هل قاربت الأزمة الراهنة.. والعدوان الإسرائيلى على غزة على الانتهاء خاصة بعد قرارات «العدل الدولية» ومأزق أمريكا.. وحلفائها.. وإنهاك الفلسطينيين والإسرائيليين.. هل أصبحنا أكثر استعداداً وقبولاً للتفاوض والاستجابة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن.. هل نحن أمام واقع جديد يحلق على المنطقة ويفرض معطيات سياسية جديدة.. تشير إلى أهمية الأخذ بالرؤية المصرية وحل الدولتين.
ما بين قرارات محكمة العدل الدولية الواضحة والملزمة على حد تعبير أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة.. وبين ضبابية وتناقضات المواقف الأمريكية تجاه ما يحدث من عدوان وحرب إبادة إسرائيلية ضد الفلسطينيين فهناك دعم وتأييد كامل ومطلق ومباركة للإجرام الإسرائيلي، بل والموافقة الفورية على إرسال شحنات من الأسلحة الفتاكة والقوات والبوارج وحاملات الطائرات وكافة أنواع الدعم الأخرى والدفاع عن الموقف الإسرائيلى ومنحه الحرية الكاملة فى اتخاذ ما تراه من قتل ودمار تحت زعم حق الدفاع عن النفس وعدم تكرار ما حدث فى ٧ أكتوبر الماضي.
أمريكا فى تصريحاتها، ولقاءاتها واتصالاتها تتحدث عن وقف إطلاق النار وضرورة إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية لسكان قطاع غزة بالقدر الكافى لحجم المعاناة، ودعوة إسرائيل للالتزام بالقانون الدولى والقانون الإنسانى الدولى فى حين تجد أمريكا تعارض وقف إطلاق النار فى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، رغم تأكيداتها السابقة أنها لا تريد اتساع أو توسع دائرة الصراع، ولكن نراها تقوم بسلوكيات غريبة مثل ضرب الحوثيين وهو ما يؤدى إلى زيادة حدة ونطاق الصراع وكان الأحرى بها الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار، والتوقف عن قتل المدنيين والأطفال والنساء والسماح بدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية.
والجمعة الماضية أصدرت محكمة العدل الدولية قراراتها والتى جاءت انتصاراً للفلسطينيين بإلزام إسرائيل باتخاذ تدابير منعاً للإبادة الجماعية، ودخول المساعدات .. ورغم ذلك نرى فى ذات الوقت واشنطن تدافع عن إسرائيل وتزعم أن محكمة العدل الدولية لم تتوصل إلى نتيجة عن حرب الإبادة ضد إسرائيل، ولم تدع إلى وقف إطلاق النار، ولم ترحب أو تبد حماساً فى اتجاه إيجاد حل للأزمة بل قررت إيقاف الدعم الأمريكى لمؤسسة ومنظمة «أونروا» التى تدعم أعمالاً إنسانية للإغاثة، فى غزة وغيرها ولا أحد يستطيع أن يفسر مواقف واشنطن أو يفهمها إلا فى إطار واحد وهو اتهامها بالتأييد المطلق والمفرط لإجرام إسرائيل، ولا تستطيع أن تتجرأ وتوجه حتى عتاباً لنتنياهو وعصابته المتطرفة. وما يشاع عن خلافات وأزمات ومشاكل بين واشنطن وتل أبيب، هو من قبيل توزيع وتقسيم الأدوار، والمسرحية التى تؤديها إدارة بايدن وعصابة نتنياهو، فأمريكا تعتبر إسرائيل أهم ولاياتها وحلفائها، بل والابن المدلل الذى لو لم يكن موجوداً لصنعته واشنطن، فالكيان الصهيوني، هو مصدر التوتر وعدم الاستقرار للمنطقة والشرق الأوسط وهو ما يحقق مصلحة أمريكا فى السيطرة والهيمنة، وإضعاف الآخرين وعلى رأسهم العرب فأمريكا ينطبق عليها المثل القائل أسمع كلامك أصدقك.. «أشوف قراراتك وتصويتك ومواقفك فى الأمم المتحدة ومجلس الأمن أستعجب».. لذلك مواقف أمريكا فى الأزمة الراهنة، والصراع الدائر فى غزة متناقضة، فهل بايدن يخشى من خسائر سياسية متوقعة بقوة نتيجة دعمه المطلق لإجرام إسرائيل، وتراجع شعبيته لدى الرأى العام الأمريكى بسبب هذه المواقف، أم أن الضغوط والانقسامات الداخلية، داخل مطابخ السياسة سواء فى الخارجية أو إدارة بايدن، أو الكونجرس تفرض نمطاً متناقضاً من التصريحات التى لا تغير المواقف المنحازة والمؤيدة والداعمة لإسرائيل والحقيقة نحن إلى هذه اللحظة لا ندرى هل أمريكا جادة فى الوصول لاتفاق وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات، وإنقاذ سكان غزة، ومنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، والتفاوض حول تبادل الأسرى والمحتجزين والرهائن، وهل يمكن تبييض السجون الإسرائيلية من الفلسطينيين، وماذا ستفعل إدارة بايدن فى مصير بنيامين نتنياهو الذى يتردد اقتراب رحيله مع حكومته خلال الشهر القادم حسب تقارير غير موثقة وهل يجرى خروج آمن لرئيس الوزراء الإسرائيلى يعفيه من المحاكمة.
أنطونيو جوتيريش قال إن قرارات محكمة العدل الدولية ملزمة وهى محكمة مستقلة طبقاً لميثاق الأمم المتحدة وسوف يحيل قرارات المحكمة إلى مجلس الأمن.
فى ذات الوقت خرجت علينا الولايات المتحدة بتصريحات وتعليقات على قرارات «العدل الدولية»، تنتصر لإسرائيل بأن «المحكمة» لم تواجه حرب الإبادة لإسرائيل ولم توقف إطلاق النار، ثم تتخذ قراراً غريباً بوقف دعم منظمة الأونروا، ثم تقوم بتكثيف الاتصالات تحت مزاعم البحث عن حلول.. لذلك هل تستطيع أن تقول أمريكا مع الحل أم أمريكا مع الحرب، مع الإبادة أم المساعدات الإنسانية، مع عدم توسع نطاق الصراع وامتداد نيرانه أم تقوم بضرب الحوثيين، وتزيد من التوترات، الحقيقة لا نعرف حقيقة الموقف الأمريكى لكن الأمر الذى لا لبس فيه ، وهو ثابت هو التأييد والدعم المطلق لإسرائيل فواشنطن يمكنها أن تتبرع بأعضائها لإسرائيل حتى تعيش وتعيث خراباً ودماراً وقتلاً وانتهاكاً وتوتراً وتضييعاً للمنطقة.
تاريخياً، فإن أمريكا وإسرائيل لا تتوقفان عن القتل والإبادة إلا عندما تتعرضان لضربات قاصمة مؤلمة، ولنا فى المواقف التاريخية فى فيتنام وأفغانستان والصومال، وإسرائيل لم تخرج من سيناء إلا بالقوة الساحقة التى حققت نصراً عظيماً فى أكتوبر ٣٧٩١ سبقته انتصارات تمهيدية فى حرب الاستنزاف، لم تخسر إسرائيل مثل خسائرها فى الاستنزاف والعبور حتى الآن لذلك تصاب بالفزع والرعب من مصر.
تحدثنا عن المواقف المتناقضة أو المتأرجحة لكن هناك مواقف ثابتة راسخة وشريفة، موقف مصر وقيادتها السياسية سيظل النموذج الفريد والشريف، فمنذ اللحظة الأولى لبدء العدوان الإسرائيلى أعلنت مصر رفضها القاطع والحاسم لتصفية القضية الفلسطينية أو تهجير سكان غزة قسرياً خارج أراضيهم، وعدم إجبارهم على النزوح إلى الأراضى المصرية من أجل تنفيذ مخطط التوطين الصهيوني.. مصر اعتبرت هذا الأمر تهديدً حقيقياً ومباشراً لأمنها القومى لن تتهاون فى حمايته بل وهو خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
يقيناً وقلت ذلك مبكراً، فى الأسابيع الأولى للعدوان الإسرائيلى على قطاع غزة إن مصر أجهضت المخطط ولا تهجير قسرياً للفلسطينيين، ولا توطين فى سيناء فهذا «خط أحمر» اعتبره السيسى سبباً كافياً لجر مصر إلى الحرب، هذا النجاح المصرى الكبير فى إجهاض مؤامرة ومخطط مدعوم ومؤيد من قوى دولية كبرى تحقق بسبب موقف قاطع وحاسم، من قيادة حكيمة يحترمها العالم، ودولة قوية وقادرة، لذلك لم يعد العالم يتحدث عن تصفية أو تهجير، أو توطين، أصبح مفهوم حل الدولتين الذى أكدته مصر هو الأكثر اتساعاً وترحيباً، وتطالب به كافة الدول الكبرى وآخرها الاتحاد الأوروبى وأيضاً التوافق المصرى الأمريكى على حل الدولتين الذى أكد عليه الرئيسان السيسى وبايدن خلال اتصال الأخير بالرئيس السيسي.
لا مفر أمام العالم، والشرق الأوسط، لضمان عدم تجدد الصراع على فترات فالمجتمع الدولى فى معظمه باستثناء أصحاب المواقف المتناقضة ونتنياهو على قناعة بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود ٤ يونيو ٧٦٩١ تؤدى إلى حالة سلام واستقرار فى المنطقة.
مصر أيضاً دافعت بشرف عن حقوق الأشقاء الفلسطينيين المشروعة، سواء من خلال الدعوة والضغط المستمر لوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية وفتح معبر رفح على مدار الساعة وكانت ٠٠٦ شاحنة تعبر يومياً قبل الأزمة والعدوان الإسرائيلى على غزة، والآن لا تزيد على ٠٢٢ شاحنة بسبب تعنت وإجراءات جيش الاحتلال واستهدافه للمعبر من الجانب الفلسطينى وفرض أساليب وألاعيب من أجل تأخير دخول المساعدات بهدف الضغط على المقاومة الفلسطينية للإفراج عن الأسرى والرهائن المحتجزين الإسرائيليين.. وهو ما أكدته محكمة العدل الدولية، وألزمت إسرائيل باتخاذ التدابير اللازمة لحماية الفلسطينيين وإدخال المساعدات.
مصر أول دولة على الإطلاق تحذر من مغبة استمرار العدوان الإسرائيلى الذى سيؤدى إلى اتساع نطاق ودائرة الصراع ودخول أطراف أخرى فى الصراع وفتح جبهات كبيرة وهو ما حدث على أرض الواقع، لذلك فتحت جبهات فى لبنان واليمن وسوريا والعراق.
فى ظني، ولأن إسرائيل فشلت بشكل ذريع وأفلست ولم يعد فى حقبة نتنياهو ورفاقه الأشرار جديد، لم يحقق أى هدف لا قضى على المقاومة «حماس» أو استعاد المحتجزين والأسرى والرهائن أو فرض إدارة معينة فى غزة.. غارق حتى رأسه فى مستنقع الفشل.. ناهيك عن حدوث شرخ عميق وانقسام غير مسبوق فى الداخل الإسرائيلى وسط تراشقات واتهامات ومطالبات بمحاكمات المسئولين وعلى رأسهم رئيس الوزراء الاسرائيلى ، نتنياهو على رأى المصطلح المصرى «بيلوش» أصابه الفزع والرعب من مغبة رحيله غير مأسوف عليه فهل، يحاكم، ويعاقب، على الفساد والفشل أم توفر له أمريكا الخروج الآمن، خاصة أن أحاديث أمريكية باتت تكشف عن سعى أمريكا لتشكيل حكومة جديدة لكن فى كل الأحوال فى اعتقادى أن ثمة أفكاراً أو توافقاً حول مبادرة معينة، تقودها مصر والولايات المتحدة والشقيقة قطر لإنهاء هذه الأزمة، انطلاقاً من قرارات محكمة العدل الدولية، والنتائج والمعطيات على الساحة أو مسرح العمليات، والحقيقة أن الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى متألمان وفى حالة إنهاك، واعتقادى أن لديهما رغبة فى وجود أطراف تأخذ بيدهما إلى عقد صفقة أو مبادرة لإنهاء الأزمة ووقف إطلاق النار.
حالة الإنهاك واضحة على الطرفين وإسرائيل لم يعد لديها خيار ثالث فقد وصلت الأمور فيها عسكرياً وداخلياً وسياسياً إلى درجة تنذر بالكارثة أما الفلسطينيون فالأمر مختلف نال منهم الدمار.. لكنهم ورغم الكوارث والمآسى الإنسانية أقوى من إسرائيل إرادة وتحدياً وتماسكاً بالنصر والحياة لكن الأمور اقتربت من النهاية، والدور المصرى هو الأبرز فلا تستطيع أى قوة تغييب دور مصر صاحبة الحكمة والقوة والقدرة ومحور الحل فى الشرق الأوسط.. إنها الشمس الساطعة إنها مصر الشريفة.