من المناسب ونحن نستقبل انتخابات برلمانية عما قريب أن نتطلع لتقديم كل نائب كشف حساب عما أنجزه لصالح الدولة ولصالح أبناء دائرته.. هل استخدم النواب أدواتهم الدستورية فى مراقبة الحكومة، كم استجوابًا قدمه النواب، وكم طلب إحاطة، وكم قرارًا حكوميًا خاطئًا نجح هؤلاء النواب مجتمعين أو فرادى فى إثناء الحكومة عنه، وكم قرارًا منسيًا دفعوا الحكومة لاتخاذه نزولاً على رغبة المواطنين!..
كم مؤتمرًا جماهيريًا عقده كل نائب لأبناء دائرته ليستطلع مدى رضاهم عن أدائه تحت قبة البرلمان، وكم وعدًا انتخابيًا قطعه على نفسه قبل اكتساب عضوية البرلمان ثم التزم بتنفيذه لهم..؟!
هل يصْدق النواب مع أنفسهم فيتوارى عن المشهد الانتخابى كل من قصَّر واستغل حصانته البرلمانية لجنى منافع شخصية لا يعود منها شيء على المواطن الذى صوته الانتخابى لهذا النائب أو ذاك.. فالمشهد لا يحتمل وجوهًا قديمة أو تقليدية تحترف إدارة الانتخابات لكنها لا تحسن استخدام الأدوات الرقابية من مراقبة للحكومة أو الإسهام فى سن تشريعات تلبى حاجة الوطن والمواطن فى أيام بالغة الصعوبة دوليًا وإقليميًا ومحليًا!..
ضخ دماء جديدة بأفكار من خارج الصندوق فى حياتنا النيابية فريضة واجبة، لمعاونة الحكومة فى رسم السياسات ووضع الخطط والبرامج التنموية التى تضمن الحفاظ على فرص التقدم واستقرار الوطن فى إقليم شديد الاضطراب والتغير.
ولست فى حاجة للقول إن بلادنا تشتد حاجتها لبرلمان قوى يضم خيرة العقول ممن يتسلحون بالعلم والخبرة والوعى ويمتلكون الرؤية السياسية التى تؤهلهم للمراقبة والتشريع.. نحن فى حاجة لكتابة فصول جديدة فى مسيرة الحياة النيابية بمصر ولتكريس الممارسة الديمقراطية ذاتها، كما يحتاج الوطن لإسهام كل فرد من أفراده بالعمل والإنتاج، والمشاركة بالرأى أو الصوت الانتخابى الذى يمكنه دون سواه وفى ظل شفافية التصويت ونزاهته أن يضع المرشح المناسب فى مكانه المناسب، ويقطع الطريق على أى محاولة لشراء الأصوات أو دخول المال السياسى لحلبة المنافسة الانتخابية.
لا شك أن الديمقراطية تتعمق بمزيد من الممارسة وتنضج بمزيد من العمل، وتتخلص من أخطائها شأنها شأن أى عمل بشرى بمزيد من التجارب.. حتى يتشكل برلمان قوى يدرك تحديات الوطن وعمق مشكلاته ومتاعب شعبنا العظيم، وأن يعرف طريقه لقلب المواطن وعقله، ويحترم إرادته ووعيه، ويحرص على رعاية مصالحه، ويصغى لنبضه، ويسارع للاستجابة لتطلعاته وطموحاته.
المواطن يرجوه برلماناً، ويعلى مبدأ الفصل بين السلطات، ويكفل التنافس الشريف بين الأحزاب وما أدراك ما الأحزاب التى لا يكاد الناس يعرفون أسماءها وإن عرفوها لم يحتفظوا فى ذاكرتهم بأى إنجاز يذكر لهم..
أحزابنا مدعوة للنهوض من سباتها حتى تعود مدرسة لتفريخ الكوادر السياسية وضخ الحيوية والعافية فى أوصال الحياة السياسية والعامة كما فى كل الدنيا.. ولن يتحقق شيء من هذا إلا إذا مارست هذه الأحزاب الديمقراطية أولاً فى أروقتها وبين قواعدها.. فهل يكون انتخاب البرلمان الجديد فرصة لتغير من نفسها حتى تصبح قوية متماسكة فعالة مؤثرة فى مجرى السياسة، وحتى تتخلق قوة أو نخبة سياسية جديدة تحت قبة مجلسى النواب والشيوخ، وتفرز مرشحين كثراً فى الاستحقاقات الانتخابية كافة.
برلماناً يمتلك رؤية وأجندة هادفة لرقمنة الحياة وميكنة الإجراءات وتقليل أخطاء العامل البشرى وإنجاز الخدمات فى أسرع وقت وبأقل كلفة حماية للمواطن من بيروقراطية الموظفين وفساد الفاسدين..برلماناً يحتضن أهل الكفاءة والخبرة ويعتمد عليهم.. يؤمن بالمواطنة وانسجام المجتمع، يملك خطة واضحة للمستقبل تقوم على التخطيط السليم والإدارة بالأهداف والعلم وشفافية المقاصد ووجوب المشاركة الشعبية فى القرار وتقييم أداء الحكومة وأجهزتها المختلفة التى تتعامل معه وتقدم له ما يحتاجه من خدمات.
نريده برلماناً يؤمن بأن البشر هم ثروة هذا الوطن وعدته وعتاده وظهيره فى السراء والضراء ورأسماله الحقيقى الذى لا تقدم لأى دولة إلا عبر تنميته وتأهيله لقبول أى تغيير أو تطوير منشود. برلماناً يستلهم التاريخ ويستخلص دروسه وعبره ولا يتجاهل أو يستهين بإرادة هذا الشعب، ويدرك أن للعدالة طرقا عديدة لا تقتصر على إعادة توزيع الموارد والثروات فحسب بل بالبحث عن صيغ جديدة لتوليد مزيد من الثروة وفرص العمل والاستثمار.
المواطن يتوق إلى برلمان ينهض بدوره فى دعم الدولة لأداء دورها الإقليمى والدولي، ويؤكد على حقوقها الثابتة، ويقطع الأيدى التى تتآمر عليها أو تسعى للنيل منها.
أما أكثر ما تشهده منطقتنا من تحديات ومخاطر ما أكثرها وما أعقدها، لدرجة أنها لا تحتمل أى تهاون أو تقصير أو تراخٍ.
يحدونا الأمل أن يأتى البرلمان الجديد معبراً بحق عن الناس حائزاً رضاهم بعد أن كسب ثقتهم وأصواتهم.. وتبقى المهمة الأولى للنواب الجدد هى ترجمة هذا الرضا على أرض الواقع رقابة وتشريعاً وتخفيفاً لمتاعب الشعب الذى هو المراقب الأول لأداء البرلمان والحكومة معاً.. وعليهما أن يقيساً مدى رضاه عن هذا الأداء أولاً بأول.. فذلك أدعى للتواصل والتلاحم وكسب ظهير لا غنى عنه أبداً.
نرجو لكل من يتقدم للترشح للبرلمان أن يقدم بين يدى ترشحه برنامجًا انتخابيًا قابلاً للتطبيق أولاً، وأن يصدق فى وعوده.