رغم مرور تسعة شهور على حرب الإبادة الجماعية التى يرتكبها جيش الاحتلال الصهيونى ضد الشعب الفلسطينى الأعزل راح ضحيتها أكثر من 40 ألف شهيد وإصابة وفَقْدِ قرابة مائة ألف آخرين فى أعقاب انطلاق عملية طوفان الأقصى التى نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية فى السابع من أكتوبر الماضي، إلا أن العدو الإسرائيلى بقيادة «النتن ياهو» فشل فى تحقيق الهدف الرئيسى من تلك الحرب وهو القضاء على حماس وغيرها من فصائل المقاومة، وكذلك فشل فى تحرير الرهائن اللهم إلا عدد قليل لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة!!..
وكان نتيجة ذلك الخسران المبين بتصدع المجتمع الإسرائيلى من الداخل، وكذلك الحال بالنسبة للجيش الذى يعانى من انشقاق كبير فى صفوفه، سواء على مستوى القادة أو الجنود، الذين أصيب الكثير منهم بحالات اكتئاب وانتحر عدد ليس بالقليل، علاوة على رفض عدد أكبر الانضمام الى الخدمة العسكرية فى ظل استمرار تلك الحرب التى يرونها لا تخدم سوى نتنياهو وأمثاله من الوزراء المتطرفين وفى مقدمتهم وزيرا المالية والداخلية..
فى المقابل ورغم سقوط الآلاف من الشهداء والمصابين من أبناء الشعب الفلسطيني، إلا أن المقاومة يرون أنهم حققوا الكثير والكثير من المكاسب خلال تلك الحرب، لعل فى مقدمتها إعادة القضية الفلسطينية إلى بؤرة اهتمام العالمين العربى والدولي، إضافة إلى كسر شوكة نتنياهو وجيشه وكشفه أمام العالم، ولعل خير دليل على ذلك ما جاء على لسان «الفتى الملثم» ابو عبيدة المتحدث بأسم كتائب القسام مؤخرا حول تكبد العدو الإسرائيلى خسائر كبيرة فى الأرواح والمعدات طوال معركة الشهور التسعة وتوعده لهم بالمزيد خلال الفترة المقبلة، مؤكدا أن جيش الاحتلال الصهيونى سوف يرى كل يوم العشرات من «كمائن الموت» على حد وصفه!!..
وإذا تحدثنا عن الخسائر المباشرة التى تكبدها جيش الاحتلال منذ اندلاع الحرب، وحتى كتابة هذه السطور، نجدها خسرت أكثر من 2500 قتيل، فضلاً عن أسر أكثر من 250 جنديا وضابطا إسرائيليا، من بينهم رتب عليا، علاوة على إصابة قرابة عشرة آلاف آخرين وقامت إسرائيل، لأول مرة، بتهجير نصف مليون إسرائيلي، من المستوطنين حول قطاع غزة، سواء فى الشمال أو الجنوب، إضافة إلي تعرض عدد من مراكزها، ومواقعها، للاختراق، لتحصل المقاومة الفلسطينية على الكثير من المعلومات الهامة عن الموساد، بما مكّنها من غزو الأراضى الإسرائيلية، بعدما كانت الريادة لإسرائيل فى ذلك..
ولم تقتصر الخسائر الإسرائيلية جراء تلك الحرب على الداخل فقط، بل امتدت إلى أصدقائها وداعميها فى الخارج أيضا، ولنا فيما حدث فى الانتخابات الفرنسية والبريطانية حيث فوز اليمين المتطرف فى فرنسا على حساب ماكرون وانصاره وكذلك فوز حزب العمال البريطانى على حزب المحافظين وتغيير الحكومة البريطانية ورئيسها، وعلى نفس المنوال تسير الأمور فى الانتخابات الأمريكية، حيث من المتوقع خسارة بايدن وفوز ترامب بسبب تداعيات حرب غزة..
وما أشبه الليلة بالبارحة فكما حدث عقب نكسة 67 وقبل حرب اكتوبر المجيدة حينما صدر جيش الاحتلال صورة ذهنية للعالم بأنه الجيش الذى لا يقهر فكانت اللطمة الكبرى والضربة الموجعة من أبطال الجيش المصري واسقاط تلك الاسطورة وافقد العدو الصهيونى توازنه فى ست ساعات كما ذكر ذلك الزعيم الراحل أنور السادات فى خطاب النصر الأشهر أمام مجلس الشعب .. وكأن جيش الاحتلال الإسرائيلى قد خطط بعد مرور أكثر من خمسين عاما على حرب أكتوبر المجيدة لانهيار الصورة، التى حاول تثبيتها، على مر العقود، فى أذهان الجميع، بأنه الجيش الذى لا يقهر، فإذا بالسحر ينقلب على الساحر، كما وصفها الخبير الإستراتيجى والمحلل العسكرى دكتور سمير فرج فى أحد مقالاته المهمة مؤخرا مؤكدا فشل تكتيكات العدو الإسرائيلى فى نقل الحرب، أو نقل أرض المعركة، إلى أراضى خصمه، وكذلك فشله فى تحقيق أى من أهدافه المعلنة، عند بدء الحرب، سواء بتدمير حماس، أو الاستيلاء على غزة، أو حتى تحرير الرهائن كما ذكرت فى البداية، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية التى تتكبدها إسرائيل، والتى تُقدر بنحو 240 مليون دولار، فى اليوم الواحد، نتيجة التوقف التام للسياحة، وتوقف العديد من المصانع الإسرائيلية، نتيجة استدعاء أفرادها للتعبئة العامة..
وإن كان فى تلك الحرب مكسب، فرغم ما يعانيه الفلسطينيون من عدوان غاشم ينافى كافة القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، إلا أنهم نجحوا فى إعادة قضيتهم على رأس أولويات الأجندة العالمية، واكتسبوا اتحاد جميع شعوب العالم معهم، واعتراف عدد من الحكومات بدولة فلسطين، وهو ما قد يؤسس لمرحلة جديدة فى العلاقات الدولية، خاصة فى حال فوز ترامب فى السباق الرئاسى الأمريكي، وهو المعروف بتوجهه نحو حل القضية من خلال دولة فلسطينية مستقلة ..