الجميع يتحدث عن تراجع أخلاقى يشهده المجتمع والجميع يحلل الداء ويسهب فى شرح جرعات الدواء، بيد أننا جميعاً نقوم بنفس الأفعال، ننتقد الأوضاع بشدة، نردد الشعار الأسود «مفيش فايدة» ونقعر الحوار لنصل إلى عبارة «اتسع الخرق على الراتق»، ثم ننتظر من يسأل ويستفسر عن الأسباب والمسببات، فنبدأ فى محاضرة تنظيرية عن ماذا حدث للمصريين ودور الدولة الغائب، وكذلك دور منظمات المجتمع المدنى والمؤامرات الكونية لتدمير المجتمع وتفخيخه من الداخل، ثم يبدأ السؤال المتوقع وما هو الحل؟ كيف نضع حلولاً لهذا الموضوع؟ كيف نعيد مكانة الأخلاق والقيم والمبادئ فى المجتمع الجريح؟ وهنا ندخل فى نفق النظريات الأكثر عمقاً وسفسطة عن الآليات الحاكمة والمحكومة للوصول إلى القواعد الأخلاقية الغائبة والمفقودة، ثم يعاد نفس الكلام من آخرين فى أوقات أخري، نفس الكلام ونفس المفردات ونفس الأفكار والأطروحات، والغريب والمفارقة المدهشة أن شيئاً لم يتغير ولم يتبدل، التغيير الحقيقى الوحيد هو مزيد من التراجع الأخلاقي! إذاً ما السبب فيما جرى ويجري؟ لماذا لم نتقدم ولو خطوة واحدة فى بناء منظومة القيم والأخلاقيات والمبادئ؟ لماذا أنفقنا وننفق الجهد فيما لا يفيد؟ لماذا نختبئ وراء عبارات فضفاضة يحاول كل منا أن يتنصل من المسئولية ويلقيها على الآخرين؟ لماذا يهاجم كل منا الآخر ولا يقبل بمساحة نقاش تقود إلى مساحة حوار؟ ترانى أسلك نفس المسلك الذى أقوم بانتقاده آنفاً! أنتقد الآخرين وأبرئ نفسي! ولا شيء تغير ولا شيء تقدم ولا شيء يدعو إلى عكس ذلك، السؤال الذى يشغلني: من المسئول شخصاً أو جهة أو هيئة أو مؤسسة عن إعادة بناء قاعدة أخلاقية جديدة تتناسب والمتغيرات الحاصلة فى المجتمع؟ والسؤال الثاني، كيف نبدأ فوراً فى تدشين المشروع القومى لإعادة إنتاج أخلاقيات المجتمع مرة أخري؟ ما الأدوات المطلوبة؟ كيف يتم تمويل عملية تدشين وبناء القاعدة الأخلاقية المفقودة؟ كيف يتم الترويج لهذا المشروع ليصبح مشروع المجتمع والدولة بشكل فعال؟ كيف تتم متابعة ومحاسبة ومراقبة وتقييم أداء القائمين على المشروع الأخلاقى لمصر؟ بيد أن كل الأفكار وكل المبادئ وكل الأخلاقيات تلزمها قوانين حاكمة نستطيع من خلالها الحكم على التطبيق ومحاسبة المقصرين وتصحيح المسارات، كل قضايانا ومشاكلنا تكمن فى غياب تطبيق القانون وعدم وضوح الخطوط الفاصلة بين الحقوق والواجبات، لقد تداخلت الأمور بشكل غير مسبوق وتحولت الساحة إلى نزال وصراع بين الجميع، ما كان هذا ليحدث لو كان هناك تطبيق للقانون وعلى الجميع ودون استثناءات وفى كل الأوقات، بيد أن الأخلاق باتت ضعيفة ولا تجد من يدافع عنها ويقتص لها، كل قضايانا ومشاكلنا لها سبب أو مسبب أخلاقي، غياب الأخلاق ظاهرة حقيقية سببها الرئيسى وربما الوحيد هو غياب تطبيق القانون أو ضعف التشريعات وميوعة النصوص وإذا تم التطبيق يكون تطبيقاً انتقائياً فى الوقت والشخوص، لكل ما سبق أرى أن «كرابيج» غائبة يجب أن تعود وتظهر ويكون صوتها مرتفعاً صارخاً وقوياً أسميها «كرابيج الأخلاق»، لكن من يمسك بتلك الكرابيج؟ بل من يوفرها ويصنعها؟ وكيف تستخدم لتعود راية الأخلاق من جديد؟
دعوتى وأمنياتى أن أرى «كرابيج» قوية تضرب وتؤلم كل من يعتدى على الأخلاق، فهل من مجيب؟ ألا قد بلغت اللهم فاشهد.