انتهى كابوس الثانوية العامة واعلنت النتائج وبدأ التنسيق لتبدأ معاناة عشرات الآلاف من الأسر مع الصراع على مقعد فى كليات القمة.. فيما تخيم على أسر اخرى أجواء الحزن بعد أن ضاعت أحلام كليات الطب والاقتصاد والعلوم السياسية بسبب مجاميع ابنائهم التى لا تؤهلهم لأى من هذه الكليات.. فالكليات عندنا قمة وقاع وكليات القمة هى الطريق للمستقبل المضمون والوجاهة الاجتماعية وحسابات البنوك وحتى الزواج من بنت الحسب والنسب وانجاب أطفال عباقرة.. وهى مفاهيم خاطئة تعرض الأبناء لضغوط لا قبل لهم بها وتعرض عشرات الآلاف من الأسر لمشاعر كآبة وحزن ليس لها ما يبررها.
وبداية فإن مجموع الدرجات فى الثانوية العامة ليس مقياسا للتفوق وليس الطريق الوحيد للنجاح فى الحياة العملية.. ولن نتحدث هنا عن الأعداد الكبيرة ممن يحصلون على أعلى الدرجات بطرق غير مشروعة ولا عن ضغوط ما قبل الامتحانات والتى تؤثر على أداء بعض الطلاب.. ولا على نتائج امتحانات الصف الاول فى بعض كليات القمة فى المحافظات والتى لم تتجاوز الثلاثين بالمائة.. اى ان كل مائة طالب التحق بهذه الكليات رسب منهم سبعون طالبا وهو ما يثير علامات استفهام حول طرق حصولهم على المجاميع العالية التى أهلتهم للالتحاق بها.. ولكن سوف نركز على نماذج لطلاب حصلوا على مجاميع ضعيفة فى الثانوية العامة لم تؤهلهم الا للالتحاق بكليات القاع.. فنجحوا وتفوقوا وأكملوا دراساتهم العليا وأصبحوا من نجوم المجتمع ومن العلماء الذين يشار اليهم بالبنان.
قبل سنوات حصلت احدى الطالبات على مجموع لم يؤهلها بأمر مكتب التنسيق الا للالتحاق بمعهد الخدمة الاجتماعية قبل ان يتحول الى كلية.. وكان والدها عالما فريدا فى اختصاصه الأمر الذى يجعل حصول ابنته على هذه الدرجات المتدنية وصمة من المفترض ان يخجل منها.. ولكنه على العكس من ذلك شجعها وأكد لها أن النجاح لا يرتبط بنوع الكلية ولكن بالرغبة الحقيقية فى التفوق.. ونجحت الطالبة بامتياز فى جميع السنوات وحصلت على درجتى الماجستير والدكتوراة وتدرجت فى الكلية حتى اصبحت عميدة لها وهى اليوم عالمة اجتماع متميزة ومستشارة للعديد من المؤسسات الاجتماعية فى الدولة.
الحقيقة المؤكدة هى ان النجاح فى الحياة الدراسية والعملية لا يرتبط بنوع الكلية ولا بتصنيفها ضمن كليات القمة او القاع ولكنه يرتبط بالرغبة فى النجاح والاجتهاد والأخذ بالأسباب أيا كانت الكلية التى يلتحق بها الطالب.. وكم من طالب التحق بكلية من كليات القمة ولم يوفق وتكرر رسوبه وربما اضطر فى نهاية الأمر الى التحويل الى كلية أخرى بعد ان اضاع سنوات من عمره.. فاختيار الكلية التى يدرس فيها الطالب لا يخضع لرغباته ولا امكانياته ولا ميوله ولا مواهبه ولكن يخضع لرغبة الاسرة واعتبارات الوجاهة من وجهة نظرها ثم لقرار مكتب التنسيق والذى لا علاقة له بقدرات الطالب ومهاراته.. وهنا يصبح الفشل مرجحا والتعثر مؤكدا.
الواقع يؤكد فشل نظام امتحانات الثانوية العامة لاسباب كثيرة لعل من بينها ظواهر الغش الجماعى التى نلمسها فى مدارس يحصل جميع طلابها على درجات تفوق التسعين بالمائة ولا يرسب فيها ولا طالب واحد أو ينجح بمادة او مادتين.. ونلمسها فى لجان بعض المناطق النائية حيث يتعرض المراقبون لضغوط تؤثر على عملهم ومن ثم على نتائج الممتحنين فى هذه اللجان وظواهر الغش الاليكترونى وغيرها الكثير مما يجب الا نتجاهله او نغض الطرف عنه.. ولا بد من البحث عن نظام بديل او مساعد يضمن التحاق الطالب بالكلية التى يستحق الالتحاق بها.. ومن البدائل الممكنة أن تنظم كليات القمة امتحانات لتقييم الطلاب ومقابلات شخصية لقياس مستوهم والمقومات الشخصية التى تؤهلهم للالتحاق بها وهو النظام المعمول به فى بعض الكليات مثل كليات الفنون التشكيلية والتطبيقية وكليات التربية الرياضية وهى الامتحانات التى يطلق عليها اختبارات القدرات.. ومنها ان يشمل التقييم المؤهل للالتحاق بالتعليم الجامعى مستوى الطالب فى جميع مراحل الدراسة الابتدائية والاعدادية والثانوية وغيرها من الافكار التى تنهى كابوس الثانوية العامة وتجعل الطالب المناسب يلتحق بالكلية المناسبة سواء كانت من كليات القمة أو ما اصبح يطلق عليه كليات القاع.