انتهت الحكاية الثلاثاء الماضى بفكرة برقت فى ذهن عامر للتخلص من حصار الاسد للكوخ.
طلب من زوجته إشعال الحطب وتسخين قدر من الماء حتى الغليان.. وحملا القدر معاً وصعدا إلى أعلى الكوخ، وأكد عليها أن تلقى الماء فى اللحظة التى يطلب منها ذلك.. وتناول حربته وبدأ مناوشة الاسد لتشتيت تركيزه البصرى وإصدار صوت صفافير لتشتيت سمعه، بينما بدا الوحش وكأنه يتحين فرصة الصعود قفزاً بأن شب على قدميه الخلفيتين واستند بالاماميتين على الجدران.. تمهل عامر متعمداً إشعال غضب المفترس ليعتاد ويكرر محاولاته للاقتراب فى أمان حتى حانت اللحظة الأنسب، فصرخ بأعلى صوته «كبى يا هانم»!! انهال الماء المغلى على وجه الاسد، وما لبث إلا ان بادره عامر طعنا بالحربة لتتضاعف أوجاع الاصابة مع الصدمة المباغتة، ليهرع فزعاً ويختفى بعيداً.
لم يعتد عامر أن يصادف أسوداً فى ناحيته، إلا أنه قرأ أن التغيرات البيئية وآثارها الممتدة للطقس تغير من سلوك الحيوانات وتدفعهم إلى النزوح عن بيئتهم إلى مواطن أخرى بحثاً عن الماء والطعام.. قرأ ايضا أن القطط بمختلف أنواعها لا تنسى ثأرها وأن عودة الاسد للانتقام احتمال مرجح.. إلا ان اصابته سوف تجعل الاحتمال مؤجلاً لوقت يكفى لتدبير خطة المواجهة أو الرحيل عن المكان.
انتهى الصيف وخريفه وهلّ الشتاء وربيعه وعاد صيف عام جديد. . طور عامر افخاخاً كبيرة وصنع شباكاً وحفر حفراً عميقة أمعن تمويهها وبنى أسواراً من جذور الشجر حول بستانه وكوخه الذى أعاد تقوية جدرانه وضاعف ارتفاعها وزاوية ميولها.. وبنى مخبئاً حصيناً ملحقاً به.. إلا ان تجواله بحرية للصيد بات محفوفاً بالمخاطر، بعد أن عرفت الاسود موطنه.. أعد مشاعل من القش وزرع نباتات زيتها يساعد على الاشتعال وأصبحت ضمن معدات لا تفارقه خلال جولاته للصيد.. كان لديه هاجس أن الاسد سوف يباغته يوما وعليه الاستعداد لذلك قدر ما يمكنه.
وكعادته ذهب ليتفقد كمائن الصيد، فوجدها خاوية للاسبوع الثانى على التوالى فى ظاهرة نادراً ما تحدث.. إلا انه لاحظ نسوراً تحوم، فظن انها استولت على حصاد الافخاخ.. غير انه لا أثر لبقايا فرائس والافخاخ سليمة، ما يعنى انه لا صيد من الاساس.. لم يشعر بالارتياح، وهمّ عائداً إلى كوخه وقرر أن تمتد مغامرته لمواقع جديدة أكثر بُعداً بحثاً عن صيد يعوضه الايام الماضية.. لم يتخل عن حذره، بينما كان فى انتظاره رزقه وقدره.
بعيدا عن دفاعاته وكمائنه، بعيداً عن كوخه وحصنه وأسواره.. رصد صيداً وفيراً بجهد لم يكن عسيراً.. وبدأ يعد عدته للرحيل عائداً وترك حربته ومشعله من يده ليشد على عاتقه وثاق صيده من الارانب البرية الضخمة وغاص ببصره بعيداً فى اتجاه صوت يقترب ليرى غبار الوحش يعدو نحوه.. فهب واقفاً مطلقاً قدمه للريح هائماً بلا هدف فى مكان لا عاصم فيه من النهاية الاليمة.. حتى وهبته الاقدار منحدراً صخرياً تتخلله جذور شجرة عملاقة دانية أغصانها، فقفز متشبثاً ببعضها وواصل تسلقها حتى ارتفع بقدر يكفى للامان وكمن دون حراك، بعد ان أسرع بإلقاء صيده من الارانب على الارض، ولم تمض سوى لحظات حتى هلت زمرة من لبؤات يقودها الاسد المسلوخ الذى عاد لينتقم.
الاسبوع القادم لقاء القمة.