حضرت عشرات القمم والمؤتمرات والندوات والفعاليات المحلية والإقليمية والدولية، كنت أذهب إلى هذه الفعاليات بنشاط وحيوية وتفاؤل، كنت اسلح نفسى بالأمل والطموح فى ان أجد من بين تلك المؤتمرات والفعاليات ما يحمل تغييرا حقيقيا وحلا جذريا لمشاكل وأزمات وتحديات، لكن للأسف الشديد لم أجد إلا أطرا شكلية تتناول الموضوع– أى موضوع– باستفاضة معرفية وغزارة فكرية مع مزيد من المحسنات البديعية والألوان البيانية، لكن دوما كانت المخرجات عبارة عن «ينبغيات» خالية من «دسم الواقعية» او القدرة على تحويلها إلى شئ قابل للتنفيذ على الأرض، كنت أحزم حقيبتى واقطع المسافات فوق الاطلنطى وصولا إلى الأمم المتحدة او مجلس الامن لكى أجد قرارا أمميا يمس الواقع ويستطيع ان يغير من واقع المظلومين والمقهورين فى بقاع الأرض، كنت أتجول فى قاعات الأمم المتحدة لأستمع إلى سيمفونيات راقصة عن العدل والمساواة والقانون الدولى والإنسانى وحق الشعوب فى تقرير مصائرها وحقها فى التنمية والعيش الكريم، كنت استمع وأشارك أحيانا فى نسج هذه الأحلام، وما ان يخرج المجتمعون من قاعات النقاش حتى تجد خطابات مختلفة عما قيل بالداخل حيث التشاؤم والإحباط والإيمان ان تغيير الواقع يحتاج إلى أمور أخرى وسياقات مختلفة وأدوات جديدة، وعندما تتجرأ وتسأل احدهم عن هذه السياقات والأدوات يضحك حتى يكاد يستلقى على ظهره ويقول «لو كنت أعلم ما كنت أتيت «فأردد بينى وبين نفسى واقول كما قال عبدالحليم حافظ «لو كنت اعرف خاتمتى ما كنت بدأت»، نفس الشيء يحدث فى معظم المؤتمرات التى تناقش حق المظلوم والجائع والمضطهد، لكن المؤتمرات التى تدافع عن حق الأغنياء فى مزيد من الغنى وتلك التى تبحث عن تبريرات للمحتلين والظالمين هى من تتخذ قرارات وتطبقها على الأرض، إذن نحن امام نوعين من المؤتمرات والقمم الأول: مؤتمرات الينبغيات منزوعة الدسم والثاني: مؤتمرات التبريرات الرخيصة للممارسات الرخيصة، لذلك نجد ان معظم الشعوب لم تعد تتفاعل مع القمم والمؤتمرات لأنها تعلم جيدا ان خلاصتها «أحلام»، لكن بالأمس حضرت قمة الرياض العربية– الإسلامية التى دعت اليها السعودية وفلسطين، ورغم إيمانى بأنها كما غيرها لن تغير من الواقع البائس لهذا الإقليم البائس، لكن وللحق والتاريخ وجدت فيها جديدا يمكن ملاحظته ودراسة آثاره، وجدت تحولا إستراتيجيا فى الخطاب السياسى العام داخل القمة، حيث غلبت مفاهيم «الواقعية السياسة» على ما دونها من مفاهيم عقيمة، لقد اختفت المظاهر الحنجورية وولت إلى غير رجعة– على الأقل داخل قاعة الزعماء– بات الجميع يتحدث بلغة مختلفة يسمعها العاقلون ويتفهمها الحكماء، لم نعد نسمع عبارات إلقاء دولة الكيان الصهيونى فى البحر، لم نعد نسمع أثرا للأحلام الوردية، الخلاصة « لقد بلغ الخطر مبلغا لا يمكن السكوت عنه، لكن الأهم فى هذه القمة هى تلك العبارات الحاسمة التى جاءت على لسان الرئيس السيسى بشكل واضح لا يحمل الجدل « وباسم مصر، أعلنها صراحة: إننا سنقف ضد جميع المخططات، التى تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، سواء عبر تهجير السكان المحليين المدنيين، أو نقلهم قسريا، أو تحويل القطاع إلى مكان غير صالح للحياة .. وهو أمر؛ لن نقبل به تحت أى ظرف من الظروف.
ونكرر :إن الشرط الضرورى لتحقيق الأمن والاستقرار، والانتقال من نظام إقليمي، جوهره الصراع والعداء.. إلى آخر؛ يقوم على السلام والتنمية.. هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على خطوط الرابع من يونيو لعام 1967، وعاصمتها «القدس الشرقية.»