نصف العالم يكره اليهود الصهاينة والنصف الآخر يترقب» هذا ما أكدته نتائج استطلاع للرأى أجرته «رابطة مكافحة التشهير»وهى منظمة تابعة للكيان الصهيونى، ونشرته صحيفة «جيروزاليم بوست» الاسرائيلية يوم 14 أكتوبر الجارى، وحسب نتائج الاستطلاع فإن حوالى 4 مليارات- من بين 8 مليارات فى العالم- يحملون آراء معادية لليهود مع أنه لا يوجد سوى 2.3 مليون يهودى خارج اسرائيل والولايات المتحدة، وتساءلت الصحيفة: «كم من هؤلاء رأى يهوديا فى حياته؟»، كما تساءلت لماذا كل هذا العداء وهل كانت الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة سببا فى زيادة أعداد من عبروا عن كراهيتهم لليهود واسرائيل حول العالم؟.. أما السؤال الثالث الذى نطرحه بالتبعية هنا هو وماذا لو أجرى الاستطلاع بعد التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار فى القطاع وبعد طوفان العودة «المهيب» لسكان غزة إلى شمال القطاع والذى شاهدناه خلال الأيام القليلة الماضية؟
وحقيقة فإن الشق الأول من السؤال لا يحتاج إلى جهد كبير للإجابة عنه فى ظل ما هو معروف عن اليهود الصهاينة من تطرف و عنف وفكر استعمارى وتآمرى بغيض، اما الشق الثانى من السؤال فالإجابة عنه بالتأكيد نعم، سيما وأن العدوان الاسرائيلى الذى استمر على غزة حوالى 471 يوما خلف مئات الآلاف من الشهداء والمصابين، وخلف كذلك دمارا هائلا فى البنية التحتية و بالمنازل والمنشآت والمستشفيات فى كل أنحاء القطاع، والأسوأ هذا الحصار الذى مارسه الاسرائيليون ضد المدنيين وحرمانهم من الماء والكهرباء والغذاء والدواء، لقد مارس الإحتلال الاسرائيلى أبشع صور حروب الإبادة فى تاريخنا المعاصر، وبعد أن ظنت الشعوب أنه فى ظل وجود منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمات حقوق الإنسان ومحاكم العدل الدولية أن العالم سينعم بالأمن والسلام، ولكن هذا لم ولن يحدث لأن هناك كياناً اسمه اسرائيل.
وبالنسبة للسؤال الذى طرحناه، فليست مبالغة أنه فى حال إجراء الاستطلاع بعد طوفان العودة الذى شاهدناه قبل أيام، فإن النتيجة المتوقعة أن غالبية سكان العالم كانوا قد عبروا عن كراهيتهم لليهود وتطلعاتهم إلى فناء اسرائيل وزوال الكيان الصهيونى نهائيا، لماذا: لأن ما شاهدناه من كتل بشرية متحركة تعانى كلها من كل أشكال الظلم والحصار والتجويع، هذه المشاهد تؤكد بما لايدع مجالا للشك أننا أمام كيان يهودى صهيونى متطرف قادته فقدوا ضمائرهم، وفقدوا أبسط قواعد الإنسانية المتعارف عليها، وأنهم مارسوا كل عمليات القتل والتدمير والتعذيب فى حق المدنيين العزل وفى حق الأطفال والنساء وكبار السن والمعوقين، وفى غياب المنظمات الأممية وتحت حماية القوى الكبرى فى العالم.
على الجانب الآخر يجب أن نتوقف جميعا بالبكاء والدموع وبالقراءة والتحليل ونحن نشاهد ونتابع طوفان العودة لشمال غزة الذى تضمن عدداً من المشاهد والملاحظات التى لن تمحى من الذاكرة أبدا من بينها أن مئات الآلاف من سكان قطاع غزة تجمعوا فى وقت واحد وأماكن محدودة وساروا لمسافة نحو 7 كيلو مترات على الأقدام لأجل الوصول إلى شمال القطاع، الملاحظة الأخرى أن القصف المستمر والجوع والحصارلم يؤثر على إرادة سكان غزة بل أن البعض ممن تم التحدث إليهم بدوا وكأنهم أقوى مما كانوا عليه قبل العدوان الاسرائيلى وان لديهم القدرة على تقديم المزيد من التضحيات لأجل الاحتفاظ بأراضيهم ومنع تصفية القضية الفلسطينية، والأهم فى هذا السياق أن السيدات الفلسطينيات من سكان القطاع ضربن المثل والنموذج فى الشجاعة والفداء، وأكدت بعضهن من المريضات والمعاقات أنهن لن يتركن القطاع إلا فى حالة الوفاة أو الشهادة، كذلك فإن الشباب الفلسطينى وصغار السن بدوا أكثر قوة وصلابة، معبرين عن تشبثهم بالأرض وانهم سيتحملون العيش وسط الركام والدمار فى شمال غزة ولن يتركوا القطاع.
اللافت هنا فى هذه التغريبة الفلسطينية التى يعجز أى فنان تشكيلى عن رسمها ويعجز أى عمل فنى مهما كانت تكلفته أن يحاكى جزء منها، هو أن مصر وجهودها واخلاصها كانت موجودة هناك فى غزة وفى شمال القطاع، فالأعلام المصرية فى كل مكان، وشكر القيادة السياسية المصرية على كل لسان فلسطينى فى غزة، والمساعدات الغذائية التى دخلت القطاع من معبر رفح أكدت أن مصر كانت على الموعد وانها استعدت بالطعام والشراب وبالخيام وبكل ما يحتاجه الفلسطينيون من ادوية ووسائل علاج وكل أساليب التخفيف عن أولئك الأبطال فى غزة ممن صبروا واحتسبوا أبنائهم عند الله شهداء وتمسكوا بالأرض رافضين كل محاولات التهجير وتصفية القضية الفلسطينية التى هى فى الأصل قضية العرب وكل الشرفاء .