دخول الأسلحة طويلة المدى يدفع نحو صراع مباشر بين روسيا والغرب
لجوء موسكو للخيار النووى غير وارد حاليًا ولكنه غير مستبعد
شكّل الدعم المتواصل لأوكرانيا أحد توجهات فترة جو بايدن التى استمرت لأربع سنوات فقط، حيث سخّر مكتبه لنقل الأسلحة والمساعدات إلى كييف فى حين دخل مع الكونجرس فى سجالات طويلة لضمان استمرار تلقيها لمساعدات واشنطن السخية.
فمنذ بدء الحرب الروسية- الأوكرانية، صوّت الكونجرس الأمريكى على خمس قوانين تتصل بالمساعدات الأمريكية لأوكرانيا، وكان آخرها فى أبريل 2024، وبلغ إجمالى المساعدات المقدمة نحو 182 مليار دولار وبحسب تقرير للمفتش العام لوزارة الدفاع الأمريكية فإن هذه الأموال تم تخصيصها من خلال عدة وكالات فيدرالية، بما فى ذلك وزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
أشار التقرير إلى أن نحو 131.36 مليار دولار، تم إنفاقها لتلبية الاحتياجات العسكرية المتزايدة لأوكرانيا على مدار سنوات الحرب، بينما تم تخصيص أكثر من 45 مليار دولار للبنتاجون لتمويل الأنشطة المتصلة بالحرب ويذهب جزء صغير لدعم البلدان الأخرى المتضررة. كما تقدم عشرات الدول الأخري، بما فى ذلك معظم أعضاء حلف شمال الأطلنطى والاتحاد الأوروبي، حزم مساعدات كبيرة لأوكرانيا.
لكن الرئيس الأمريكى ظل متمسكا برفض السماح لأوكرانيا باستخدام أنظمة الصواريخ التكتيكية العسكرية طويلة المدى «أتاكمز» الأمريكية الصنع، داخل الأراضى الروسية، فى ظل تحذيرات روسية من أن استخدامها سيمثل تجاوزا للخط الأحمر.
لكن مع انتهاء فترة ولايته، واقتراب تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب، المعارض أصلا لحرب أوكرانيا والمساعدات التى تقدمها واشنطن لها، منح بايدن كييف الإذن باستخدام صواريخ «بعيدة المدي» لضرب أهداف فى عمق روسيا، فيما يشكل تصعيدا خطيرا فى الحرب.
أرجع عدد من المحللين هذه الخطوة غير المسبوقة من إدارة بايدن إلى ثلاثة أسباب: أولها سعيها لتعطيل وعود ترامب بإنهاء الحرب، والضغط عليه لمواصلة دعمه لأوكرانيا، ولا سيما وأن الرئيس الأمريكى المنتخب لم يكتف فقط بتعهده خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب فى أوكرانيا ولكنه ايضا بادر عقب فوزه بإجراء مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، ودعاه خلالها إلى وقف تصعيد الحرب فى أوكرانيا. وثانيها تعزيز موقف أوكرانيا قبيل الدخول فى مفاوضات مستقبلية مع روسيا، أما الثالث فهو المتغيرات على ساحة المعركة ولا سيما بعد نشر روسيا لنحو 10 آلاف جندى كورى شمالى فى منطقة كورسك فى إطار سعيها لطرد القوات الأوكرانية.
لكن تظل مشاركة كوريا الشمالية هى المحرك الرئيسى وراء إزالة القيود المفروضة على استخدام صواريخ «أتاكمز»، بحسب عدد من المحللين. وعلاوة على تعزيز فرص أوكرانيا فى الحفاظ على موطئ قدم لها داخل الأراضى الروسية، فإن هذه الخطوة قد تثنى كوريا الشمالية عن إرسال المزيد من القوات ومن جهة أخرى يشكل الوجود الكورى الشمالى بحد ذاته ذريعة للقرار الأمريكي، مما يخفف حدة المخاوف بشأن اعتباره من جانب روسيا كخطوة تصعيدية.
كانت المخاوف من التصعيد واحتمال نشوب صراع مباشر بين روسيا وحلف شمال الأطلنطى وراء إحجام بايدن عن السماح باستخدام هذا النوع من الصواريخ التى يصل مداها إلى حوالى 300 كم ويمكن استخدامها لمهاجمة المواقع اللوجستية والقواعد العسكرية الروسية ومستودعات الذخيرة، ولا سيما وأن موسكو حذرت مرارا من أن السماح للأسلحة الغربية بضرب روسيا من شأنه أن يشكّل «مشاركة مباشرة» من قِبَل حلف شمال الأطلنطى فى الحرب.
أسهمت القيود الأمريكية على استخدام صواريخ «أتاكمز» فى قيام بريطانيا وفرنسا بوضع قيود مماثلة على استخدام أوكرانيا لصواريخ ستورم شادو وسكالب، التى يبلغ مداها 250 كم. ولذا ستوفر هذه الخطوة الأمريكية الغطاء الشرعى لبريطانيا وفرنسا لتبنى قرارات مماثلة. وقد تنضم إليهم ألمانيا وتوافق على تسليم صواريخ توروس كروز إلى أوكرانيا، والتى يبلغ مداها 500 كم.
بالفعل شرعت أوكرانيا فى استخدام صواريخ «أتاكمز» الأمريكية وستورم شادور البريطانية ضد أهداف داخل الأراضى الروسية، وذلك بعد حصول كييف على الضوء الأخضر من لندن. كما زودت أمريكا أوكرانيا بالألغام المضادة للأفراد.
رد فعل الكرملين كان متوقعا على الإعلان الأمريكي، بالقول بإنه يصب «الزيت على نار».
هددت موسكو بالرد على القرار، واتهمت واشنطن بالسعى لإطالة أمد الحرب وحذرت من أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة وصعّد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين من حدة التوتر من خلال توسيع شروط استخدام الأسلحة النووية الروسية، بعدما أعلن الكرملين عن تغيير رسمى فى عقيدته النووية، وهو ما يفتح الباب أمام رد نووى محتمل على الضربات التى يشنها حلف الناتو على الأراضى الروسية.
يرجح معظم الخبراء أن استخدام روسيا للأسلحة النووية أمر مستبعد فى الوقت الحالي، واستبعد بافيل بودفيج، الباحث البارز فى معهد الأمم المتحدة لأبحاث نزع السلاح، لجوء روسيا لإسقاط قنبلة نووية على أوكرانيا، لأنه فى المقام الأول لن يساعد فى تحقيق أى أهداف عسكرية لقواتها التى تتقدم بالفعل فى الوقت الحالي.
يذهب بودفيج إلى استخدام السلاح النووى فى صراع للمرة الأولى منذ عام 1945 من شأنه أن يوحد الكثير من دول العالم ضد روسيا، وهو ما سيشكل مقامرة خطيرة لا يمكن التكهن بنتائجها ومداها، ولكنه فى الوقت نفسه لم يستبعد إقدام موسكو على خوض غمار هذا المجازفة ولا سيما إذا أيقنت من ضعف رد الفعل.