> «أنتم لسه فى الخنتريش».. صدمتنى هذه الكلمات لنائب وفدى زاملنى فى رحلة إلى برلين.. تعقيباً على غياب سفير مصر فى برلين عن استقبال وفد النواب فى المطار الذى كان أغلبيته من حزبى النور والحرية والعدالة.. ومعظمهم من أصحاب الذقون.. وقد جاءوا بدعوة من وزير السياحة وكان أيضاً على نفس الطائرة.. ليشاركوا فى أنشطة بورصة برلين الدولية للسياحة.. وكان ذلك فى مارس 2013 قبل ثورة 30 يونيه بشهور.. فى محاولة من هشام زعزوع وزير السياحة فى ذلك الوقت لتليين الموقف العدائى للسلفيين والإخوان ضد السياحة.. وهو الوزير الذى استقال قبل نهاية حكم سنة الإخوان احتجاجاً على سياسات مرسي.
> كان العداء للسياحة قد بدأ يبدو جلياً فى تصريحات وتصرفات حزبى النور السلفى والحرية والعدالة الإخواني.. وسمعنا كثيراً من الاقتراحات مثل تغطية التماثيل بالشمع وغيرها.. وطارت تصريحات طائشة أخرى كهدم أبوالهول.. ومثل منع السياحة الشاطئية.. والاقتصار على السياحة الإسلامية فقط.. وكان زعزوع يواجه كل هذه التصريحات السلبية ضد السياحة.. وعليه فى نفس الوقت ان ينشط السياحة إلى مصر.. وسط تساؤلات من منظمى السياحة العالميين فى الخارج عن مصير السياحة فى مصر.. ومتى يتوقع ان تتوقف السياحة إلى مصر.
> وزاد الطين بلة حين فوجئنا.. وفوجئ العالم كله.. بقرار مرسي.. فى إطار أخونة وظائف المحافظين.. بتعيين محافظ للأقصر ينتمى إلى الجماعة الإسلامية التى قتلت السياح اليابانين والسويسريين فى معبد حتشبشسوت فى عام 1997، فيما عرف آنذاك باسم مذبحة الأقصر.. وكان المحافظ الجديد أحد أفراد هذه الجماعة.. فعفا عنه مرسي.. ثم عينه محافظاً للأقصر.. وحينئذِ ضجت الأسرة السياحية بالاحتجاج.. وكذلك أبناء الأقصر.. وتوالت رسائل شركات السياحة العالمية على مصر تسأل.. السياحة عندكم إلى أين؟.
> من العجيب ان اتحاد الغرف السياحية بعد تعيين هذا المحافظ عقد اجتماعاً ليقول السياحة إلى أين.. وحضره الكثير من أصحاب الذقون.. وكان يجلس إلى جوارى أحد قتلة الدكتور رفعت المحجوب الذين عفا عنهم مرسي.. وقال لي.. «أنتم خايفين ليه من هذا المحافظ.. ده راجل عظيم».. قلت له هو عظيم بمقاييسكم وربما يصلح لأى مكان آخر إلا محافظة الأقصر.
> كنا نسمع تصريحات من قبيل الانذار.. مثل أمامكم عامان لإيقاف السياحة الشاطئية.. وكان البعض منهم يتعطف ويتكرم ويزيدهما إلى أربعة أعوام.. ويقول عليكم ان تدبروا أنفسكم بعدها.. لكن تعيين المحافظ المنتمى إلى العصابة الإرهابية التى شاركت فى مذبحة الأقصر كان القشة التى قصمت ظهر البعير.. وأدرك الجميع ان المصير الأسود للسياحة قد ظهر واضحاً.. وضجت صحف العالم بأنباء تعيين المحافظ الارهابى لمدينة الآثار الأولى فى العالم.
> لكن أبناء الأقصر كان لهم موقف آخر.. لقد رفضوا هذا المحافظ وأغلقوا أبواب المحافظة بالسلاسل والجنازير.. ووقفوا امامها معتصمين ورافضين هذا المحافظ.. وبالفعل لم يستطع هذا المحافظ ان يذهب إلى الاقصر..وكانت هذه واحدة من مقدمات ثورة 30 يونيه.. وانتهى الأمر بسقوط مرسى وحكم جماعة الإخوان الإرهابية.. مع هذه الثورة العظيمة التى خرج فيها الشعب كله ليملأ شوارع وميادين مصر كلها.. على رأسها ميدان التحرير والاتحادية بمصر الجديدة.. والجميع يهدر بصوت واحد: ارحل.. ويسقط حكم المرشد.. وهذا حديث طويل سأعود اليه فى مقال آخر.
> اعود لاستكمال ماقلته عن برلين والذى اعتبره من مقدمات ثورة 30 يونيه أيضاً.. وكنت أحد المشاركين فى هذه البورصة فى ذلك العام.. والتى اشارك فيها سنويا منذ بداية سبعينيات القرن الماضي.. وفى المطار تطلع نواب السلفيين والإخوان إلى المستقبلين ولم يكن بينهم السفير.. وكان بالمناسبة هو السفير محمد حجازي.. وتساءلوا اين السفير.. وكيف لا يكون فى استقبالنا..وهنا ارتفعت صيحة النائب الوفدى المشارك فى وفد النواب « انتم لسه فى الخنتريش» ولم اعرف المعنى الحرفى للكلمة ولكن أعتقد انه كان يقصد العهد الماضى قبل يناير 2011.
> كان إصرار النواب السلفيين والإخوان على العودة إلى القاهرة على نفس الطائرة مطالبين بايقافها.. احتجاجا على السفير الذى لم يكن فى استقبالهم.. مع تهديدات بأن هذا السفير لن يستمر فى موقعه.. وعبثا حاولنا وحاول مساعد المستشار السياحي.. واوضحنا ان السفير كان فى استقبال الوزير وخرج معه.. وقالوا ونحن ألسنا أهم من الوزير.. لابد ان يرجع هذا السفير إلى مصر.
> هنا تدخلت شارحا ان الأمر كان مجرد بروتكول وربما لا يعرف السفير بقدومكم..فقالوا اذن يحاسب المسئول.. إذا كان وزير السياحة فليخرج هو أيضاً من الوزارة.. وامتدت المناقشات فترة كان السفير فيها قد عاد للمطار بعد الاتصال به.. ليشرح لهم فى أدب جم انه لم يكن يعلم بقدومهم.. وإلا كان انتظرهم مع الوزير.
المهم نجحنا فى تدارك الموقف.. ولكن أدركنا جميعا مدى سخف هذا الأمر من ناحية.. ثم مدى التعالى والاستعلاء الذى ميز حكم هذه الجماعة فظنوا انهم فوق البشر.. وانهم قادرون فى لحظة على ايقاف الطائرة.. وعلى عزل السفير.. وأيضاً عزل الوزير.
> فى اليوم التالى شعرنا ان استدعاء أصحاب الذقون لحضور بورصة برلين كان خطأ كبيراً.. كان تجمعهم بجناح مصر مؤكداً لرجال السياحة العالميين ما أصبح يتردد عن مصير السياحة المصرية.. وحمدنا الله ان وجودهم فى الجناح لم يستمر فى الأيام التالية.. فلم نرهم بعد ذلك إلا فى المطار..فقد انشغلوا جميعا بالتسوق فى متاجر برلين!!.