قد يتوهم البعض أن المظاهرات التى ينظمها أهالى الأسرى الإسرائيليين ضد نتنياهو وحكومته ترفض الحرب على غزة، أو أنهم متعاطفون مع الفلسطينيين الأبرياء الذين تراق دماؤهم ليلاً نهاراً، بل الحقيقة أنهم مع ذلك لكنهم فقط يطالبون بتحرير تلك المجموعة التى اعتقلتها حماس فى 7 أكتوبر.
وقد يتوهم البعض أن هناك فرقاً بين حكومة وأخرى من التى تحكم الكيان الصهيوني، فالحقيقة أنهم كلهم بنفس الفكر الدموى ويرفضون إقامة الدولة الفلسطينية ولا يقبلون أى حلول، وحتى بعض المرونة المزعومة التى يمكن أن يظهرها بعضهم أحياناً يرتد بعدها فوراً ويعود للتصلب والتملص من أى اتفاق.
وما حدث على مر العقود السبعة الماضية خير دليل على ذلك، فلم تفض أى مفاوضات عن تقدم يذكر، لأنهم يريدون الأرض والسلام، ولا يتعلمون الدرس أن هذا لن يحدث ما لم يحصل الفلسطينيون على حقوقهم كاملة، وقد أكدت مصر ذلك مراراً وتكراراً، ودائماً تحذر من أن استمرار الإسرائيليين على هذا النهج لن يحقق الاستقرار ولا السلام فى المنطقة بل يولد المزيد من العنف والاضطرابات وهو ما يحدث فعلاً.
الأمر نفسه ينطبق على الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وبكل أسف ننخدع ـ أو نخدع أنفسنا ـ لأننا نأمل مع كل انتخابات رئاسية أمريكية أن تتمخض عن إدارة تؤمن بالسلام والعدل، لكن الواقع يؤكد غير ذلك، فكلما جاءت إدارة جديدة تكون أكثر تشدداً تجاه القضايا العربية خاصة، وتعمل على إرضاء إسرائيل قبل كل شيء، وتنفذ أحلامها غير المشروعة، والآن ونحن ننتظر انتخابات رئاسية أمريكية نهاية العام الحالي، لا أتعشم أن يتغير الموقف الأمريكى تجاه منطقتنا أياً كان الرئيس القادم بايدن أو ترامب.
ومنذ أحداث السابع من أكتوبر فى غزة، وما يحدث من مجازر بشرية ضد الفلسطينيين، كانت وجهة النظر الإسرائيلية – الأمريكية متطابقة، وتحمى إدارة بايدن سياسات نتنياهو وحكومة الحرب المتطرفة، ما جعلها تبالغ فى جرائمها وتستمر فيها، حتى بعد أن طرح بايدن الأسبوع الماضى مبادرة لإنهاء الحرب سارع نتنياهو برفضها، مؤكداً أنه لا أحد يفرض عليه إنهاء الحرب إلا بعد أن تحقق أهدافها، ويتوهم أنه سيقضى على حماس.
ومن هنا صدر البيان الصحفى المشترك عن مصر وقطر وأمريكا، بصفتهم وسطاء فى المناقشات لضمان وقف إطلاق النار فى غزة وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، دعوا حماس وإسرائيل لإبرام اتفاق يجسد المبادئ التى حددها بايدن والتى تجمع مطالب جميع الأطراف فى صفقة تخدم المصالح المتعددة، وتنهى بشكل فورى المعاناة الطويلة لسكان غزة، وللرهائن وذويهم، ويقدم الاتفاق خارطة طريق لوقف دائم لإطلاق النار وإنهاء الأزمة.
ورغم أن مبادرة بايدن تحفظ لنتنياهو ماء الوجه، فإننى أتوقع أن يواصل رفضه لها لأنها تضع كلمة النهاية على مستقبله السياسي، وربما الزج به فى السجن بسبب الاتهامات التى تنتظره داخل إسرائيل، وقرار المحكمة الجنائية الدولية بإدانته كمجرم حرب، لذلك لا يهتم بأى سلام، لأن السلام بالنسبة له فيه «سم قاتل» ولا مانع من أن يضحى بالرهائن وكل الإسرائيليين لإنقاذ رقبته من المشنقة، والأيام القادمة تجيب عن ذلك.
من جانب آخر، الوضع فى الداخل الأمريكى يزداد تعقيداً واشتعالاً مع إدانة المحلفين الرئيس السابق دونالد ترامب بكل التهم الـ 34 الموجهة إليه، وفى انتظار إصدار العقوبة فى 11 يوليو المقبل، ولا أحد يعرف مدى رد فعل ترامب وأنصاره، خاصة أن الحكم لا يمنعه من الترشح، وقد يركز الأمريكيون على «مصائبهم» الداخلية ويتفرغون لها أكثر.