بعد يوم واحد من تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بمواصلة الحرب على قطاع غزة، حتى «النصر الكامل» بحسب وصفه والذى يراه بات قريبًا وعلى بعد أشهر فقط!!، قصفت القوات الإسرائيلية مناطق فى مدينة رفح الفلسطينية على الحدود المصرية والتى تضم الآن نحو نصف سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، هذا التطور الخطير يجدد المخاوف المصرية من هجوم برى وشيك على تلك المدينة وهو ما يعيد للواجهة سيناريو التهجير القسرى للفلسطينيين إلى سيناء والذى ترفضه مصر تمامًا وترسمه خطا أحمر، وأى تجاوز له لن يمر من دون موقف مصرى حاسم وتداعيات على العلاقات المصرية الإسرائيلية.
كما أن هناك قلقاً دولياً متزايداً من الهجوم البرى الإسرائيلى المرتقب على رفح، حيث حذرت وكالات إغاثة دولية من كارثة إنسانية إذا نفّذت إسرائيل تهديدها باقتحام إحدى آخر المناطق المتبقية التى لم تدخلها خلال هجومها البرى على قطاع غزة، وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إنه يشعر بقلق شديد إزاء التقارير التى تفيد بأن الجيش الإسرائيلى يعتزم اقتحام رفح فى المرحلة التالية، حيث سيؤدى إلى خسائر كبيرة فى الأرواح وخطر ارتكاب جرائم حرب.
نتنياهو من جانبه غير عابئ بما يقوله العالم أو الأمم المتحدة أو حتى الولايات المتحدة!! حيث قال فى مؤتمر صحفى متلفز إن شروط حماس «وهمية»، ولا أحد على استعداد لقبولها، وسوف لا يوجد مكان فى قطاع غزة محصنا، وفى ضربة لآمال عائلات الرهائن المتبقين الذين تحتجزهم حماس، قال نتنياهو إن الرهائن لن يطلق سراحهم إلا بالضغط العسكرى المستمر على حماس، والسؤال هنا لنتنياهو: منذ أربعة أشهر تضغط عسكريا فهل حررت رهينة واحدة؟ الإجابة بالطبع لا!!
نتنياهو لم ينتظر حتى يغادر وزير الخارحية الأمريكى المنطقة ليعلق على رد حماس على المبادرة الأخيرة للتهدئة والتى طرحت بوساطة مصرية قطرية ودعم أمريكي، بل قال ما قاله و الرجل «بلينكن» لا يزال فى جولته بالمنطقة، كأنه يريد توصيل رسالة إلى بايدن وبلينكن معا مفادها أنه يضرب عرض الحائط بالجهود الأمريكية ويرفض الضغط الأمريكى عليه والذى بدا واضحا فى الفترة الأخيرة، ويرفض كل المقترحات التى من شأنها وقف الحرب,بالرغم من الدعم الأمريكى اللا محدود لإسرائيل وفى القلب منه الدعم العسكرى !
فيما يخص موقف مصر الرسمى فهو واضح حيث تعارض القاهرة دخول الجيش الإسرائيلى لمسافة قريبة من الحدود المصرية حسب اتفاقية السلام بين البلدين، وترفض المساس بالحدود أو إشعال الحرائق وإثارة الأزمات بالقرب منها، و كانت معاهدة السلام بين البلدين قد قسمت سيناء إلى ثلاث مناطق «أ – ب– ج»، وتضمنت وجود منطقة «د» بعمق 4 كيلو مترًا على الجانب الأخر، ولا يمكن تواجد أكثر من 4 آلاف جندى إسرائيلى بالمنطقة «د» وبتسليح مشاه ميكانيكى فقط، دون وجود مدرعات أو مدفعية أوطيران، ولذلك فإن أى دخول لقوات مدرعة أو مدفعيات أو مجنزرات للمنطقة هو خرق إسرائيلى واضح لمعاهدة السلام، واتفاقية المعابر، ولو حدث ذلك فيحق لمصر اتخاذ كافة الإجراءات لحماية أمنها القومي.
تخوفات مصر مشروعة وفى محلها حيث إن تصريحات نتنياهو وإصراره على توسيع نطاق العملية العسكرية إلى رفح يعنى إزاحة أهل غزة إلى داخل الأراضى المصرية عنوة، وبالطبع مصر لديها العديد من السيناريوهات التى ستتعامل معها فى أى حالة وتحت أى ظروف ليس من الآن فقط، ولكن ربما من قبل السابع من أكتوبر 2023، حيث تم اتخاذ تدابير مصرية مبكرة لحماية الاتجاه الاستراتيجى الشرقى كاملا والاستعداد التام للتعامل مع أى خطر يحيق بالأمن القومى لمصر، واعتقد أن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية الداعمة لها بالسلاح تعلمان جيدًا من هو الجيش المصرى وتدركان جيدًا عواقب غضبه، ومن ثم فمن الحكمة أن تدرس إسرائيل كل خطوة تخطوها فى هذا الاتجاه قبل أن تنزلق فى منعطف قد يكون الأخطر فى هذه الحرب.
فى رأيى أن الكرة الآن ليست فى ملعب حماس ولا حتى فى ملعب إسرائيل و إنما فى ملعب الولايات المتحدة، فنتنياهو لا يريد لهذه الحرب أن تنتهى لأن فى نهايتها نهايته السياسية وربما محاكمته، و حماس ستظل حتى آخر لحظة تناور بورقة الأسرى وتعلى سقفها فهذه فرصتها الوحيدة، أما الولايات المتحدة فبعدما عاد بلينكن خالى الوفاض من المنطقة وسمعها صريحة من نتنياهو أنه سيواصل الحرب ولن يسمع لأمريكا ولن يرضخ لضغوطها، فماذا تنتظر إذا الولايات المتحدة لاتخاذ إجراءات من شأنها إرجاع نتنياهو عما يقدم عليه، وهى تملك ذلك، أقلها منع السلاح عنه وإجباره على التراجع، وكذلك عليها أن تضع فى اعتبارها أن تصريحات نتنياهو وبعض أعضاء حكومته وحزبه المستفزة لمصر ليست فى صالح العلاقات المصرية الإسرائيلية، كما أن مصر حليف قوى ومهم لأمريكا وعلى الأخيرة أيضا أن توقف نتنياهو عند حدوده فى هذا الشأن.