فى أحد الأحياء الشعبية بمحافظة الجيزة تعيش ناهد نصار، امرأة فى السادسة والخمسين من عمرها، حملت هماً يفوق طاقتها، بعدما اشتد المرض على زوجها وتوقفت الحياة فى بيتهما إلا من صبرٍ لا ينفد.
زوجها عمره «66 عاما» كان يعمل لحّاماً، رجل كادح أفنى عمره بين شرر الحديد والنار، حتى بلغ سن المعاش، إلا أن التقاعد لم يجلب له الراحة، بل جاء ومعه المرض، حيث أُصيب بالسكر والضغط، ثم خضع لعملية إزالة مياه بيضاء من العين، لكنها انتهت بمضاعفات خطيرة بعد إصابته بميكروب أطفأ نور بصره وأثقل كاهلهم بعلاج لم ينقطع منذ أكثر من ثلاثة أشهر.
وفى الوقت الذى كان فيه العلاج ضرورة، لم يكن هناك دخل يكفي.. فالمعاش التقاعدى الذى تتقاضاه الأسرة لا يتعدى 2300 جنيه، وبعد خصم القرض الذى حصلوا عليه لتجهيز ابنتهما، لم يتبقَ منه إلا 700 جنيه فقط.. والمأساة الكبري، أن الابن الوحيد الذى كان سنداً لوالديه، توفى قبل ثلاث سنوات فى حادث مرورى مأساوي، ليترك والديه فى مواجهة صعبة مع قسوة الحياة.
فقدت ناهد كل ما يمكن أن تستند إليه، وباعت جزءاً من أثاث البيت، وحتى أسطوانة البوتاجاز، لتوفر ثمن الأدوية والطعام، ورغم كل هذا بقى لديها شيء لم تفقده، الأمل.. كتبت رسالتها لتطرق بها أبواب الرحمة، وكانت هذه الخطوة نقطة تحول حقيقية فى مسار حياتها.
كان لنشر استغاثة ناهد فى صفحة «الجمهورية معاك» صدى واسع، فقد لامست كلماتها قلوب الكثيرين، وأعادت التذكير بالدور النبيل الذى تقوم به الصحافة فى خدمة الإنسان، حيث كانت بمثابة جسر بين معاناة ناهد وقلوب أهل الخير.
ما إن نُشر النداء، حتى بدأت أيادى الخير تمتد، تكفل المحسنون بتوفير كرة العين اللازمة لعلاج زوجها، كما تم إجراء الفحوصات الطبية الضرورية التى تأجلت بسبب ضيق الحال، وتبرع آخرون بأسطوانة بوتاجاز جديدة بدلاً من التى باعتها ناهد تحت وطأة الحاجة.. تحرك الناس بقلوبهم قبل أيديهم، واستجابوا لنداء أم كسرت الحياة قلبها، لكنها لم تفقد يقينها فى رحمة الله وكرم عباده.
لم يتوقف المشهد عند مبادرات أهل الخير، بل تدخلت الدولة بدورها الإنساني، وتكفلت بإجراء الجراحة اللازمة للزوج على نفقتها، لتُغلق واحدة من أصعب مراحل الألم فى حياة ناهد، هذا التكامل بين المواطنين والمؤسسات هو ما يصنع الفرق الحقيقى فى حياة الناس.
اليوم، تقف ناهد وقد عادت إلى بيتها بعض الطمأنينة، وعاد الأمل يدق أبواب قلبها من جديد، تقول فى كلمات يغلبها التأثر:
كنت أظن أننى وحدى فى هذه الدنيا، لكن ما رأيته من أهل الخير والدولة و«الجمهورية معاك» أعاد إليّ الثقة فى الناس.. كل من ساعدنا حتى بكلمة، كان سبباً فى أن نبدأ من جديد.. جزاكم الله عنا خيراً.
هذه القصة تؤكد أن الإنسانية مازالت حاضرة، وعن مجتمع مازال ينبض بالرحمة، ففى زاوية من زوايا الألم، يمكن أن تبدأ حكاية جديدة.. إذا وجدت من يُنصت، فعلينا أن نصغى جيداً لنداء المحتاجين.