جسد البيان الختامى للقمة العربية الطارئة التى أنهت أعمالها مساء أول أمس الثلاثاء بالقاهرة برئاسة مصر إرادة سياسية عربية موحدة حول تبنى مشروع الخطة المصرية الشاملة لمنع تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وإعادة إعمار قطاع غزة على ثلاث مراحل فى وجود أهلها، وخارطة طريق لتمكين السلطة الفلسطينية من بسط سيادتها على كافة الأرض الفلسطينية المحتلة فى غزة والضفة الغربية، تبدأ بلجنة مدنية «غير فصائلية» لإدارة القطاع لمدة مؤقتة قدرت بستة شهور، وضرورة ايجاد أفق سياسى يفضى إلى تطبيق حل الدولتين وإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي.
هذا بالتأكيد يمثل تطوراً ملحوظاً فى قمة لم تتخلف دولة واحدة من الدول الاثنتين والعشرين الأعضاء بالجامعة العربية عن حضورها ليكتمل لمشروع الخطة المصرية نصاب الإجماع.
ليس هذا فقط، فقد شهدت قمة القاهرة قادة المنظمات العالمية والقارية والإقليمية ذات الصلة.. السكرتير العام للأمم المتحدة.. رئيس الاتحاد الأفريقي.. رئيس الاتحاد الأوروبي.. ومنظمة التعاون الإسلامى ومجلس التعاون لدول الخليج العربي، وكانت كلماتهم جميعا تصب فى نفس اتجاه الإرادة السياسية العربية وتتعهد بتقديم الدعم المطلوب لخطتها.
القضية الفلسطينية قضية وجود وقضية صراع إرادات أيضا.
وهى كذلك ليس بالنسبة للشعب الفلسطينى وحده، بل للأمة العربية كلها.
إن المشروع فى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة على سبيل المثال، والذى أجمعت القمة على رفضه والتصدى له، لا يستهدف الشعب الفلسطينى وحده، بل هو مجرد خطوة فى اتجاه إعادة رسم خريطة الأمة العربية الجغرافية والديموجرافية بما يخدم مصالح وأمن الطرف الآخر.
ولأنها قضية وجود، وقضية صراع إرادات لا يكسبها من يكتفى بإثبات حقه التاريخى فى الأرض وفى الوجود عليها، وفى تقرير المصير وغير ذلك، حتى ولو توافق وضعه مع كل المواثيق والعهود الدولية، بل من يمتلك القوة الشاملة القادرة على ترجمة الحق إلى واقع على الأرض وتحصينه ضد من يحاول العصف به.
من هنا فإن تجسيد إرادة سياسية عربية موحدة حول الخطة المصرية، يمثل خطوة على الطريق الصحيح، لكنها خطوة على طريق الألف ميل.
إنها طلقة البداية لصراع جديد طويل وجهد هائل من كل من أجمعوا على هذه الخطة وصولا إلى اقناع الطرف الآخر بها.
«السلام خيار إستراتيجي» مثلا.. مبدأ أجمع العرب عليه منذ أطلقه الرئيس الراحل أنور السادات واختاره طريقاً لمصر.. المبادرة العربية أجمع عليها العرب منذ طرحها العاهل السعودى الراحل الملك عبدالله.. ومازال المبدأ والمبادرة مطروحين على المائدة ويواجهان الرفض الإسرائيلى المدعوم بالقوة الأمريكية السياسية والعسكرية، التى لا تدعم سلاماً فى المنطقة إلا إذا كان على مقاس إسرائيل، وبشروطها.
هذا عن الماضى القريب.. فماذا عن الحاضر؟!
هناك اجماع عربي، بل ودولى على رفض تهجير الفلسطينيين، بينما تواصل إسرائيل عدوانها على الضفة الغربية ومدنها ومخيماتها وتمارس تهجير الفلسطينيين إلى الداخل وإغرائهم بالنزوح إلى الخارج، بل وتهجير بعضهم قسراً كما تفعل مع الأسرى الفلسطينيين الذين تفرج عنهم إفراجاً مشروطاً بالنفى من الوطن.
هناك إجماع عربي، بل وتأييد دولى لخطة إعادة إعمار غزة.. لكن كيف سنتوصل إلى تفعيلها بمراحلها الثلاث التى تستغرق عدة سنوات وأعلنت إسرائيل رفضها لها فور صدور البيان الختامى للقمة مساء الثلاثاء الماضي، بينما نحن نتعثر فى مجرد إلزام إسرائيل بما اتفقت عليه ووقعته وهو اتفاق وقف إطلاق النار الذى انقلبت عليه مع انتهاء مرحلته الأولى فقط، وأيدها الرئيس الأمريكى الذى تمثل بلاده أحد الوسطاء الثلاثة الضامنين لهذا الاتفاق مع ان ثبات وقف اطلاق النار هو المدخل الوحيد لنفاذ خطة الإعمار العربية لغزة.
إن كل من شارك فى هذه القمة من قادة وزعماء وممثلى الدول العربية لم تنته مسئوليتهم عن القضية الفلسطينية والعربية بمجرد توقيعهم على بيانها الختامى وعودتهم بسلامة الله إلى بلادهم، بل إن مسئوليتهم الحقيقية قد بدأت للتو.
إن كل بند من بنود البيان الختامي، يحتاج إلى تفصيل وإلى إجابات واضحة عن أسئلة عديدة كامنة بين سطوره وإلى التفكير فى بدائل لمواجهة أى موقف محتمل، ثم إلى جهد عملى على امتداد الساحة الدولية لحشد أكبر تأييد عالمى له.
مصر بكل قدراتها أنجزت مشروع الخطة، وبكل قدراتها ستعمل على دفعه إلى النور بعد أن أصبح إرادة سياسية- عربية، ولو فعلت ذلك كل الدول العربية التى أجمعت عليه فربما قادنا ذلك إلى توازن القوى فى صراع الوجود والإرادات.