جرائم الاحتلال تتصدر المشهد العالمى
لا أبالغ إذا قلت إن هذا العام المنقضى 2024 هو الأطول من سابقيه فى نفس العشرية بل يمكن اعتباره بدأ قبل موعده الرسمي، بثلاثة أشهر من حيث الأحداث والتحولات الكبيرة، فيمكن مثلا حساب بدايته منذ السابع من أكتوبر 2023، ذلك لأن التداعيات الخطيرة لهذا اليوم كانت كلها فى 2024، فعملية طوفان الأقصى التى نفذتها حركة حماس على أهداف إسرائيلية، غيرت المفاهيم فى المنطقة وأربكت الحسابات و شغلت حيزا كبيرا من الاهتمام فى 2024 ولا تزال تداعياتها تلقى بظلالها وأظن أنها ستستمر لبدايات العام الجديد 2025.
برغم حديث الأرقام حول الخسائر فى الأرواح والبنية التحتية فى قطاع غزة لا أحد ينكر أن يوم السابع من أكتوبر 2023 مثل تاريخا فارقا فى القضية الفلسطينية، فأعادها للواجهة وأشعل حراكا عالميا حولها وجدد المطالب الدولية بالحل السياسى والتسوية السلمية العادلة التى تستعيد حقوق الفلسطينيين وتضمن السلام والأمن للمنطقة ككل، وفى سياق متصل كان للإعلام الدولى دور كبير فى كشف الكثير من جرائم الاحتلال الإسرائيلى فى فلسطين سواء فى قطاع غزة أو فى الضفة الغربية، ورغم أن السردية الإسرائيلية فى السابع من أكتوبر و ما بعده بأيام قليلة غلبت على معظم وسائل الإعلام لاسيما الغربية وأظهرت إسرائيل للوهلة الأولى فى موقع الضحية، إلا أن الممارسات الإسرائيلية الإجرامية فى الأرض المحتلة طوال الأسابيع التالية للسابع من أكتوبر لم تجد من يدعمها أو يدافع عنها فسرعان مع عدلت وسائل الإعلام العالمية عن تبنيها للرواية الإسرائيلية وألقت الضوء على حرب الإبادة الجماعية التى مارستها إسرائيل فى قطاع غزة.
طوال العام المنقضى كانت هناك جولات فى القاهرة والدوحة وباريس بهدف وقف الحرب فى غزة، بذل فيها الوسطاء مصر وقطر مجهودات كبيرة لإنجاح المفاوضات، تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية التى قامت فى هذه الحرب بدورين دور الداعم والمساند لإسرائيل تمدها بالسلاح لمواصلة الحرب!!، ودور وسيط السلام الذى يريد وقف الحرب!!، والعجيب أن الدورين عكس بعضهما تماما، وفى الأخير ينقضى العام و تنقضى معه رئاسة بايدن للولايات المتحدة الأمريكية والجميع الآن فى انتظار الوافد الجديد القديم للبيت الأبيض الرئيس المنتخب دونالد ترامب فى العشرين من يناير المقبل، والذى وعد بإنهاء الحروب سواء فى غزة أو فى أوكرانيا فى الأسبوع الأول من توليه المسئولية، وقد أحدث فوز ترامب بالرئاسة حالة ترقب فى مختلف أنحاء العالم، حول العديد من الملفات المفتوحة سواءً بالنسبة لمن كانوا يخشونه ويتحسسون من سياساته وقراراته المفاجئة وشعبويته الفجة، أو أولئك المؤيدين له الذين يعتبرونه شخصاً حازماً وعملياً وقابلا للتفاهم بطبيعته كرجل أعمال يحترف إبرام الصفقات.
كان واضحاً خلال الشهرين الأخيرين (نوفمبر وديسمبر) من عام 2024، مدى الارتباك والترقب الذى انعكس فى سلوكيات ومواقف كثير من دول العالم، تحسباً وانتظاراً لما سيقوم به دونالد ترامب فى ولايته الثانية، فى ظل تعدد الرسائل التى بعثها ترامب – وبعضها بالفعل مقلق و محير، ولعل أبرزها رسائل الود والوعود الكبيرة التى أغدق بها على نتنياهو، والتى غزت بلاشك المطامع الجيوسياسية لنتنياهو وتحالفه من اليمين المتطرف الحاكم فى إسرائيل، خاصة و أن ترامب هو الرئيس الأمريكى الوحيد الذى جرأ خلال فترته الأولى على أن ينقل السفارة الأمريكية للقدس واعترف بمرتفعات الجولان المحتلة كجزء من أرض إسرائيل.
لا يمكننا التنبؤ تحديدا ما هو نصيب الشرق الأوسط من توجهات وقرارات ترامب بعد عودته للبيت الأبيض، لكن بالطبع ستكون هناك فاتورة تخص القضية الفلسطينية، صحيح أن ترامب أكد أنه يريد إنهاء الحرب وهو جاد فى ذلك، لكن كيف ستكون النهاية؟ ومن سيتحمل فاتورة هذا الإنهاء؟.. فلننتظر.