بدأ استخدام الإنترنت على نطاق واسع فى العالم وانتشر بين الجهات الرسمية والحكومية والشركات والأفراد منذ عام 1981، ولا ينكر أحد أنه من أعظم الابتكارت العلمية، وأنه وفر الكثير من الجهد والوقت للإنسان، وأحدث ثورة ونقلة نوعية مبهرة فى جميع مناحى الحياة، من الاتصالات إلى الطب والاقتصاد والبيئة والأعمال، ولا يكاد يخلو مجال من الاستفادة منه، لكن «كبوات» التكنولوجيا كارثية ومدمرة.
عندما تعطلت أجهزة الكمبيوتر وأنظمة التكنولوجيا فى معظم أنحاء العالم (يوم الجمعة 19يوليو)، أدى ذلك إلى تعطل المطارات وتوقف خدمات شركات كبري، بسبب تحديث البرنامج من شركة للأمن السيبرانى بالولايات المتحدة، ما أدى إلى الفوضي، بما يزعزع الثقة المتأصلة فى الإنترنت، ويجعلها فى غير محلها.
كما تعطلت أجهزة الكمبيوتر التى تعمل بنظام التشغيل مايكروسوفت ويندوز، أحد البرامج الأكثر شهرة فى العالم، بسبب الطريقة الخاطئة التى يتفاعل بها تحديث التعليمات البرمجية الصادر عن «كراود سترايك» مع ويندوز، و»كراود سترايك» واحدة من أكبر شركات تكنولوجيا الأمن السيبرانى فى العالم، تقدر قيمتها بأكثر من 80 مليار دولار، تأسست منذ 11 عاماً فى ولاية تكساس الأمريكية.
ولم يكن ما أصبح عليه الملايين حول العالم فى ذاك اليوم إلا دليلاً على أن حياتنا تعتمد بشكل كبير وغير مسبوق على تكنولوجيا الإنترنت، ففى اللحظة التى تتوقف فيها الإنترنت تتوقف أعمال كثيرين، بل حياتهم، فقد ضرب الخلل التقنى أربع قارات، وشمل كل القطاعات فى العالم، ووصف خبراء ما حدث بأنه كارثة لم تحدث منذ بدء استخدام الإنترنت قبل 43 عاما، وجرس إنذار لجميع القطاعات والشركات الكبرى ليكون لديها معدلات أمنة.
حالة من الشلل أصابت وسائل الإعلام والمطارات وأسواق المال، وشركات السكك الحديدية وشبكات تلفزيون، ووضعت بعض المتاجر لافتات «الدفع نقدا فقط «، وأدت هذه الفوضى الإلكترونية، إلى اضطرابات فى العيادات والشبكات المالية، وإلغاء إجراءات طبية والعودة إلى السجلات الورقية بخط اليد فى أنظمة الرعاية الصحية، وعانت المستشفيات من نيويورك إلى برلين ولندن وباريس، وواجه الأطباء فى بريطانيا صعوبة الوصول إلى الفحوصات ونتائج الاختبارات وتاريخ المرضي، وفى الولايات المتحدة أثر الانقطاع على مرضى للسرطان، وواجهت مقرات رئيسية لتداول النفط والغاز صعوبات فى تنفيذ المعاملات.
الواقع يؤكد أن العالم أصبح يعتمد فى تسيير كل شئون الحياة على «الإنترنت» لما فيها من ميزات لا تعد ولا تحصي، لكن مثل هذه الحوادث تدق ناقوس الخطر وتعيد البشر إلى العصر الحجرى والتعامل البدائي، مما يجعل من الضرورى أن يبحث العلماء عن وسائل لتفادى كوارث أكبر قد تؤدى إلى خسائر غير مسبوقة تصل إلى تهديد حياة الكائنات على الكوكب، والأمر جد خطير، لا يحتمل التأجيل، خاصة مع وجود عوامل أخرى تهدد بحوادث مشابهة، مثل العواصف والتوهجات الشمسية، أو الهاكرز.
العالم الآن فى مفترق طرق، كله فى مركب واحد، لا توجد فئة أو بلد فى مأمن من تلك الأخطار التى تطل برأسها، والتى تعد من أكثر العوامل التى تهدد البشرية والكائنات، ربما أكثر من التغيرات المناخية التى يشهد الجميع ما تفعله، ويعيشه كل سكان الأرض.
بالطبع من حسن الحظ أن مصر لم تتأثر بهذا الحادث الضخم، لذلك لم يكن له صدى كبير عندنا، إلا أنه يجب علينا أن نستفيد منه ونحسب ألف حساب لمثل هذه الأحداث، حتى لو كانت عارضة أو بعيدة عنا، لأننا نعتمد على التكنولوجيا مثل باقى دول العالم بشكل كبير ولا يمكن لأى بلد أن يتقدم بدونها، بل لا يمكن أن تسير الحياة من دون تكنولوجيا.