لا يجب أن تمر الأحداث والصراعات والتوترات فى المنطقة دون أن نتوقف أمام الكثير من النتائج ونستلهم الدروس والعبر، وأسباب ما وصلت إليه المنطقة، أو فى جزء كبير منها، خاصة الحديث عن أهمية وحيوية وقوة الدولة الوطنية، ومؤسساتها، وألا تكون هناك كيانات أو مؤسسات أو ميليشيات خارج نطاق الدولة، أو موازية أو منافسة لها، ولا تخضع لتقديراتها وحساباتها ولا تراعى لها الإستراتيجية وأمنها القومي، توقفت كثيراً عند تصريح رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى أن الدولة هى صاحبة قرار السلم والحرب، فى ظل ما يعانيه العراق الشقيق والحبيب من انتشار كيانات تحت مسميات المقاومة الإسلامية أو الحشد الشعبى التى تقوم باستهداف أعداء إقليميين دون إذن أو قرار أو اطلاع للدولة وهو ما يتكرر من استهدافها لأهداف إسرائيلية أو أهداف أمريكية موجودة فى العرق.. لم يمر تصريح رئيس الوزراء العراقى مرور الكرام، فقد تذكرت على الفور، رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى وأحاديثه وأقواله عن أهمية بناء الدولة الوطنية ومؤسساتها، وعبقرية هذه الرؤية، التى يتحدث عنها الجميع الآن، وبمفرداتها فى ظل أحداث وصراعات، معقدة، تبرز فيها فكرة «الكيانات الموازية» فى بعض الدول والتى اقحمت الدولة الوطنية ومؤسساتها وشعبها فى مواجهات دون التوقف أو الأخذ بإستراتيجيات فكر الدول فى إجراء تقديرات وحسابات دقيقة، خاصة أن قرار الحرب والسلام بالفعل كما قال «السوداني» هو قرار الدولة وليس غيرها، وحتى إذا اتخذته للضرورة والحتمية وبعد نفاد كافة الحلول، فطبيعة الحال فإن الدولة قبل الإقدام على هذه الخطوة تكون لها حساباتها وإجراءاتها فى كيفية تأمين احتياجات، وحماية شعبها، ومدى قوة وقدرة الدولة وجيشها على المواجهة، وهل قرار الحرب سوف يحقق الهدف أو الأهداف المنشودة أم يزيد الأمور تفاقماً وكارثية وما تأثير هذا القرار على وضع الدولة وعلى أمنها القومي.. فمثل هذه القرارات ليست ارتجالية ولا تتخذ بالعواطف أو حتى الأيديولوجيات، لكنها قد تدمر الدولة.
الدول التى سقطت فيها الدولة الوطنية وتفككت جيوشها ومؤسساتها هى ضحية الفوضى الخلاقة، والمؤامرات والمخططات والصراعات الداخلية من اقتتال أهلي، وصراعات مذهبية وطائفية، وعدم إعلاء مبدأ الحوار والتفاوض على طاولة وطنية، تجمع مختلف الأطياف وتضمن رسوخ الاصطفاف الوطني، وتجلى ذلك أيضاً فى أتون ثورات الربيع العربى وبالتالى نحن الآن فى إعادة مراجعة مع النفس فى هذه الدول الشقيقة التى تتحدث عن أهمية بناء وقوة الدولة الوطنية ومؤسساتها، وإعلاء قيمة الجيوش الوطنية، فى لبنان انتبه الكثيرون إلى فكرة وأهمية الدولة الوطنية التى تجمع كل اللبنانيين، وأن تكون الدولة هى صاحبة القرار والسيطرة، وهو نفس ما تحدث عنه رئيس الوزراء العراقى خاصة ان فصائل المقاومة المسلحة، تبدو وكأنها بعيدة عن سيطرة الدولة، وتتخذ قرارات متعلقة بالحرب والسلام دون مراجعة أو منطق وفكر وحسابات وتقديرات الدولة.
دعونا نعرض النموذج المصرى فى وضع بناء وقوة الدولة الوطنية على رأس الأولويات فعندما تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى أمانة المسئولية الوطنية فى قيادة مصر أدرك أن الوطن كان على مشارف السقوط والضياع خلال وبعد يناير 2011، حيث تعرضت الدولة المصرية لهزة عنيفة من الفوضى والإرهاب وضياع هيبتها، واستهداف مؤسساتها ولولا قوة ووطنية الجيش المصرى العظيم، لتحققت أهداف وأحلام قوى الشر فى إسقاط مصر.. لذلك، كانت وما زالت رؤية الرئيس السيسي، تؤكد أهمية قوة وتماسك وقدرة الدولة الوطنية ومؤسساتها، لذلك نجح منذ البداية، فى استعادة الهيبة للدولة وبناء مؤسساتها بشكل عصرى وتزويدها بأحدث النظم التكنولوجية، لتؤدى دورها بأعلى درجات الكفاءة، بعد إجراء الهيكلة والإصلاح الحقيقى والشامل، كما نجح فى بناء دولة القانون والمؤسسات التى تعمل على انفاذ القانون دون استثناء أو تمييز، وترسيخ حق المواطنة دون تفرقة، وأن الأساس والمعيار هو الكفاءة والجدارة وأكد على مبدأ أن من يرفع السلاح فى وجه الدولة يواجه بكل حسم.
الخطاب المصرى على صعيد الخارج، يؤكد دائماً على أهمية بناء الدولة الوطنية التى تجمع كافة الأطياف الوطنية، وتمكين مؤسساتها خاصة الجيش الوطنى والتصدى لكل محاولات هدم منظومة الأمن، والتصدى للتهديدات خاصة الإرهاب، وفرض السيادة وحماية الحدود، والحفاظ على سلامة ووحدة أراضى الدولة، وتأمين الحقوق المشروعة الدستورية والقانونية لجميع فئات الشعب، لذلك بدت مقاربة الدولة الوطنية ومؤسساتها طبقاً للرؤية المصرية، هى المسار الحقيقى والأمثل لضمان سلامة الدول والحفاظ عليها، وبات الاستثمار فى بناء قوة وقدرة الدولة الوطنية ومؤسساتها وجيشها الوطني، وشرطتها هو الضامن الحقيقى لاستقرار الدول، بل وضع الرؤية لحل الأزمات فى بعض الدول وإنهاء فصول الفوضي، من خلال التركيز على تحقيق هدف قوة الدولة الوطنية، وإعلاء المصلحة الوطنية، لدى كافة الفئات والأطياف السياسية.
كما أن الدولة، تضمن الحقوق والواجبات لكل أبناء الشعب، ولا مجال للتفرقة أو التمييز على أساس دينى أو مذهبى بل إن المواطنة، هى الأساس، فالجميع له نفس الحقوق، وعليه نفس الواجبات والعلاقة بين شركاء الوطن مسلمين ومسيحيين هى نموذج يقتدى به العالم، ويبرز ويجسد عظمة الدولة المصرية، وهو ما عمل الرئيس السيسى على ترسيخه، وتحقيق إنجازات غير مسبوقة قطعت الطريق على قوى الشر التى تسعى لإحداث الوقيعة وبث الفتن، التى لعبت جماعة الإخوان الإرهابية فيها دوراً كبيراً خلال العقود الماضية لصالح أهداف خارجية خبيثة على اعتبار أن هذا التنظيم الإرهابى ما هو إلا أداة فى يد أعداء مصر ويعمل على هدم الدولة الوطنية بل حاول كثيراً أن يكون كياناً سياسياً وعسكرياً موازياً للدولة المصرية، من خلال تنظيمات وخلايا سرية تعمل تحت الأرض وحاولت الجهر بذلك فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، لكن شعب مصر العظيم، سبق خطوات الإخوان المجرمين، وأسقط وعزل نظام الجماعة الإرهابية فى 30 يونيو 2013.
رؤية الرئيس السيسى فى بناء قوة وقدرة ومبادئ وأسس الدولة الوطنية المصرية، ولضمان حماية قوة هذه الدولة الوطنية كان قرار الرئيس السيسى فى تطوير وتحديث الجيش المصرى العظيم وتزويده بأحدث نظم التسليح فى كافة التخصصات، بالإضافة إلى تطوير الشرطة الوطنية وتزويدها بأحدث المعدات والمنظومات لحماية الأمن والأمان الداخلى وفرض سلطة القانون وألا يحمل السلاح سوى أفراد الجيش والشرطة.
كانت ومازالت أهم دعوات ونصائح الرئيس السيسي، للدول وشعوبها، هو الحفاظ على الأوطان، ولا يتوقف عن التأكيد على أهمية الدولة الوطنية، وأن على الجميع أن يستظل بدستور وقانون الدولة، ويحتمى بمؤسسات الدولة الوطنية، وأن يتمسك الجميع بعدم وجود كيانات موازية للدولة الوطنية، فما تشهده مصر هو نموذج فريد، وملهم، فى قوة مؤسساتها، سواء البرلمانية، أو الدفاعية العسكرية أو الأمنية، وتطوير وبناء قدرات الدولة الشاملة والمؤثرة ووضعها على طريق التقدم والنهضة، وتحقيق التنمية المستدامة، وتلبية احتياجات شعبها فى الحاضر والمستقبل، والارتقاء بجودة الحياة، والخدمات، والنهوض بالصحة والتعليم لترسيخ الدولة الحديثة والعصرية، وأيضاً تحقيق النهوض والنمو الاقتصادي، وقد تمكنت مصر فى تحقيق بيئة مثالية لتحقيق اقتصاد قوى سواء فى تبنى إصلاح حقيقي، وإنشاء بنية تحتية عصرية ترتكز عليها عملية التقدم وجذب الاستثمارات وفتح آفاق اقتصادية تحقق أهداف التنمية المستدامة، ويزيد من قدرات وأصول وإنتاج الدولة، بما ينعكس على مستوى حياة شعبها، لذلك فإن الرئيس السيسى يستحق التحية والتقدير على رؤيته العميقة والعبقرية فى حتمية بناء الدولة الوطنية ومؤسساتها، وهو أحد أسباب قوة وصلابة مصر رغم ما يحدث فى المنطقة من صراعات وحرائق وتوترات ورغم ما تشهده من مخططات ومؤامرات.