«الاستاذ» كما كان يلقب.. صاحب مدرسة خاصة فى الكوميديا استحوذت على قلوبنا.. عملاق من عمالقة الأداء السهل الممتنع متعدد المواهب اسمه يؤرخ لحقبة فنية مهمة.. أنه الفنان الكبير الراحل فؤاد المهندس.. الذى نحتفل اليوم بمئوية ميلاده.. مهندس الفن المصرى والكوميديا الذى بنى لنفسه صروحا بالسينما والمسرح وارتبطنا بصوته عبر أثير الاذاعة.. وأغانيه استطاعت أن تعيش بين الاجيال.. قدم لنا رسائل فنية ممزوجة بالسعادة ليخلد اسمه من خلال أعماله التى تعيش فى وجداننا..
ميلاده
فى ٦ من سبتمبر وبحى العباسية ولد أحد عمالقة الفن المصرى مهندس الكوميديا فؤاد المهندس.. كان الطفل الثالث للعالم اللغوى محمد المهندس الذى كان له الفضل الأول فى تنمية مواهبه الفنية فى حين عارضت بشدة والدته دخوله عالم التمثيل وقال عنها: فاجأتنى يوما بحضورها للمدرسة وبينما كنت أقف لأداء دورى بمسرحية على مسرح المدرسة نادتنى أمام الجميع انزل يا ولد وتلقيت (علقة ساخنة) لكى ابتعد عن الفن.
تخرج المهندس فى مدرسة فاروق الاول الثانوية بتفوق والتحق بكلية التجارة لكنه لم ينس يوما غرامه بالفن فالتحق بمسرح الجامعة وكان من أهم نجومه.
( الاستاذ والريحاني)
كان الريحانى هو الملهم الاول للمهندس وأثناء الجامعة فكر أن يعمل مع الريحانى فجاءته فكرة أن يجرى له حوارا فى مجلة الكلية لكى يتمكن من مقابلته واستطاع أن يصل لمكتبه ووقف المهندس مبهورا أمام نجمه المفضل، وسأله الريحانى من أنت، فتلعثم المهندس وقال له انا تلميذ، وبعد أن هدأ والتقط أنفاسه أجرى معه الحوار وبعده طلب منه المهندس اخراج مسرحية للمسرح الجامعى فتعجب الريحانى وقال له: مش فاضى للعمل مع العيال فأجابه المهندس بثقه نحن رجال وستنبهر بأدائنا وبالفعل اقتنع الريحانى وأخرج لهم رواية (حكاية كل يوم) التى حصلوا بها على كأس يوسف وهبى المسرحى ومنذ ذلك اليوم وبدأت علاقة المهندس بالريحانى وعلى الرغم أن المهندس كان الفنان الوحيد الذى يقف فى كواليس مسرحيات الريحانى وكانت بدايته التى رأى فيها عمالقة الفن ورغم علاقته القريبة به إلا أنه كان ينسى اسمه ويلقبه بالتلميذ وهو ما جعل المهندس يقف يوما ليقول للريحانى أنا اسمى فؤاد لابد أن تحفظ اسمى وكان الريحانى يحب فؤاد المهندس وقال له: أنا أعطيك خبرة 27 سنة عملا فى التمثيل لكى تنجح ولكنه رفض إسناد دور له بأعماله وبعد وفاة عادل خيرى انضم المهندس لفرقة «ساعة لقلبك».
بدأ يشارك فى الأعمال المسرحية بأدوار صغيرة، حتى تمكن من إثبات موهبته. انطلق بسرعة نحو النجاح بفضل اجتهاده وإبداعه، مما جعله يتلقى عروضاً للأداء فى الأعمال السينمائية.
قدم المهندس العديد من المسرحيات الناجحة التى أصبحت علامات فارقة فى تاريخ الفن العربي. من بين أشهر أعماله «مدرسة المشاغبين» و»أهلاً يا بكوات». كما كان له دور بارز فى السينما، حيث شارك فى أفلام مثل «أنت وحظك» و»العيلة الكبيرة».. تتناول أعماله موضوعات كوميدية واجتماعية تعكس الواقع المصرى بطريقة فكاهية. كانت هذه الأعمال تمثل مرآة للمجتمع وتعكس هموم الناس وآمالهم.
إسهاماته فى مجال الكوميديا العربية
ساهم المهندس بشكل كبير فى تطوير أسلوب الكوميديا فى الوطن العربي. كان لديه القدرة على المزج بين الفكاهة والكلاسيكية، مما أضاف بعداً جديداً للفن الكوميدي.. وشجع الكثير من الفنانين الجدد على اتباع أسلوبه، لذا فإن إرثه لا يزال حياً فى الفن الحديث. كما كان له دور فى تقديم العديد من فنانى الكوميديا الشباب إلى الساحة الفنية.. أفكاره المبتكرة وأسلوبه الفريد ألهمت أجيالاً من الفنانين فى مختلف الدول العربية.
(الاستاذ والسينما)
(منح المخرج محمود ذوالفقار المهندس فرصة هامة بإسناد أول دور بطولة له فى السينما فى فيلم بنت الجيران أمام الفنانة شادية والذى كان بمثابة مجازفة فى ذلك الوقت ولكن أقدم ذوالفقار على هذه الخطوة لايمانه بموهبة المهندس الكوميدية.. وفى عام 1956، أشركه المخرج عز الدين ذوالفقار فى فيلم عيون سهرانة أمام الفنان صلاح ذوالفقار والفنانة شادية ثم فى أفلام بين الاطلال عام 1959 ونهر الحب عام 1960 والشموع السوداء عام 1962، وفيلم موعد فى البرج عام 1962 وانطلق بعدها فى عالم السينما.. قدم أكثر من 70 فيلما منهما (الرجل الذى أحبني) و(أجازة غرام) و(عالم مضحك جدا) و(مراتى مجنونة) و(العتبة جزاز) و(سفاح النساء) و(المليونير المزيف) وغيرها من الأعمال التى تعلقت بقلوبنا.
رغم نجاحه بالسينما إلا أنه عشق المسرح
وهو مقنع بضرورة تقديم «رسالة مجتمعية» من خلال أعماله؛ فقدم مشكلة الملاجئ من خلال مسرحية «هاله حبيبتي» التى أوضحت سوء المعاملة التى يلقاها الأطفال فى الملاجئ، وقد كانت المسرحية كوميدية.. كما قدم مشكلات الأبناء فى سك على بناتك.. وكان المهندس يعتبر أن الوقوف على خشبه المسرح هو حياته لدرجة انه وقف يقدم مسرحية (إنها حقا عائلة محترمة) مع أمينة رزق وشويكار وهو مصاب بجلطة فى القلب.. وبعدها أخبره الأطباء أنه شفى من الجلطة.
(المهندس والحب)
(أول مشاعر حب للمهندس كانت ابنة الجيران التى كتب لها خطاب فى نهايته فؤاد المهندس وكان هناك ثلاثة أشخاص بالعمارة اسمهم فؤاد فوقع فى يد والد الفتاة فاشتكى لوالده الذى صفعه بشدة وقال له لا اضربك لانك كتبت خطابا غراميا لكن لكى تكون فطن فى الحب كنت وقعته باسم فؤاد فقط وقتها لن يعرف من صاحب الخطاب.
وتزوج من زوجته الاولى فى بداية عمله وانجب منها أبناءه محمد وأحمد وعاش معها حتى وفاتها وقال إن سبب مرضها هو زواجه من الفنانة شويكار التى تحرك مشاعره نحوها بكواليس مسرحية «السكرتير الفني».
ثم عرض عليها الزواج أثناء تقديم مسرحية أنا وهو وهي، ليخرج عن النص قائلا: «تتجوزينى يا بسكويتة».. وتم الزواج بعد الانتهاء من تصوير فيلم هارب من الزواج، وكانت شويكار ترتدى فى المشهد الأخير فستان عروسة وطرحة، وكان فؤاد المهندس يرتدى بدلة وكارفت، فاستغل الاثنان هذا المشهد وذهبا بعد التصوير إلى المأذون فى الساعة الثانية صباحا لتتوج قصة حبهما بالزواج، وذهب معهما المخرج حسن الصيفى وزوجته زهرة العلا، وكان ذلك فى نوفمبر 1963م.. حدث الطلاق بينهما بعد زواج دام 20 عاما.. رغم وقوع الطلاق، إلا أن أعمالهما الفنية استمرت مثل: مسرحية روحية اتخطفت ومسرحية مراتى تقريبا، وأيضا مسلسل أحلام العنكبوت وفيلم جريمة إلّا ربع.
(المهندس والإذاعة)
(من أبرز الذين مثّلوا فى المسرح والسينما والتليفزيون والمذياع. كما كان له برنامج إذاعى اجتماعى يومى وهو (كلمتين وبس) أذيع منذ 1968، سلط فيه الضوء على سلبيات المجتمع المصرى على لسان «سيد أفندي».
(الغناء)
احب المهندس الغناء منذ صغره حيث كان رئيسا لفرقة الاناشيد بالمرحلة الابتدائية بمدرسة العزف التركية.. كما أنه خلّف عدداً كبيراً من الأغانى فى أفلامه ومسرحياته، كان مقتنعا ان الغناء وسيلة هامة لإيصال رسالته.
قدم عدة أعمال للأطفال أشهرها فوازير عمو فؤاد فى شهر رمضان، والتى لاقت نجاحاً وكان جمهوره الأول فيها «الأطفال» بالثمانينيات والتسعينيات. كما قدّم مسرحيات للأطفال منها هاله حبيبتي. وغنى أغانى للأطفال أشهرها: «عيد ميلاد أبو الفصاد» و»رايح أجيب الديب من ديله». كما أنه دخل تجربة الإنتاج السينمائى عندما أنتج الفيلم الكوميدى فيفا زلاطا.
(الاستاذ ومدبولي)
(ارتبط الفنان فؤاد المهندس بعلاقة صداقة من نوع فريد بالفنان عبدالمنعم مدبولى حيث تعرفوا فى برنامج بابا شارو ولم يفترقا من ذلك الحين وقدما معا مجموعة من الاعمال الفنية المتميزة اشتهر العملاقان المهندس ومدبولى بأنهما أشهر ثنائى كوميدي، فقد تزاملا سويا فى فرقة ساعة لقلبك، ثم قدم العديد من الأفلام منها مطاردة غرامية، ربع دستة أشرار، اقتلنى من فضلك، السكرتير الفنى وكثير من الأعمال المشتركة.
استمرت علاقة المهندس ومدبولى حتى آخر أيامهما فجمعتهما تلك المكالمة ولكن لم يفهم المهندس حديث مدبولى من شدة تعبه، وبعد ذلك تلقى المهندس خبر وفاة صديقه المفضل بل أخيه عبدالمنعم مدبولى وكانت صدمة كبيرة عليه، فبكى المهندس بكاء شديدا على فراقه، من شدة حزنه على صديق الكفاح رحل بعده بشهرين.
(الاستاذ والزعيم)
منح الفنان فؤاد المهندس الفرصة الذهبية للفنان عادل إمام فى مسرحية «أنا وهو وهي» وكان يقول عنه انه ابنه البكرى وقال انه وجد فيه موهبة فنية كبيرة وعلى مدار سنوات طويلة، كانت العلاقة بين الزعيم وأستاذه، تزداد حبا واحتراما، وحدث بينهما تعاون كبير فى عدة أفلام سينمائية منها «زوج تحت الطلب، وعصابة حمادة وتوتو، وخلى بالك من جيرانك».
المهندس والضيف أحمد
شاهد الفنان فؤاد المهندس، الضيف أحمد، وهو يؤدى شخصية «الإخوة كرامازوف» على خشبة المسرح بالجامعة ليسند إليه دوراً فى مسرحية «أنا وهو وهي» لتكون هذه الخطوة هى انطلاقته الفعلية فى عالم الفن والغوص فى كل أسراره.. الضيف أحمد كان يُخرج مسرحية (الراجل اللى اتجوز مراتي) بطولة سمير غانم وجورج سيدهم، والمسرحية وقفت وذهبا للأستاذ ووافق أن يخرجها بدون مقابل لكن على شرط أن يُكتب اسم الضيف فى الإخراج لا اسمه» وبكى بشدة على وفاته.
ما لا يعرفه الكثير أن نجم الكوميديا كان لديه مخاوف داخلية من أشياء يتعجب هو نفسه منها مثل (العسكري) و(الاراجوز) حيث كان يضغط على نفسه لكى يذهب مع أبنائه وهم صغار ليشاهدوا الاراجوز فينتابه خوف داخلى ويخجل أن يعبر عنه كما كان ينتابه فى آخر سنوات حياته خوف من العدوى من الأمراض.
فى يوم السبت 16 سبتمبر عام 2006، رحل عن عالمنا عن عمر يناهز 82 عاماً، على أثر أزمة قلبية مفاجئة، نتيجةً لفزعه بعد مشاهدته سقوطا جزئيا لسقف غرفة النوم بمنزله بالزمالك نتيجة نشوب حريق ليترك لنا تاريخاً حافلاً بروائع الأعمال الإبداعية سواء فى السينما أو المسرح أو التليفزيون.