«ليست حياة أو موتاً بل أهم من ذلك»، . الوصف أطلقه الدكتور ياسر قنصوة فى كتابه «عالم مو: عندما يركل الفلاسفة الكرة» والعنوان يدفع للقراءة مثلما تدفع مسيرة الكاتب والذى قدم للمكتبة العربية ما يزيد عن ٦ كتب فى استقراء الفلسفة السياسية ومفاهيمها وآليات مجابهة الإسلام السياسي، استهدفت كتابته جميعها تحصين المجتمع المصرى ببناء وعى شامل قادراً على التعامل مع مختلف التحديات الراهنة، الأمر الذى يعطى تأكيدا بأن الكتاب الصادر عن دار ريشة فى 120 صفحة من القطع الصغير، ليس فقط قادراً على النفاذ إلى مشكلات عالم الساحرة المستديرة على صعيد اللاعبين والمتابعين والمحللين والمتحدثين فى هذا الشأن، لكنه يصوغ من عالمها قانونا يمكن الأخذ به لتحقيق تفرد كامل لذات الشخص وتفوق قادر على أن يجعله أيقونة فى مجتمعه، ورمزا يعبر عنه للعالم..الكتاب يتناول عبر صفحاته المعانى السامية فى تكوين الإنسان والتى تقوده فى حياته وتحركه للأفضل فى معاملاته وممارسة اللعبة بما تشمله من مبادئ العدل والمساواة بين اللاعبين وبين الفرق والأندية المتنافسة، وكرة القدم كمفهوم وممارسة تقضى فى أهدافها على العنصرية الاجتماعية وتحقق المساواة بكل معانيها فتلعب فرق محدودة الموارد لا تكاد تتساوى القيمة السوقية للفريق بكامله مع القيمة السوقية للاعب فى الفريق المنافس وتجده مع ذلك هو الفائز.
يصف الكتاب كيف أن كرة القدم هى حل للأزمات بين الأفراد وبعضهم والمجتمعات وبعضها وبين الأفراد والمجتمعات بحيث تفتح آفاق التواصل وإن سدت فى الحياة العادية.
تحلل السطور عبر صفحات الفصل الأول ارتباط الطبيعة الشخصية بكرة القدم فهى لعبة الحظ التى قد تنفلت فى لحظة معينة عبر سير المباراة وتنقلب الموازين وتتغير الأحداث بهدف مباغت، وهو ما يميل له الشخص ليشبع رغبة داخلية فى محاكاة حياته ورغبة الحظ فيها ثم تضمن حياة كرة القدم، اللعب والجهد كوجهين اساسيين، وهى الحياة من أجل الحياة فى صميمها، أى المتعة فى اللعب والأداء والإنجاز، وما يصاحبها من حماس الهتاف عند التشجيع، وكرة القدم دفع للملل لدى المشاهد وهى العذاب الناجم عن الاستعداد للعب مباريات فاصلة أو توتر ما قبل المباراة، وأحيانًا صدمة ما بعد المباراة، وخلال التركيز وبذل الجهد فى وضع الخطط وكيفية الالتزام بالتعليمات المصاحبة لها والتوقعات، والمرحلة الأخيرة ما تسفر عنه النتيجة النهائية للمباراة.
عند هذه النقطة يتطرق الكتاب إلى مشهد مستحق تأمله وطرح تساؤل من المهم الوقوف عليه، خاصة فى مرحلة وصول الحماسُ الكروى إلى الشجار، العنف، الموت، ومنه يتساءل الكتاب: هل من العدالة أن تكسب الأندية، ويربح اللاعبون أموالًا طائلة، ويخسَر المشجعون راحةَ بالهم، وجهدَهم؟».
قد يذهب الظن بالبعض إلى أن شدة الحماس هى شدة العشق للكرة، والأمر المثير للدهشة أن يقول المدرب الشهير «بيل شنكلي» متعجبا مما وصل له حال التشجيع الكروى «يعتقد البعض أن كرة القدم مسألة حياة أو موت، للأسف هذا يجعلنى حزينا، فهى أكثر من ذلك بكثير»..هذه العبارة المعقدة يشرحها الكتاب بوصفها الشئ الوحيد الذى يزداد شعبية حتى لو رفضت الدول الاهتمام به، مثلما حدث فى أمريكا والصين، وهى المشروع الرأسمالى لدى البسطاء فمن حوارى وملاعب الكرة الشعبية حيث تلعب الكرة كأرخص وسيلة إنسانية للحركة وتفريغ الطاقة، والمتعة يستمر اهتمامهم على أمل الانتقال إلى الاحتراف أو صناعة الأغنياء حيث استراتيجيات ومخططات، إذن كيف تطرق إلى العنف والتعصب داخل الوطن الذى تجرى فى دم شعبه كرة القدم كأمل فى الشهرة ومنفذ للثراء.
يكشف الكتاب ما وراء أسباب هذه الظاهرة الدخيلة على العالم الكروى لا سيما فى مجتمعنا، فكرة القدم فى حد ذاتها لا تحمل الأزمة..بل تصنع حياة، وتناقش الصفحات دور «أستوديو التحليل» إذ تُسهم نبرة بعض المحللين وتعليقاتهم احياناً فى إشعال الحماس قبل المباراة، وما بين الشوطين، مع احتفاظ بعضهم برصانة فى التحليل، وإدراك واقعى لسير المباراة، فيقدم تحليلًا وافيًا لخطط اللعب، وتقييم الأداء، ولا مانع من ذكر توقعاته لنتيجة المباراة، وحتى تكتمل الطقوس حيث يقوم المعلقون بطقوس الفرح حيث التهليل وصيحات الإعجاب أحيانًا وعبارات رنانة، وحكْى خارج المباراة، إنه التوتر الجذاب والقلق الأخاذ والانفعالات التلقائية المصاحبة.
بين مو وماردونا وسقراط
يبحث الإنسان دائما عن ذاته وعن التعبير عن ذاته، وقد يكون قاصرا عن أحدهما أو كليهما، فيبحث فى الوجود من حوله عن من يحقق له ما يفقده، يحكى الدكتور قنصوة فى الفصل الثانى من الكتاب عن موقف مر به، صباحا، فى القاهرة، أواخر الثمانينات، سائح يستفسر منه عن عنوان، فيسأله الكاتب من أين أنت ليرد «من عند ماردونا» لم يقل من نابولي، على ذلك يدور الفصل فماردونا صنع القيمة لمجتمعه وخلق الامل لشعبه وهو الفرد الواعى بوجوده والمختلف فى تفرده عن الجميع، وإلا صار فردًا عاديًا.
ماردونا أعاد اكتشاف كرة القدم من جديد، كما يعبر «دى ستيفانو» أسطورة ريال مدريد والارجنتين ويتشابه فى تجربته فى صناعة الذات والمجتمع مع تجربة سقراط شيخ الفلاسفة صاحب أول حضور فردى فى الفكر، كانت حكمته: أكّد نفسك، افرض نفسك، وهو من قال: «الإنسان معيار الأشياء جميعًا»، ولكونه سقراط طرح تفسيره «اعرف نفسك بنفسك».
تأخذنا صفحات الكتاب من نهار القاهرة فى الثمانينات إلى مسائها منذ بضع سنوات، فى مشهد اصطفاف الكراسى بأحد المقاهى انتظارا لمباراة «صلاح» وهو ما لم يحدث من قبل فى مجتمعنا خاصة بين فريقين فى الدورى الأوروبى بعد أن اجتمعت العيون لا لمشاهدة فريق معين، بل لرؤية لاعب فرد، يحظى بكل الاهتمام، وتجرى العيونُ وراءه، فهو ضالتها المنشودة، وعندما تغيبه الكاميرا، تدور كاميرات الأعين باحثةً عنه على البساط الأخضر، منتظرين إيداعه للكرة فى المرمى كى يخلق لهم الحياة.
الجميع يقفز ويعلو صوته إذا حقق «مو» هدفًا، لكن رجلا خمسينيا له ساق واحدة كان يقفز مستندًا على عكازه، مقاومًا للعجز، فى حماس طفولى جنونى مع كل كرة يقترب بها «مو» من المرمي، وكأنه شاب يافع يقفز من بين المشاهدين متشبثًا بنظرة إلى المستطيل الأخضر يتحدى كما يتحدى معشوقه «مو».
صلاح كما يبدو للكثيرين، يتجلى عنده التفرد كحالة غير مسبوقة فى تاريخنا الكروي، لا يضع «مو» سقفًا لطموحاته، بل ينطلق فى صعوده إلى أقصى الحدود، ويعمل بكل كيانه وروحه الرياضية للاستمرارية فى الصعود، إنه الشعور الخاص والمتفرد بأن هناك ما لم يتحقق بعد، وهو بذلك صنع لنفسه ولنا عالما خاصا.. نعود فيه إلى أصل كرة القدم بمعانيها التى تمس ذات الإنسان، ومن أجله كانت وحصلت على هذه الشعبية.. وإن عكر صفوها بعض الشئ لكن فى ظل ضباب مختلق تتوهج هذه التجربة من آثار لدى الجماهير المصرية والعربية، هذه المشاعر المفعمة بالأمل والفخر ليطلق عليه «فخر العرب» إنه أول لاعب عربى يصبح هدافًا لأقوى الدوريات العالمية – الدورى الإنجليزى – ويكون واحدًا من أفضل لاعبين ثلاثة على مستوى العالم فى قائمة الاتحاد الدولى «الفيفا، لكن كيف تحقق له ذلك ليضاهى فى تجربة الفوز بالمركز الأول، سقراط وماردونا؟
الوعى بالزمن..أساس المتغيرات
يعقد الكتاب مقارنة غريبة بين «فارس» بطل فيلم الحريف و«مو» بطل الكتاب وعنوانه وبطل مصر ورغم التعجب للوهلة الأولى لكن التأمل الفلسفى فى الأمر يحتم ضرورة عقد هذه المقارنة، ففارس يبدأ الفيلم يلهث على قضبان السكة الحديد ليعبر عن صراعه الوجودى فى اكتساب اللياقة للعب كى يستمر ويكسب جنيهات مع صراخ التشجيع وآهات الإعجاب… يا حريف… دون أن يعرف نهاية المطاف.
كان فارس معلقاً بين الوجود والعدم، الوجود المرهون بصيحات المشاهدين، والعدم عندما يغادر أرض اللعب إلى عذابات حياته الشخصية الفقيرة معنويًا وماديًا.
أما مو الناشئ فى بيئة لا تختلف كثيرا عن بيئة فارس فموجود كذلك فى قطار الصباح، لكنه يحمل حلمه الوحيد، أن يكون لاعباً ونجم كرة، وهو يدرك أن وجوده ليس شيئًا سوى فى عالم الكرة، إنه ذاهب إلى هناك، وجوده أن يكون لاعبا وعدمه فى عدم اللعب ولا خيار ثالثاً.
من عربة الفول المزار اليومى لـ «فارس» قبل أن ينطلق إلى ورشة الجلود التى يعمل فيها، إلى «طبق الكشري» المعتمد إفطارا رسميا لدى محمد صلاح اللاعب الناشئ ربما لا تختلف نوعية الإفطار أو النظام الغذائى لكن الاختلاف الواقعى الملموس يكمن فى كيفية الاختيار العقلانى لكل منهما وهو ما لا تحكمه الظروف، الاختيار العقلانى كما يوضح الكتاب هو المنطلق من الوعي، والوعى هو ما يحتاجه الإنسان ويحتاجه مجتمعه كى يكون صاحب قيمة فيه،لذا تبدو المسافة بين «مو» و«فارس»،هى المسافة بين حريف و صعلوك فى عالم رحب لم يدرك بعد طبيعة وجوده، فظل متأرجحًا، إنها المسافة بين زمن فارق بين من يعيشه ليكون نفسه ولا يعرف شيئًا، ولا ينوى أمرًا، يردد مأساته ويذم دولته ويشكو حاله ليقوده ذلك كله إلى وجود زائف يشعر بالقيمة مع فقدها ويحس أنه يبنى نفسه دون النظر لمن حوله، وآخر يسابق زمنه فى مطاردة حلمه بوعى وإرادة ومسئولية، لا يلوم ماضياً ولا يصدر حكمه بالعدم بل يركز على حاضر ليبنى مستقبلاً مشرقاً.
وفى الحقيقة لا يمكن أن نلوم فارساً فهو «حريف» لكن لم يدرك قيمة الزمن الذى أدركه «مو» لكن فى كرة قدم الحوارى ومن خلاله استطاع إثبات وجوده الموهوب، كان هذا زمنًا تفرضه بيئة محددة على مستوى أرض الملعب وطبيعة المنافسين، ومهاراتهم وسرعة رد فعلهم التى تكاد تتشابه مع الأجيال التى سبقتهم والتى عاشت البيئة نفسها، لكنه ليس إدراكاً لما ينبغى أن يكون عليه…
يواجه الكتاب المسئولين عن الكرة بمرآة الحقيقة فيكشف امتداد القصور الزمنى إلى مرحلة خطيرة وهى تحديد الخطر وسرعة معالجته، إذ نجد الإصابات المتكررة عند لاعبى الدورى المحلى دون الاهتمام بمعالجة شاملة لأوجه القصور البدني، ومن ثم تعاود الإصابة نفسها فى المكان نفسه، كما لو كان الزمن يعود ليحكى من جديد الحدث الماضى على المشكلة ذاتها، فى الوقت الذى أدرك فيه «مو» وبسرعة نقطة ضعفه وما حدث معه فى مباراة ريال مدريد فى نهائى دورى أبطال أوروبا، والتحام «راموس» العنيف معه وما حدث لكتفه، وتطورات ذلك المنعكسة على أدائه فى كأس العالم آنذاك، أدرك محمد صلاح وقرر بوعى زمنى ألا يتكرر هذا الأمر، فعمل على رفع كفاءة ذاته لخلق قوة عند الالتحام والاستحواذ على الكرة فى ظل ضغط الخصم،بما يكفل له التصرف على نحو مسيطر، وبذلك يمكن القول إن صلاح ليس النجم المصرى فى مصاف ليفربول وحسب لكنه النجم بمفهوم العالمية وقوانينها، نجم عالمى فى سلوكه وحديثه وأسلوبه، حتى السؤال الذى وجه إليه ذات مرة فيما يشبه المصيدة «عن الخمر» جاءت إجابته لبقة وإنسانية بمعناها الإنسانى الواسع، إنه لا يحبها، وبالتالى لا يشربها، كما يمكن أن يعلنها أى إنسان يحمل معتقدًا معينًا ومختلفًا.
الرغبة فى التطور هى كلمة «السر» فى حياة صلاح، وهى تحتاج لسرعة استجابة وهى تتطلب سرعة فى إدراك التغيرات والتطورات، عند هذه الحقيقة ينتهى كتاب «عالم مو» ليبدأ بالقراء والمجتمع حالة من إدراك متطلبات التفرد والنجاح وتحقيق الإضافة والمنافسة وفق رؤية فلسفية تحلل بعمق مشكلات ربما لا تقتصر على الجانب الكروى لكن يمكن تطبيقها فى جميع مجالات الحياة.
..و د. ياسر: حاولت أن أقدم «مو» كروشتة لتطوير الذات
على أرصفة المكتبات سألنا وبحثنا فى الفلسفة الكاملة د. ياسر قنصوة: دكتور ياسر ما الفكرة الأساسية التى أردت أن توصلها من الكتاب؟
>> الفكرة الأساسية كانت أن نقدم روشتة لكيف يكون الإنسان مميزا ومضيفا لمجتمعه كيف يتعامل الإنسان ليتفهم المحيط به، وعندما يفهم يستطيع أن يحقق الإنجاز فى كل شيء، أى أن الفكرة الأساسية هى تقديم طريقة لضمان تفوق الفرد، وأسلوب لحل مشكلات المجتمع، وذلك بالاستناد إلى منطلق أساسى هو أن الفلسفة داخلة فى كل مجالات الحياة نحلل من خلالها لنصل إلى فهم كامل.
> كيف قدمت ذلك فى الكتاب؟
>> من خلال ثلاثة تصورات، الأول حول هذه الرياضة فى حد ذاتها التى ترتبط بحياة الناس جميعًا حتى يظل اتصالهم معها قبل المبارة وأثناءها وبعدها، ومن لا يعشقها يتابع أخبارها ويعرف عنها، استطيع القول إن الرياضة اتخذناها مدخلا للوصول إلى هذه الفكرة المستهدفة، ثم ينقلنا هذا، التصور الثانى الأكثر تخصيصا وهو شخصية البطل التى تتصل مع جميع الأفكار وقد كان محمد صلاح، النموذج المثالى للفكرة التى نريدها،هو ليس مجرد لاعب بل حالة متكاملة، من الإرادة المحددة والإصرار على تحقيق الهدف وتطوير الذات بما يتلاءم مع ذلك، وفى مجال الرياضة صلاح معبر عن خلق كرة القدم فى أصلها، وهو ما نستهدفه فى الطرح، عندما تكون رياضة بهذا الحجم من الجماهيرية لابد من تقديم تحليل كامل لما ينبغى أن تكون عليه، والأهم من التحليل أن نقدم مثالا حيا.
هذه التجربة التى قدمها صلاح يمكن أن تعمم على سائر المجالات فهى وصفة سار عليها من الإتقان والتدريب والعمل على ذاته، لذا قدمنا رؤية لما وراء صلاح كحالة حتى يسهل على القارئ الذى لديه استعداد، أن يطبقها أيا كان عمله فيصبح لدينا صلاح فى كل تخصص.
> الكتاب استهدف تشخيص مشكلات كرة القدم وحلها، فما السمة العامة للحلول وما النتائج لو طبقت؟
>> طبيعة البيئة الرياضية تعانى من مشكلات بالطبع، لكن بالعودة لما تحدثنا فيه حول الفكرة الرئيسية وهى أن لكل شئ فلسفته، حتى نحل المشكلة فمن المهم أن ندرس بيئتها، لكن من يدرس الآن يحلل الأرقام والبيانات، هذا مهم لكن كحلٍ وقتى أما ما يضمن التفوق الآن وعلى المدى البعيد فهو يرتبط بتحليل الفكرة وفلسفتها، وهذا أمر ضرورى فى رياضة ترتبط بالروح الإنسانية فى ممارستها ومشاهدتها، وعندما يتحقق هذا نضمن حل مشكلات كثيرة.
أيضاً التخلص من الأزمات على أساس الحلول الجذرية سيؤدى بالضرورة إلى رفع نتائج الجانب المادى من الرياضة باعتبارها صناعة تدر دخلا كبيرا، إلى جانب الفائدة المعنوية وما تحمله من تأثيرات على الفرد فى التخلص من مشكلات داخلية كثيرة وكذلك على المجتمع بتقديم نماذج صحية لابنائه يصلح الاقتداء بهم ويساعد فى الابتعاد عن كل خطورة.
والكتاب يسعى لتناول منظور اللاعب والمحلل والمتلقى مع لفت نظرهم جميعا أن الكرة أكبر من المباريات والأهداف والأسماء والفوز والهزيمة فهى حياة كاملة.
> رغم أهمية الكتاب وما قدمه لكن يثير الاندهاش ابتعاده عن سياق باقى المؤلفات مثل «محنة الإسلام السياسي» و «الليبرالية إشكالية المفهوم» الحاصل على جائزة الدولة 2003، فما وراء هذا الاختلاف؟
>> مع هذا الاختلاف فى المجالات لكن الفائدة واحدة والهدف ذاته، نحن نستهدف حماية المجتمع وبناء الوعى وصناعة الفكر، جربت فى ذلك الكتابة الفلسفية الرصينة الموجهة للقارئ العادي، ورغم أهمية ما يقدم وما حظت به الكتب من جوائز لكن ظل عدد القراء محدودا فما كان على إلا أن استدعى الأصل الفلسفى القائم على ارتباط الفلسفة بحياة الناس وما يجرى فيها.
والحقيقة هذا ما يجب أن يحدث فسقراط لم يكن فى برج عاجي، بل كان يتحاور مع الناس ويستمع لمشكلاتهم مما ساعده على وضع حلول لها، ونزل كذلك من البرج الرصين للفلسفة إلى مشكلة أساسية للمجتمع والفرد، كى نمنع استغلال أى ممن يحملون مخططات تدميرية ضد ذلك.
> الملاحظ كذلك اختلاف طريقة العرض عن المعتاد إلى درجة أنى أراه «حكيا» فى كثير من المواقع؟
>> بالفعل أنت لاحظت فى الكتاب الجانب الروائى فى سرديته، فهناك أبطال فرعيون يتفاعلون إلى جوار البطل الرئيسى وأدوار ثانوية تحمل معانى وكأن حواراً يدور بين هؤلاء جميعا مع «سقراط» و»نيتشة» كى نحقق إثارة عقلية تصل للمعانى المستهدفة، هذا مع استحضار شخصيات مألوفة للجميع مثل «كابتن مليم» و»ماهر» بطل فيلم «الحريف».
ثم نستعرض مع هذا تجارب فنية من وراء النص مثل تحليل رؤى المخرج محمد خان، الأمر كله لتحقيق ذات الهدف لدى القارئ وأن يعرف فن الحياة وصناعة السعادة وتحقيق النجاح غير المسبوق.
وهذا هو ما ينبغى أن يقدم وليس أن نستهدف تقديم مصطلحات معقدة أو أفكار بعيدة عن الواقع أو لا صلة لها بالناس، لابد أن تكون الأفكار متصلة دائما بالإنسان وتحدياته وبما يفيده.
> كم استغرق الكتاب للوصول لهذا؟
>> استغرقت ثلاث سنوات، فقد عملت عليه كالمنمنمات أو مثل الأرابيسك ننهى كل جزئية بشكل منفرد ثم نحاول تجميعهما معا، مستغرباً من وقت استقراء التجارب السينمائية للوصول منها لمعانٍ يمكن توظيفها فى سياق العرض والطرح لتصل بالمعنى المستهدف إلى من يطالع، أنت هنا تقارن بطلاً فى رواية خيالية بإنسان واقعى وتخرج من هذه المقارنة بأوجه تلاقٍ ونقاط اختلاف.
> هل تسعى إلى تكرار التجربة؟
>> هذا الكتاب اعتبره خطوة ضمن مشروع شامل للهدف ذاته باستخدام العلم نحو تحليل تطبيقى لمختلف الملفات، هذه المرة كان العمل على الرياضة اتوقع أن يكون الكتاب القادم فى المجال السينمائى أو الفنى بصورة عامة ثم يليه كتاب عن المرأة، وبهذا نكون قد حققنا حدثا تنويريا ولفتا عميقا للانتباه نضمن به حلولا بعيدة المدي، وسينعكس ذلك فى تجربة أجريها قريبا جدا مع روائى وقاص ماهر، أقوم أنا بتحليل الفلسفة فى أحدث مجموعة قصصية له ويقوم هو بتحليل النمط الروائى فى كتاب «عالم مو» من خلال ندوة نقاشية بما يضمن الوصول بنا لذات الأهداف الأساسية.
وهذا هو ما أستهدفه بشكل كبير ولا أعتبر ذلك تجديدا بقدر ما هو إعادة لدور الفلسفة وأهميتها وما ينبغى أن تكون عليه.