أصيب العالم بحالة من الصدمة بعد توبيخ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، نظيره الأوكرانى فولوديمير زيلينسكي، أمام وسائل الإعلام العالمية، التى نقلت اللقاء على الهواء.
فما حدث فى البيت الأبيض مع زيلينسكى ليس إلا رسالة أمريكية موجهة للحلفاء الأوروبيين الذين طالما حثوا واشنطن على عدم التخلى عن أوكرانيا، لكن هذه المقابلة المهينة وتصريحاتة الكثيرة التى تنتقد أوروبا، تشير إلى علاقة سيشوبها الكثير من التوتر خلال فترة ترامب الرئاسية.
وكانت قد وقعت المشادة الكلامية بين ترامب، وزيلنيسكي، خلال زيارة الأخير إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكى فى البيت الأبيض، أدت إلى الغاء مؤتمر صحفى كان مقرراً بين الرئيسين وطرد زيلينسكى والوفد المرافق له من البيت الأبيض.
وعبر منصّته الخاصة تروث سوشال، كتب ترامب أن زيلينسكى بامكانه العودة لاحقاً عندما يكون مستعداً للسلام.
من جانبه وصف وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو، خلال مقابلة مع شبكة «سى إن إن» الاخبارية، الاجتماع بين الرئيسين ترامب وزيلينسكى بأنه «فشل ذريع»، وقال إن على الزعيم الأوكرانى الاعتذار.
ووفقًا لشبكة «سى بى إس» الأمريكية، غادر الوفد الأوكرانى المكتب البيضاوى بعد المشادة الكلامية إلى «غرفة منفصلة». وهناك، طلب منهم مستشار الأمن القومى مايك والتز، ووزير الخارجية ماركو روبيو، مغادرة البيت الأبيض دون أن يتم توقيع اتفاق المعادن النادرة الذى اقترحته الولايات المتحدة.
يأتى ذلك فى زيارة كانت كييف تعْقد عليها آمالاً فى الحصول على دعم أمنيّ أمريكي. وكان مراقبون يتوقعون أن يسعى زيلينسكى فى هذه الزيارة إلى إعادة ضبط علاقته بنظيره الأمريكي، فى الوقت الذى تضغط فيه واشنطن من أجل تسريع وتيرة المفاوضات المتعلقة بمصير أوكرانيا.
وفى أعقاب اللقاء المحتدم، قال ترامب خلال تصريحات للصحفيين خارج البيت الأبيض، أثناء توجهه إلى فلوريدا، إنه لكى تُستأنف المحادثات يجب على زيلينسكى أن يقول إنه يريد السلام.
بينما قال زيلينسكى فى مقابلة له على قناة فوكس نيوز الأمريكية، إن الخلاف مع ترامب «ليس جيداً» ووصفه بـ»الموقف الصعب».
وأضاف قائلا إنه يعتقد أن علاقته بترامب يمكن إنقاذها، «لأن العلاقة أكثر من مجرد رئيسين. إنها علاقات تاريخية، علاقات قوية، بين الشعبين».
أوضح خلال مقابلته الأولى له بعد المشادة الكلامية فى البيت الأبيض أن الأوكرانيين والأمريكيين «يجب أن يكونوا على نفس الجانب» ضد روسيا.
وعندما سُئل عما إذا كان مديناً لدونالد ترامب باعتذار بعد ما حدث اليوم فى المكتب البيضاوي، لم يجب زيلينسكى السؤال بشكل مباشر. وقال: «أنا أحترم الرئيس وأحترم الشعب الأمريكي». لكنه أضاف: «أعتقد أنه يتعين علينا أن نكون منفتحين وصادقين للغاية، ولست متأكدا من أننا فعلنا شيئا سيئا».
أشار إلى أن «أوكرانيا لا تملك أسلحة كافية لدفع روسيا للخروج. وأنه لا يريد أن يفقد شركائه العظماء فى الولايات المتحدة»، مضيفا أنه «سيكون من الصعب على أوكرانيا صد روسيا بدون دعم الولايات المتحدة».
وأكد أن بلاده مستعدة للسلام، لكنه أضاف أنه «يجب أن نكون فى موقف قوي».
وحول الاجراءات المتوقعة خلال الساعات القادمة، نقلت وكالة بلومبيرج الأمريكية عن مستشار فى إدارة ترامب أن «الولايات المتحدة قد تزيد من ضغوطها على كييف، مع تجنب التعامل مع زيلينسكي».
وأضاف -فى تصريحات لموقع أكسيوس الأمريكي- أن الانفجار فى الاجتماع لم يكن كمينا متعمدا، وأن خطة البيت الأبيض كانت توقيع الصفقة والتحرك نحو السلام.
أما صحيفة واشنطن بوست فنقلت عن مسئول أمريكى كبير قوله إن إدارة الرئيس تدرس إنهاء جميع شحنات المساعدات العسكرية الجارية إلى أوكرانيا.
أضاف المسئول الأمريكى أنه إذا اتخذ القرار، فإنه سيشمل رادارات ومركبات وذخيرة وصواريخ بمليارات الدولارات.
وفى السياق، نقل موقع أكسيوس -عن مصدرين وصفهما بالمطلعين- أن الانفجار بدأ عندما رفض زيلينسكى الاعتراف بتصريحات جى دى فانس نائب الرئيس، عندما واجهه قائلا «هل قلت شكرا لك مرة واحدة فى هذا الاجتماع بأكمله؟».
كما أضاف المصدران لأكسيوس أن أحد العوامل الصغيرة التى أزعجت ترامب أن زيلينسكى لم يرتد بدلة رسمية خلال اللقاء.
كما نقلت بلومبرج عن مسئولين أوروبيين وصفَهم للقاء بين الرئيسين بـ»كارثة المكتب البيضاوي» واعتبروا أنها كانت كمينا وأن أوروبا ستحاول لملمة شتاتها.
كما يرى المسئولون الأوربيون أن الرئيس الأميركى قد اتخذ قراره فى بيع أوكرانيا.
فى الوقت نفسه، أعرب العديد من القادة الأوروبيين عن تضامنهم مع الرئيس الأوكرانى عقب المشادة الكلامية فى البيت الأبيض، حيث نشر رئيس وزراء بولندا دونالد توسك، رسالة تضامن على حسابه فى منصة إكس، قائلاً «لستم وحدكم».
وكتب رئيس الوزراء الإسبانى بيدرو سانشيز، على المنصة نفسها « أوكرانيا، إسبانيا معكِ» بينما كتب الرئيس الليتوانى غيتاناس نوسيدا، على وسائل التواصل الاجتماعى «أوكرانيا، لن تسيرى وحدك أبدًا».
أكد رئيس الوزراء النرويجى يوناس غار ستور «نحن نقف إلى جانب أوكرانيا فى نضالها العادل من أجل سلام عادل ودائم»، كما عبر رئيس الوزراء البرتغالى لويس مونتينيجر، عن دعمه لكييف، قائلاً «يمكن لأوكرانيا الاعتماد دائمًا على البرتغال.
ونفس الأمر، أكدت رئيسة وزراء لاتفيا إيفيكا سيلينا، وقوف بلادها إلى جانب أوكرانيا.
وفى وقت سابق بعد اللقاء، قال الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون أثناء وجوده فى البرتغال إن «روسيا هى المعتدية» وإن الأوكرانيين «هم الشعب المعتدَى عليه» والدول الأوروبية والحلفاء الآخرين كانوا على حق عندما ساعدوا أوكرانيا قبل ثلاث سنوات وفرضوا عقوبات على روسيا، وسنواصل ذلك.
وكذلك، قال رئيس حزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى الفائز بالانتخابات الألمانية فريدريش ميرتس إنه «يجب ألا نخلط بين المعتدى والضحية فى الحرب» مؤكدا أن ألمانيا تقف مع أوكرانيا «فى السراء والضراء».
أما رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر فقد تعهد بتقديم «دعم ثابت» لأوكرانيا، وفق ما أعلن مكتبه الذى أشار أيضا إلى أن ستارمر تحدث إلى كل من الرئيسين الأمريكى والأوكرانى عقب اجتماعهما الغاضب فى البيت الأبيض.
ومن جانبها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مخاطبة زيلينسكى «كرامتك اليوم هى تكريم لشجاعة الشعب الأوكراني. كن قويا وشجاعا».
وأضافت «أنت لست وحدك أبدا، وسنواصل العمل معكم من أجل سلام عادل ودائم».
كما أكد رئيس وزراء السويد أولف كريسترسون أن بلاده تقف مع أوكرانيا «التى لا تقاتل فقط من أجل حريتها بل من أجل كل أوروبا».
يأتى هذا الموقف الأوروبى فى ظل أجواء متوترة مع الادارة الأمريكية التى تريد فرض رسوم جمركية على البضائع الأوروبية.
وفى هذا الصدد، أقر الرئيس ماكرون بأنه غادر واشنطن بعد محادثاته فى البيت الأبيض بعدم نجاحه تجنيب الاتحاد الأوروبى الرسوم الجمركية التجارية التى تعتزم واشنطن فرضه، منتقداً استراتيجية الإدارة الأمريكية التجارية.
وفى تصريحات أدلى بها للصحفيين من مدينة بورتو البرتغالية، قال ماكرون: «هناك سوء فهم وأخطاء جوهرية فى النهج التجارى الذى تتبناه هذه الإدارة.. إن اعتبار ضرائب الاستهلاك، مثل ضريبة القيمة المضافة، بمثابة رسوم جمركية هو ببساطة خطأ من الناحية الواقعية».
وخلال لقائه مع ترامب فى البيت الأبيض، الذى تميز بمزيج من الإطراء والحزم، أعلن الرئيس الأميركى أن إدارته تعتزم فرض رسوم جمركية بنسبة 25٪ على جميع الواردات القادمة من الاتحاد الأوروبي، معتبراً أن هذا التكتل أُنشئ «لإزعاج» الولايات المتحدة.
ويتّهم الديمقراطيين فى الكونجرس الأمريكى ترامب بإحراج البلاد على المسرح العالمي.
قال السيناتور تشاك شومر، زعيم الديمقراطيين بمجلس الشيوخ، على موقع إكس أن الديمقراطيين فى مجلس الشيوخ لن يتوقفوا أبداً عن النضال من أجل الحرية والديمقراطية».
ودعت مادلين دين، النائبة عن ولاية بنسلفانيا فى مجلس النواب الأمريكي، ترامب وفانس إلى الاعتذار عن «سلوكهما المشين»، ووصفته بأنه «سلوك غير أمريكى على الإطلاق».
كما وصفت رئيسة مجلس النواب السابقة نانسى بيلوسى المشادة الكلامية بـ «العرض المخزي».
وكتبت بيلوسى على موقع إكس: «كان من الممكن أن يكون عرضاً لقوة رئيس الولايات المتحدة عندما يُحضر رئيس أوكرانيا المنتخب إلى المكتب البيضاوى ويتعامل معه بطريقة لائقة. لكنك لن تشاهد ذلك أبداً بعد العرض المخزى للرئيس ترامب. لا بد أن بوتين يشعر بسعادة غامرة بالمسرحية التى شاهدناها».
أما روسيا، فقد أعربت عن سعادتها بالصدام فى واشنطن. وأشاد نائب رئيس مجلس الأمن الروسى دميترى ميدفيديف بترامب، وقال إن زيلينسكى «تلقى أخيراً صفعة قوية فى المكتب البيضاوي»، مؤيداً بمنشوره حديث ترامب بأن «نظام كييف يقامر بإشعال حرب عالمية ثالثة».
وعلى نحو مماثل، قال رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان إن الرئيس الأمريكى «وقف بشجاعة من أجل السلام. حتى وإن كان من الصعب على كثيرين استيعاب ذلك».
الجدير بالذكر أن ترامب طالب أوكرانيا بدفع 350 مليار دولار، وهو المبلغ الذى يقول الرئيس الأمريكى إن بلاده دفعته لمساعدة أوكرانيا فى التصدى لروسيا. ويرى ترامب أن هذا المبلغ يساوى ثمن المعادن الأوكرانية.