قوة أى دولة تكمن فى تلاحم أبنائها، ويقظتهم ووعيهم بالمخاطر والتحديات المحيطة بهم، وتضافر جهودهم فى خدمة وطنهم، والتفافهم حول قيادتهم، وعدم السماح باختراق صفوفهم، والأخذ على يد كل من تسول له نفسه اختراق الصف الوطنى أو العبث بأمن الوطن.
قوة الدولة قوة لجميع أبنائها، قوة للدين، وقوة للوطن، وقوة للأمة، وقد قالوا: رجل فقير فى دولة غنية قوية خير من رجل غنى فى دولة ضعيفة فقيرة، لأن الأول له دولة تحمله وتحميه فى الداخل والخارج، والآخر لا ظهر له ولا أرض مصونة ولا مال محفوظاً له لا فى الداخل ولا فى الخارج، ومن ثمة كان بناء الدولة وتقوية مؤسساتها مطلباً شرعياً ووطنياً وحياتياً لجميع أبنائها، وبقدر إيمان كل منهم بحق الوطن، وقوة انتمائه إليه، وعطائه له، واستعداده للتضحية من أجله، تكون قوة الوطن، وبقدر اختلال هذا الانتماء وذلك العطاء، والنكوص عن التضحية بالنفس أو بالمال يكون ضــعف الدول أو انهيارها أو سقوطها أو تمزقها.
على أن بناء الدول والحفاظ عليها والنهوض بها إلى مصاف الدول المتقدمـــة ليــس أمــرًا ســهلاً أو هيناً، إنما هى عملية شاقة شديدة التعقيد، تحتاج إلى خبرات كبيرة، وإرادة صلبة، وعمل دءوب، ورؤية ثاقبة فى مختلف المجالات والاتجاهات التى تعزز قوة الدولة، والحفاظ على أمنها واستقرارها.
قضية قوة الدولة واستقرارها تتجاوز كل دوائر الهواية بمراحل، إنها سلسلة متشابكة ومعقدة من الخبرات المتراكمة، إنها القدرة على سرعة قراءة الواقع وطنياً وإقليمياً ودولياً وفهم تحدياته وتوازناته وتحالفاته وفك شفراته وحل طلاسمه، والتعامل مع ذلك كله على أسس علمية ومعلوماتية ومنطقية دقيقة فى ضوء الخبرات المتراكمة لمتخذ أو متخذى القرار، ولاسيما القرارات الصعبة المتصلة بمصائر الدول.
وعندما ننظر فى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة نجد أنهما يؤكدان على ضرورة توفر الكفاءة والكفاية والأمانة معا، وليس الأمانة وحدها، حيث يقول الحق سبحانه فى كتابه العزيز على لسان سيدنا يوسف (عليه السلام) لعزيز مصر: «اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ»، ويقول سبحانه على لسان ابنة شعيب لأبيها فى شأن سيدنا موسى (عليه السلام): «يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ»، ولما طلب سيدنا أبو ذر من سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يستعمله، قال له (صلى الله عليه وسلم): «يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزى وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها»، وقال (صلى الله عليه وسلم): «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»، وأهل الأمر هم أهل الكفاءة والأمانة معاً.
مع بيان أن نبينا (صلى الله عليه وسلم) فى رحلة الهجرة استأجر دليلاً غير مسلم معروفًا بكفاءته وأمانته، ولم يعتمد على أحد من الصحابة الكرام رغم شدة أمانتهم جميعا، ولا شك أن بعضهم كان على دراية بدروب الصحراء ومسالكها، غير أن فارق الكفاءة فى الخبرة بدروب ومسالك الصحراء هو بالتأكيد الذى رجح اختيار الدليل غير المسلم عليهم، وهو أيضا – ما فعله سيدنا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) فى استخدام بعض كُتَّاب بيت المال وكُتَّاب الدواوين.
ولابد من العناية بشأن القيم الأخلاقية والإنسانية فى بناء الدول، فالأمم التى لا تقوم ولا تبنى على القيم والأخلاق إنما تحمل عوامل سقوطها فى أصل بنائها وأسس قيامها، فما بالكم وديننا دين القيم والأخلاق؟! وبعثة رسولنا (صلى الله عليه وسلم) كان الهدف الأسمى منها هو إتمام مكارم الأخلاق؟ حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّمَا بُعِثْتُ لأِتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَْخْلاَقِ).
وختاماً نؤكد أن مصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان، وأن كل ما يدعم ويقوى الدولة الوطنية هو من صميم مقاصد الأديان، وأن كل ما ينال من قوة الدولة أو كيانها إنما يتنافى مع كل الأديان والقيم الوطنية والإنسانية.