مهما بلغت حدة المنافسة، تظل الدراما المصرية هى الأصل والفصل على مستوى الوطن العربى وكافة الناطقين بلغة الضاد.. فهل لك أن تتصور معدل نجاح «ليالى الحلمية»، إلى ضفاف المحيط الأطلسى فى أقصى الغرب العربي، وكان المغاربة يتابعونه بشغف كبير.. الآن معظم القنوات العربية ومحطاتها تنتج الأعمال الدرامية، خاصة تلك المحلية التى تتناول تاريخها وتراثها وعاداتها وتقاليدها.. وأسأل كيف وصلت اللهجة المصرية إلى كافة الدول العربية من خلال الأفلام ثم المسرحيات والمسلسلات وقبلها الأغنية، وكما كانوا يستقبلونها ويحفظونها ويرددونها، ثم ساهمت بعد ذلك فى تصدير أغنياتها ومطربيها ومطرباتها إلينا.. جاء فريد الأطرش وصباح ووديع الصافى من لبنان، وفايزة من سوريا وسميرة سعيد من المغرب ولطيفة وصابر الرباعى وقبلهما عٌليا ولطفى بوشناق من تونس ووردة من الجزائر وأسماء أخرى ارتبطت بالجمهور المصرى عن بُعد.
فى السنوات الأخيرة بدأت الدراما المصرية تسترد عرشها بقوة، بعد فترات تراجع وتوقف بسبب محاولات تشويه صورة مصر والنيل منها.. لذلك تحول مسلسل «الاختيار» إلى حدث مدو وهو يرصد كيف استرد الجيش المصرى بلاده من عصابات الشياطين وأهل الدم تجار الدين وأعادها إلى شعبها معززة مكرمة، بعد أن ذهب القائد إلى الشمال والجنوب ويعيد تسليح قواتنا بأسلحة لم تكن موجودة من قبل مثل الغواصات وحاملة الطائرات، إلى جانب تحديث أسلحة قوات البر والبحر والجو على أعلى المستويات، خاصة أن الأخطار تحيط بنا من كل جانب، بحيث تكون كلمتنا فى مستوى قوتنا.
«خيانة» الصباح
فى التاريخ الإسلامى طوائف وجماعات اتخذت من الدم سلاحاً لها، لكى تصل إلى السلطة وتحكم سيطرتها على مجريات الأمور، وإلى جانب المصحف الشريف تضع السيف والمسدس، وبدلاً من أن يرهبوا بها أعداء الله ودينه، يصوبونه نحو أبناء بلادهم وعروبتهم وإسلامهم، لأن الغاية عندهم تبرر الوسيلة، ينهبون محلات الذهب، خاصة التى يمتلكها الأقباط ويعتبرونها من الغنائم، كما أخذوا من أموال المخدرات الكثير لشراء السلاح بدعوى الدفاع به عن العقيدة، وهو ما فعله حسن الصباح فى رحلة صعوده ووصوله إلى قلعة «آلموت» الحصينة أو عش النسر.. وقد استخدم معرفته ودراسته لعلوم الفلك والطب والرياضيات فى صناعة هالة كاذبة حوله، بأنه يستطيع أن يفعل كل شيء وأن مفتاح الجنة بيده، وكل ما يعترض طريقه هو عدوه، حتى لو كان ابنه الذى هو من صلبه.. فلم يقتل للقصاص كما ادعي، لكنه بالمكر الشيطانى يثبت للناس أن عدالته يجب أن تسود عليهم كما طبقها على ابنه الضحية المسكين ؟ الموضوع يخرج عن نطاق الدراما التى تتناول قضايا وموضوعات محلية.. يأتى مسلسل «الحشاشين» لكى يتحول إلى حدث على مستوى الوطن العربى ويمتد إلى خارجه شرقاً وغرباً، وكيف لا؟ وأهل الاستشراق فى الغرب كانوا أوائل من كتبوا عن «الصباح» وطائفة «الحشاشين»، وأطلقوا عليه اسم «القاتل» بالفرنسية والانجليزية ومنها جاء مسمى «الحشاشين» إلى جانب الدور الذى لعبته المخدرات مع الاتباع والمريدين، وقد اكتشفوا نبات الحشيش فى رحلة صعودهم إلى القلعة، عن طريق زيد بن سيحون الذراع الأيمن للصباح وكاتم أسراره.
يقول التاريخ إن كافة الفرق الضالة استحدثت معظم أفكارها من اليهود، يقولون بعكس ما يفعلون، ويصفون أنفسهم بأنهم فوق كل الناس ومن عينة أخري، باعتبارهم شعب الله المختار، وعلى نفس المنوال يمضى أهل التقية والباطنية، وكل من رفع سيفه فى وجه أخيه المسلم بحثاً عن السلطة، تختلف الاسماء والأزمنة وربما الأساليب، ويظل الهدف هو نفسه، فهل يختلف ما كان يفعله حسن الصباح عما كان يفعله حسن البنا، وسيد قطب من بعده، وصولاً إلى الجماعات التكفيرية المعروفة باسم «التكفير والهجرة» وقائدها شكرى مصطفي، وتهديدات حشود رابعة فى واقعة الميدان الشهير الذى أراد المعتصمون فيه إعلان دولة رابعة منفصلة عن البلد الأم.. واستجاروا بالأسطول السادس فى مياه المتوسط ورفعوا أكف الدعاء وأسلحتهم تتوزع على أسطح عمارات ميدان رابعة الذى نفخر بأنه يحمل اسم الشهيد «هشام بركات» ونأمل من كل مصرى صميم ألا يغفل عن ترديد هذا الاسم وأن ينسب اسم الميدان إلى «بركات»، ولو ان رابعة المتصوفة الزاهدة بريئة مما جرى باسمها.
إنها قريبة
عندما تتناول المسلسلات الاجتماعية قضايا تربية الأجيال على حب الوطن، وأن كبرياء كل مواطن هو التاج الذى يضعه كل شريف على رأسه، وقد حرصت الشركة المتحدة على تنويع الأعمال، وقدمت لنا أيضا إلى جانب «الحشاشين» مسلسل «مليحة» الذى تناول بطريقة مختلفة مسألة فلسطين الغالية وكم دفعت مصرنا فى الماضى والحاضر ومن أجلها.. وكيف لا؟!، وفيها أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى ومعراج المختار صلى الله عليه وسلم وكيف صلى بأنبياء الله جميعاً فى المسجد الأقصى الشريف، وفيها كنيسة القيامة وموطن ميلاد المسيح عليه السلام.
فى «مليحة» نرى الضابط المرابط على الحدود المصرية وكيف استقبل أهله وهم يخرجون من الأراضى الفلسطينية نحو مصر التى تعودت على احتضانهم وفتح أبوابها لهم فى كل وقت وكل زمان، وغزة على سبيل المثال كانت تربطها بالقاهرة قطار ينطلق من محطة مصر إلى هناك، ولابد للأجيال الجديدة أن تعرف كم دفعنا نيابة عن كل عربى مسلم فاتورة غالية لأهل فلسطين ابتداء من حرب 1948 ثم عام 1967 وصولاً إلى حرب 1973، ثم تغيرت أشكال الحروب وتعدد الأعداء، فمنهم من ينتمى إلينا بالموطن والديانة ومنهم من هو يتآمر من الخارج على بلادنا المحروسة وما جرى فى يناير 2011 ليس ببعيد، وكيف أفسدت مصر هذا المخطط الأمريكي- الصهيونى وخرج الشعب فى رعاية وحماية جيشه البطل فى 30 يونيو، لإعادة البلد إلى مساره الصحيح وإلى وجهه المعتدل المتسامح، والدراما لعبت دورها، ولكن أمامها المزيد، وعندنا مئات الحكايات فى الماضى والحاضر تحتاج إلى عرضها، والكل فى غاية الشوق والاحتياج إليها، وهذه الأعمال تؤكد دور مصر العظيم فى نشر الوعى على المستوى العربي، بما تمتلك من كوادر وطاقات فنية وفكرية واسعة وراسخة والمشاركة الفلسطينية فى مسلسل «مليحة» تعطى الأمل فى أن الخطوة القادمة ستأخذ مساحة أكبر فى الإنتاج العربى المشترك وما أكثر قضايانا التى تهم كل عربى من المحيط إلى الخليج.