عدد من المستجدات الأساسية شهدتها الساحة الإسرائيلية خلال الأيام الماضية، تشير جميعها إلى أن إسرائيل دخلت منحنى خطيراً بسبب حرب الإبادة التى تشنها على قطاع غزة الفلسطينى ونتيجة الحصار والتجويع الذى يمارسه الاحتلال ضد سكان القطاع.. من بين هذه المستجدات: تصاعد مشاعر الكراهية تجاه الكيان الصهيونى من جانب العديد من الشعوب والدول فى مختلف القارات، خاصة بعد بدء عملية الاجتياح البرى «عربات جدعون» التى تم انتقاء اسمها من «التوراة» فى محاولة للتأثير واستقطاب كافة التيارات المتطرفة فى إسرائيل لصالح العملية العسكرية، ومجابهة التيارات المعتدلة التى طالبت مؤخرًا بوقف الحرب على غزة للتقليل من حجم الخسائر ومنع انقسام المجتمع الإسرائيلي، فضلاً عن التحذير من تهديد مصالح إسرائيل فى دول العالم من قبل الرافضين للحرب الوحشية فى غزة.
>>>
بداية فإن عملية «عربات جدعون» الإسرائيلية تستهدف الإخلاء الشامل لسكان قطاع غزة مع بقاء جيش الاحتلال فى تلك المناطق واحتلالها، بما يشير إلى تنفيذ مخطط التهجير بدرجة وأخري.. وفى رأى الخبراء فإن هذا الهدف فى حد ذاته قد يعرقل جهود وقف اطلاق النار وإدخال المساعدات بكميات كبيرة إلى القطاع، وأنه حتى فى حال الوصول لاتفاق «مؤقت» بوقف الحرب فإن حكومة تل أبيب قادرة على انتهاكه فى أى وقت لتحقيق المستهدف من العملية، وهنا يمكن تفسير مسألة تصاعد مشاعر الكراهية تجاه إسرائيل فى معظم دول العالم، إذ أن المشاهد والصور الواردة من غزة تؤكد أن جيش الاحتلال يجتاح بجنون كل انحاء القطاع، وأن دباباته ومدرعاته لا تكتفى بتدمير ما تبقى من أبنية ومنشآت ومستشفيات، بل تتجاوز ذلك باستهداف مخيمات وأماكن ايواء المدنيين والأطفال والنساء بالقصف والملاحقة وإشعال النيران.
>>>
فى هذا السياق فقد تحدث المنادون بوقف الحرب فى إسرائيل عن تجاوز جيش الاحتلال كل الخطوط الحمراء فى القتل والتدمير والحصار والإبادة وتحويل غزة إلى مقبرة واسعة، وقالوا انه فى ظل هذه الممارسات الوحشية فلا غرابة من الهجوم الذى نفذه الشاب الأمريكى «إلياس رودريجيز» على سفارة تل أبيب فى واشنطن وأسفر عن مقتل اثنين من الموظفين وإصابة آخرين، كما استشهد أولئك بالبيان «الفرنسي- البريطاني- الكندي» المشترك الذى صدر قبل أيام وتأكيد قادة الدول الثلاث «بأنهم لن يقفوا مكتوفى الأيدى بينما تواصل حكومة نتنياهو هذه الأفعال الفاضحة فى غزة»، كذلك البيان المشترك الذى وقعته 22 دولة أوروبية وشددت فيه على أن سكان قطاع غزة يواجهون خطر المجاعة نتيجة منع إسرائيل إدخال المساعدات الإنسانية، وإنه لابد من إدخال المساعدات بشكل عاجل وعدم تسييسها، وحقيقة فإن مثل هذه البيانات تعنى اتساع دائرة الغضب العالمى تجاه الاحتلال الإسرائيلي، وتكشف كذلك عن ابتعاد العديد من الدول علنا عن حكومة نتنياهو، وبما يؤكد أن الكيان الصهيونى بات فى عزلة حقيقية لن يخفف منها الانحياز الأمريكي.
>>>
هكذا هى صور الحرب الوحشية على غزة وتداعياتها، والتى لم تخل من انقسام داخلى ليس فقط على وقف الحرب أو استمرارها ولكن حول حكومة نتنياهو نفسها خاصة بعد انفراد الأخير بالقرارات المهمة دون الرجوع لأعضاء الحكومة، وقد جاء تعيين اللواء بالجيش ديفيد زينى مديرا لجهاز الشاباك، ليمثل احد أسباب النفور من نتنياهو خاصة أن زينى لا ينتمى للجهاز، كما أن نتنياهو لم يراجع رئيس الأركان فى اختيارزينى وهو ما سبب فى غضب داخل جيش الاحتلال، واتفقت التحليلات كلها ضد نتنياهو وقالت إن رئيس الوزراء ينظر إلى مصلحته الشخصية أكثر من مصلحة إسرائيل سيما وأن الحرب فى غزة المشتعلة منذ أكثر من 600 يوم تكلف إسرائيل آلاف المليارات من الدولارات، وتكبد جيش الاحتلال خسائر فادحة فى المعدات والأرواح لم يتم الإفصاح عنها حتى الآن.
>>>
فى ظل هذه الأوضاع يبقى الموقف المصرى واضحاً وثابتاً منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلى على غزة فى أكتوبر 2023 وحتى وقتنا هذا، الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أكثر من مؤتمر ولقاء أكد أن «مصر لن تشارك فى ظلم الفلسطينيين وأن القاهرة ترفض تهجير سكان القطاع وترفض كذلك تصفية القضية الفلسطينية وأنه لن يكون هناك سلام حقيقى فى المنطقة إلا باستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وأن التطبيع مع إسرائيل لن يكون بديلاً عن إقامة دولة فلسطين المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية»، فى إشارات واضحة بثوابت مصر الإستراتيجية التى لن تغيرها أو تتخلى عنها.
>>>
المهم هنا أن تستوعب إسرائيل أنها بتعقيداتها الداخلية والخارجية باتت أكثر احتياجًا للسلام من العرب، والأكثر أهمية أن نستعد نحن المصريين لمواجهة أى تجاوزات أو انتهاكات إسرائيلية.