدين وكيفية توفير الظروف الملائمة التى تجمع بين العناية والكرامة فهذه المومياوات كانوا بشرا وملوكا عظاما.
وإذا كان الفيلم الإيطالى يركز – وربما يروج – لمتحفهم الأهم لكنه لا يغفل المتاحف الأخرى فنشاهد أمناء متاحف اللوفر والبريطانى وبرلين يتحدثون عن احترامهم لهؤلاء الأموات الذين يستحقون «بيئة مرحبة» لدرجة أنهم لا يتجادلون فى وجودهم.. احتراما ومهابة.
نشاهد عبر الفيلم رحلات التنقيب عن الآثار وأكبر الكشوفات الأثرية التى غيرت العالم وأهم القطع التى استقرت بتورينو والمساهمين فى هذا المتحف..
بينما يشعر المشاهد الأجنبى للفيلم بكل الانبهار والانجذاب للشاشة الذى نجح فيه صناع الفيلم، قد يختلف شعور المشاهد المصرى الذى تسكنه الحسرة وهو يرى كنوز مصرية خرجت من بلده وصنعت شهرة المتاحف العالمية ويحتفى بها الفيلم مثل حجر رشيد فى المتحف البريطانى وتمثال رأس نفرتيتى فى متحف برلين وركن المصريات العامر باللوفر وخاوميريت بمتحف تورينو.
يظهر المصريون فى الفيلم الوثائقي.. ورثة للحضارة.. أول شعب زرع فى التاريخ.. نلمح مشاهد بين الصحراء والخضرة.. نزور قرية «دير المدينة» مقر العمال فى مصر القديمة
ونشاهد أيضا أطفالا تجرى وتلهو فى أروقة الكرنك، وشبابا يلعبون الكرة بجوارأهرامات الجيزة. وبعد نحو ساعة من التجول بين إيطاليا وأوروبا نشاهد أخيرا المتحف المصرى بالتحرير بكنوزه وحديث قصير لمديرته صباح عبد الرازق.
لا نلوم الفيلم على هذه الصورة فمازال فى الأذهان تحفة شادى عبد السلام «المومياء» التى أكدت على حماية التراث من الأجنبى الدخيل أو حتى المصرى المتواطيء، لكننا نسأل أين السينما – لا سيما الوثائقية – من آثارنا.. من متاحفنا.. هل نوثق علميات التنقيب المستمرة؟ هل نسجل جهود الترميم؟ هل تدخل السينما –بشكل كاف ضمن أساليب العرض المتحفي؟ أسئلة مشروعة قبيل الافتتاح الرسمى للمتحف المصرى الكبير الذى يوفر طرق العرض الحديثة وانبهرنا بها فى الفيلم، مثل العروض ثلاثية الأبعاد وتحليل انسجة المومياوات وغيرها من المشاهد المدهشة التى تبقى فى ذاكرة أى زائر لهذه المتاحف العالمية.
ولعل من أفضل اختيارات كاتب الفيلم ومخرجه ميكيل مالى وشاركه فى الكتابة ماتيو مونيتا ظهور الممثل البريطانى العملاق «جيريمى ايرونز» كمعلق على الأحداث.. يجمع فى يده خيوط وخطوط الفيلم ويساعد على الحفاظ على تركيز مشاهده مع انتقال الكاميرا وتغيرالأماكن والأشخاص.. يحيلك ايرونز بمعطف أسود طويل وقوام ممشوق وصوت عميق ربما لفكرة حارس الموت الذى يمثل هؤلاء الخالدين.. لا فقط يتحدث عنهم.. يختزن سنوات الخبرة الطويلة ويخرجها بسلاسة وهو يحكى بحماس قصة ايزيس وأوزوريس أو قارئا بعذوبة قصيدة الشاعر شيلى «أوزيماندياس» عن وصول تمثال رمسيس التانى للمتحف البريطاني.. تساعده موسيقى «ريمو انزوفينو» التى تنقل للمشاهد أحاسيس الهيبة الملائمة لحضرة الملوك الموتي.
ينجح الفيلم الوثائقى «رجال وآلهة» فى منح مشاهده تذكرة مجانية يزور بها متحف تورينو، ويتعرف على كنوز مصرية ليست فقط فى قيمتها المتحفية وانما الإنسانية.. فهؤلاء الخالدون كما يقول مدير متحف تورينو فى ختام الفيلم «صنعوا أكبر مما فى الإمكان بحيواتهم القصيرة.. كانت لهم شكوكا ولكنهم أيضا اجتهدوا فى البحث عن إجابات ومازلنا نكتشف ونعرف ونفهم».