12 يومًا كانت كافية لكشف المستور..!
ما حدث فى سوريا كان غريبًا مثيرًا مفاجئًا.. وقد كتبت أمس قبل سقوط دمشق أن هناك انهيارًا لا تفسير له للجيش السورى وأنه لا شيء مستبعد بما فى ذلك سقوط دمشق.. والعاشرة من مساء أول أمس (السبت) كانت النهاية عندما حلقت طائر الرئيس بشار الأسد فوق الأراضى السورية تاركًا سوريا تواجه مصيرًا جديدًا وعهدًا مختلفًا ومسارًا لا يمكن الحكم عليه الآن.
وكلهم باعوا الأسد.. تمامًا مثل مشهد الملك الإنجليزى ريتشارد قلب الأسد فى فيلم الناصر صلاح الدين حينما جلس يندب حظه وينعى نفسه بعد أن خسر كل شيء مستسلمًا لليأس قائلاً: «كل حلفائك خانوك يا ريتشارد».. وهذه المرة كان هناك ريتشارد جديد وجد نفسه وحيدًا بعد أن تخلوا عنه جميعًا فى أيام معدودة.. روسيا وإيران وحزب الله والجيش السورى نفسه..!
وأين كان بشار الأسد قبل أن يقع ما حدث فى أيام معدودة.. هل كان الرئيس السورى غافلاً عن أن هناك تجمعًا للمقاومة والمعارضة فى الطريق للإنقضاض عليه وهل كان على علم بأن الجيش السورى لم يكن مستعدًا للمواجهة.. وهل أخفى عنه معاونوه المعلومات.. أم أن الأسد نفسه قد شارك فى خيانة نفسه..!
> > >
ولنتابع ما حدث فى سوريا منذ الـ27 من نوفمبر الماضي.. حيث بدأت تقارير تتحدث عن عملية اطلق عليها «ردع العدوان» تنفدها المعارضة السورية أو ما أطلق عليه الفصائل المسلحة وما اسماه البعض بجبهة تحرير الشام.. وبداية فإننا نشرح مفهوم ومكونات المعارضة السورية التى شاركت فى عملية ردع العدوان لاسقاط النظام فى سوريا.. فهى فصائل مدعومة عسكريًا ولوجيستيًا من دول خارجية وتضم فى صفوفها.. لواء أحرار سوريا ولواء أحفاد صلاح الدين ولواء أمانة الرقة، ولواء أويس القرني، ولواء الأمة ولواء الأنفال ولواء التوحيد ولواء الحق.
وهذه الفصائل مجتمعة يقودها أبومحمد الجولانى وهو مقاتل سابق فى تنظيم القاعدة وكان مطلوبًا على قائمة الإرهابيين عالميًا (قبل أن يكون هناك تنسيق معه ومحاولات لإظهاره من جديد كرجل دولة).. وفيما مضى كانت الفصائل والمعارضة السورية تواجه الفشل لأنها كانت تفتقد إلى القيادة الموحدة وإلى التخطيط الجيد لشن عملياتها واستراتيجيتها الدعائية التى تكسب فيها الحرب بدون قتال.
وفى عملية ردع العدوان فإن ما حدث فى سوريا هذه المرة كان مختلفًا تجمعت كل الفصائل تحت راية واحدة وغرفة عمليات مركزية فى أدلب وبعثت وروجت ونشرت خطابًا تصالحيًا ذا لهجة مختلفة فى مخاطبة الرأى العام السورى وهو خطاب أشاع أجواء من الطمأنينة لدى المواطنين من مسلمين ومسيحيين وذلك بعدم اظهار أى مظهر من مظاهر التشدد كما كان متوقعًا.. وعملوا أيضا على تأمين عودة السكان إلى منازلهم وخاطبوا الطائفة العلوية التى كانت تحكم سوريا ودعوهم لأن يكونوا جزءًا من سوريا المستقبل.. سوريا التى يقولون عنها أنها لا تكترث بالطائفية والتى ستتبنى مشروعًا وطنيًا جامعًا يتسامى على الطائفية والعنصرية ويبتعد عن الانتقام والثأر.
> > >
وعندما كانت عملية «ردع العدوان» تحقق نجاحًا كان حلفاء بشار الأسد يتخلون عنه واحدًا تلو الآخر فى مشاهد كانت توحى بأنه قد تم الاتفاق على التخلص من الأسد.. وإيران بدأت عملية البيع والتسليم بتصريح لوزير خارجيتها عباس عراقجى قال فيه: «مصير بشار الأسد يعتمد الآن على مشيئة الله».. وبعدها كانت إيران تسحب قواتها وقيادتها الميدانية من سوريا وتوقفت عن المقاومة.. وحزب الله وراء إيران أمر مقاتليه بالتراجع والانسحاب بعد التقدم السريع لفصائل المقاومة.
وأمريكا وجدت أن هناك قيادة جديدة وأن بشار فقد القدرة على المقاومة فأوعزت لـ»سي. إن. إن» بإجراء حديث مع القائد الجديد أبومحمد الجولانى الذى لم يعد رجل عصابات وإنما رجل دولة.
وروسيا لم يكن فى مقدورها أن تنقذ الأسد كما فعلت فى مرات سابقة لأن الانهيار كان سريعًا ومتلاحقًا ولم يكن فى مقدورها ارسال قوات ميدانية ولم يكن ممكنًا توجيه ضربات جوية مؤثرة فى ظل تحول قوات الفصائل المسلحة إلى المدن السورية والتحامها بالمواطنين.. والجيش السورى وجد نفسه بين خيارين أحلاهما مر.. فإما القتال وازهاق الأرواح بين السوريين بعضهم البعض.. وإما التخلى عن الأسد وتركه يواجه مصيره وهو الخيار الذى تم الاتفاق عليه ليسقط النظام السورى ويرحل بشار بعد أن كانت زوجته وأولاده قد توجهوا إلى روسيا فى الأسبوع الماضي..!
> > >
ويبقى السؤال ما هو السيناريو المتوقع لسوريا فى الأيام القادمة وهل لدى الفصائل المسلحة رؤية تم الاتفاق عليها قبل بدء العمليات العسكرية.
إن مستقبل سوريا يعتمد على مدى اتفاق رفاق التخلص من بشار.. ومدى تجاوب الفصائل المسلحة مع توجهات وتعليمات القيادة الجديدة.. وان كانت هناك بعض السيناريوهات التى يتحدثون عنها والتى تبدأ بإنسحاب الفصائل المسلحة خارج المدن والحفاظ على مؤسسات الدولة وبقاء جميع الموظفين فى مناصبهم وتشكيل هيئة انتقالية لتولى القيادة من ستة إلى تسعة أشهر ويلى ذلك انتخابات برلمانية جديدة وقيادة مدنية.
وكل ذلك قد يبقى مقبولاً ومعقولاً ولكنه يأتى فى الاطار النظرى بعيدًا عن مجريات الأحداث التى قد تشهد انقسامًا حادًا فى الرؤى فى قضايا جوهرية مثل العلاقة مع إسرائيل.. فبعض هذه الفصائل أعلنها بوضوح أنه لا ينظر إلى إسرائيل كعدو وأن العدو الوحيد هو نظام بشار الأسد، والبعض الآخر يقوم على فكرة المقاومة ويدعو لاستعادة الأراضى السورية المحتلة ويرفض التطبيع وكان متشددًا فى مواقفه ضد بشار الأسد بسبب استسلامه لإسرائيل وتجاهله للضربات التى تشنها على سوريا..!!
وأيا ما كانت كل السيناريوهات المطروحة فإن السؤال الأهم يدور حول كيفية تعامل الدول العربية مع سوريا بعد سقوط بشار خاصة وأن الدول العربية كانت قد بدأت خطة لدمج بشار عربيًا ومساعدته لإنهاء الأزمة والتوتر فى سوريا!! والواقع أن السقوط المفاجيء والسريع لبشار أربك أيضا الحسابات العربية.. والحوار مع سوريا الجديدة ينبغى أن يبدأ حتى لا تضيع سوريا أيضا.
وأخيرًا:
> يغلق بابا بحكمته ويفتح بابا برحمته.
> والطين واحد لكن الأرواح تختلف فبعض البشر داء والبعض الآخر دواء.
> وأنت بحاجة لأن تستريح قليلاً تستريح من الخوف من القلق من توقع الأسوأ ومن عناء التفكير.
> ولكل شدة مدة فالله رحيم بعباده.