ما هذا العالم الجديد الذى يتشكل أمامنا فوق كوكب الأرض؟ هل العالم يبدأ من جديد؟ هل تبدأ الإنسانية عصراً جديداً فى هذا العالم المختلف حقاً!! وهل الماضى قد تحول فعلاً إلى تاريخ من المستحيل أن يعود؟!
اللقاء العاصف بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والرئيس الأوكرانى زيلينسكى.. أنهى عصراً.. وبدأ عصراً جديداً تماماً.
فقد امتدت عواصف هذا اللقاء من المكتب البيضاوى فى البيت الأبيض فى واشنطن.. إلى عواصم أوروبا الكبرى فى لندن وباريس وبرلين.. وسرعان ما قالت صحيفة «لوموند الفرنسية» إن اللعبة فى أوكرانيا حالياً تتعلق بمصيرها.. واحتمالات بقائها كدولة ذات سيادة.
لكن اللعبة فى أوروبا تتعلق بمستقبل القارة العجوز.. وكيف يمكنها الوقوف وحدها فى المواجهة مع روسيا الاتحادية بقيادة بوتين.
وذكرت لوموند الفرنسية أن أوروبا عاشت طويلاً تحت مظلة الوجود العسكرى الأمريكى فى ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا.. وهى مظلة حماية حقيقية.. وجعلتنا نقول ونتصور دائماً أن أمريكا هى فى الواقع قوة أوروبية.. وسرعان ما نشرت لوموند العناوين الساخنة لقرار الرئيس ترامب بوقف هجمات السايبر الإلكترونية الأمريكية ضد روسيا.
ذهول فى باريس
أكدت لوموند أن قرار ترامب الجديد يكشف مدى التقارب بين موسكو وواشنطن حالياً.. إنه نوع من التقارب لم يسبق له مثيل، هل العالم يبدأ من جديد.. أم أنه توجد علاقات تحالف بين أمريكا بقيادة ترامب وروسيا بقيادة بوتين تلوح فى آفاق السياسة العالمية؟!
وهل يؤدى التقارب الأمريكي- الروسى إلى تباعد فى علاقات الصداقة بلا حدود بين الصين وروسيا؟!
أكدت صحيفة لوفيجارو الفرنسية أيضاً أن الأسئلة التى تتردد على كل لسان فى أوروبا.. أصبحت مثل الزلازل المدمرة تهز الأرض بعنف تحت أقدام صناع القرار فى مختلف عواصم أوروبا.
الصحف الفرنسية أكدت فى ذهول أن طرد زيلينسكى من البيت الأبيض حقق للرئيس الروسى بوتين أعظم انتصاراته وأعظم نجاحاته السياسية فى الحرب.. بدون أن يطلق صاروخاً واحداً.. وبدون أن ينطق بكلمة واحدة.. وهذا النجاح والانتصار أهداه إليه ترامب من داخل البيت الأبيض.. هذا التحول خطير فى الدبلوماسية الأمريكية، واشنطن تتفاوض مع موسكو مباشرة لإنهاء الحرب فى أوكرانيا بالشروط التى يفرضها الرئيس الروسى بوتين.
التوافق فى الرؤية بين بوتين وترامب يؤكد حدوث انقلاب هائل فى التحالفات.. الآن كل مخاوف أوروبا تحققت وأصبحت كابوساً مظلماً.. أوروبا تعيش فى قلب الظلام.. كما كانوا يقولون قديماً.
نهاية العصر
الفجوة بين أوروبا والولايات المتحدة أصبحت واسعة جداً.. أكثر اتساعاً من تيار المحيط الأطلنطى الشمالى الذى يفصل بين أمريكا الشمالية والقارة البيضاء.. أوروبا.
ذكر آلان فراشون رئيس تحرير لوموند الفرنسية ان تصريحات ترامب حول أوكرانيا تؤكد حدوث تراجع تام فى مواقف أمريكا.. ودعمها لأوكرانيا.. تصريحات ترامب تؤكد أننا فى نهاية عصر.. ونهاية الاستراتيجية الخاصة بعائلة حلف الناتو عبر المحيط الأطلنطى.
ومن برلين كتب الألمانى وولفاجانج واتشينجر. إن اللقاء الكارثى بين ترامب وزيلينسكى وضع أوروبا أمام لحظة الحقيقة السوداء.. وهى أن حلف الناتو بين أمريكا ودول أوروبا يواجه الخطر العظيم.. فهل يمكن إنقاذ الناتو من مصير يبدو محتوماً!!
فقد تعرضت أوكرانيا لزلزال سياسى عاصف واهتزت أوروبا كلها تحت زلزال كلمات وتصريحات ترامب بعد لقاء زيلينسكى.
البعض يتحدثون فى لندن وباريس فعلاً عن نهاية حلف الناتو.. وحتى نهاية الغرب.. الأمريكي- الأوروبى وقادة أوروبا يشعرون بالخوف والرعب تجاه نوايا الولايات المتحدة.. ويتساءلون هل تنوى أمريكا تقويض بقاء أوكرانيا على المدى البعيد باعتبارها دولة مستقلة ذات سيادة؟ وهل حقاً أن الحرب فى أوكرانيا يمكن أن تشعل حرباً نووية لا يريدها ترامب.. ولا يريدها أحد؟!
جغرافيا السلام
المفكر الاستراتيجى الأمريكى هالى براندز يؤكد أن ما يقوله وما يفعله حالياً الرئيس الأمريكى ترامب.. هو خيانة للنظام الليبرالى العالمى.. فقد تمكن ترامب سريعاً جداً من تغيير وجه النظام السياسى داخل الولايات المتحدة.. ومن الواضح أن ترامب خلال فترة رئاسته الثانية سوف يقوم بإعادة تشكيل النظام العالمى فوق كوكب الأرض.. بأساليب لا تقل عمقاً كما حدث داخل أمريكا منذ فوز ترامب بالرئاسة حتى اليوم.
وفى النهاية قد يكون العالم فى عصر ترامب شديد الظلام وهذا يقودنا إلى واحد من أهم أسرار قوة الولايات المتحدة الأمريكية.. وهو الواقع الجغرافى لأمريكا.. فى قارة أمريكا الشمالية.
يقول مايكل بيزيللو: إن أمريكا عبارة عن قوة عالمية تقع داخل قلعة طبيعية فى شمالى نصف الكرة الغربى تحت حماية المحيطين الأطلنطى والهادى وأمريكا تعيش فيما يطلق عليه خبراء الاستراتيجية داخل «جغرافيا السلام».. أبعد من أن يصل إليها عدو ومن الأعداء القادمين من العالم القديم فى جزيرة العالم الكبرى.. وهى آسيا وأوروبا وأفريقيا.
فى مقابل ذلك تبقى أوروبا والشرق الأوسط فى قلب جغرافيا الحرب.. والصراعات العالمية الكبرى التى تمتد لتشمل الصراع الاستراتيجى الهائل فى هذا القرن بين أمريكا والصين.
بين المحيطين
يقول مايكل بيزيللو: أن أمريكا عليها الاعتماد على وجودها داخل «قلعة السلام» وفى موقع «جغرافيا السلام».. والأمن الذى يوفره لها وجودها بين المحيطين الهادى والأطلنطى أن تتخد القرار بالانسحاب.. والتخلى عن دورها القيادى فى قارة يوروآسيا أو جزيرة العالم الكبرى.
ويمكنها أن تستعرض قوتها فى أى مكان حول العالم.. لحماية مصالحها الاقتصادية والسياسية من قريب.. عبر قواعدها العسكرية حول العالم.. أو من بعيد كما تريد.. لأنها تستعد لبناء حواجز الحماية التكنولوجية والعسكرية حول أراضيها.. بالقوة الجوية والبحرية للولايات المتحدة وما تأتى به التكنولوجيا الجديدة من أسلحة وصواريخ جديدة وطائرات من أجيال جديدة بدون طيار أو يقودها طيارون.. ولهذا تتردد حالياً أفكار ونظريات تؤكد أن أمريكا تستعد للانسحاب من أوروبا والشرق الأوسط.. لأن ترامب ليست لديه حلول للأزمات والصراعات التاريخية فى أوروبا والشرق الأوسط.. أمريكا تريد التفرغ للصراع الاستراتيجى مع الصين.. ليس فقط حول تايوان.. لكن أيضاً الصراع على التفوق والثراء الاقتصادى والتكنولوجى.
يكفى لأمريكا أن تعتمد على أساطيلها وقواعدها العسكرية فى الشرق الأوسط وفى أوروبا.. وحتى استراليا.. ومن أجل توفير الحماية للمضايق الاستراتيجية.. فى البحار شبه المغلقة.. مثل البحرين المتوسط والأحمر.. بدءاً من مضيق جبل طارق وحتى البسفور.. ومضيق باب المندب جنوبى البحر الأحمر.. وما يربط بين هذه المضايق من ممرات بحرية.
صناعة الموقف
أمام هذا العالم الجديد الذى يتشكل أمام عيوننا جاء انعقاد القمة العربية للزعماء والقادة العرب بالقاهرة.. وهى فى الواقع «قمة الموقف» أو «صناعة الموقف».
يأتى انعقاد القمة العربية فى توقيت مهم للغاية ترتفع فيه أصوات قوية، واشنطن ترحب بالخطة التى أعدتها مصر لإعادة البناء والتعمير فى غزة بدون تهجير.. وترحيل لأبناء الشعب الفلسطينى من أراضيهم داخل قطاع غزة.
أكد مارك روبيو وزير الخارجية الأمريكى أن واشنطن ترحب بأى خطة عربية لإعادة الإعمار فى قطاع غزة.. تقدم البديل العربى لخطة ترامب.. التى يرفضها العرب بالإجماع باعتبارها نوعاً من أنواع جرائم التطهير العرقى وجرائم الحرب الإسرائيلية.
وقد رحب دينس روس الدبلوماسى الأمريكى السابق وخبير الشرق الأوسط بالخطة المصرية.. باعتبارها البديل العملى الحقيقى لخطة ترامب.. وطالب فقط بضرورة توفير الدعم المالى العربى للخطة.. وطالب فقط بالاستعداد فقط لتوفير نوعية من المساكن السابقة التجهيز لسرعة إنجاز عملية البناء والإعمار فى غزة.. بدون وجود لحماس على الأرض وقد تعهدت حماس فعلاً بأنه لن يكون لها دور فى المستقبل داخل غزة.
ولا شك فى أن وجود الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس المجلس الأوروبى فى اجتماعات قمة الزعماء العرب.. يؤكد مدى قدرة العالم العربى بقيادة مصر على قيادة العمل العربى الموحد من أجل حماية مصالح الأمن القومى العربى.. وقضية فلسطين مركزية بالنسبة للأمن القومى العربى.
قوة الجيش المصرى
يأتى ذلك فى توقيت مازال صهاينة تل أبيب يؤكدون شعور إسرائيل بالقلق المتزايد من قوة الجيش المصرى وما يمتلكه من أسلحة حديثة بكميات كبيرة.. رغم أن مصر لا تتعرض لأى تهديدات خارجية.. ويقول أفيجور ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيلى السابق إن الرئيس عبدالفتاح السيسى يحرص دائماً على تزويد القوات المسلحة المصرية بأحدث الطائرات والدبابات وطائرات الهليكوبتر المضادة للمدرعات.. وهذه النوعية من الأسلحة تفوق حاجة مصر لمواجهة خطر الإرهاب.
صهاينة البيع والشراء
ويبدو أن صهاينة تل أبيب يتصورون أن كل شىء قابل للبيع والشراء. مثلما قام صهاينة المشروع الصهيونى فى إسرائيل ببيع أنفسهم لصالح المشروع الاستعمارى البريطانى فى نهاية الحرب العالمية الأولى.. ثم قاموا بعملية البيع للمرة الثانية.. لكن هذه المرة لصالح المشروع الامبريالى الأمريكى بعد الحرب العالمية الثانية.
ومازالت أطماع إسرائيل فى سيناء وفى أرض سيناء واضحة ليس فقط على لسان ليبرمان الروسى الأصل.. بل أيضاً حتى على لسان يائير لابيد زعيم المعارضة الإسرائيلى الذى ذهب لواشنطن وطالب بتقديم إغراءات مالية كبرى من أمريكا لمصر مقابل القبول بخطة ترامب للتهجير.
وقد رددرئيس الأركان الإسرائيلى الجنرال هاليفى قبل أن يغادر منصبه هذه الأيام أن قوة الجيش المصرى مثيرة للقلق ولابد أن تتحسب لها إسرائيل من الآن.. حتى لا تتعرض لأى موقف مفاجئ.
لكن إسرائيل توغلت داخل أرض لبنان وسوريا وغزة وفى الضفة الغربية حيث فرض الجيش الإسرائيلى سيطرته على مناطق واسعة من أراضى الضفة وقرب وداخل المدن والقرى الفلسطينية.. وقام بتهجير سكان قرى بكاملها ومخيمات فى طولكرم وجنين.
امتلاك قوة الردع
الأسوأ من كل ذلك أن إسرائيل حصلت على ضوء أخضر من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للتوغل بعيداً فى عمق الأراضى السورية.. من الجولان إلى مرتفعات جبل الشيخ.. وداخل وادى الزبدانى.
وهنا ندرك مدى أهمية احتفاظ مصر بقيادة الرئيس السيسى بقواتها المسلحة قوية وقادرة على الردع وحماية السلام.. وحماية الأرض والحدود.. والوجود لمصر.. فى هذا العام الذى يكاد يتحول إلى غابة مسلحة.. مليئة بوحوش العدوان الإمبريالية وعملاء الامبريالية فى تل أبيب.. وفى النهاية لم يتغير واقع إسرائيل باعتبارها واقعاً عسكرياً.. وليس حقيقة سياسية.. كما تدعى دولة الحرب والاحتلال والتوسع والاستيطان فى إسرائيل.