انطلقت الأسبوع الماضى فى العاصمة البحرينية المنامة، أعمال القمة العربية 33 فى خضم مشهد معقد فى المنطقة، تخيم عليه أحداث فلسطين ،لذا فإن هذه القمة قد جاءت ضمن ظروف استثنائية، فمشروع جدول الأعمال تضمن بنوداً رئيسية تتناول مختلف القضايا المتعلقة بالعمل العربى فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والأمنية.ولكن الشق الثقافى يحتل نحو10٪ من الملفات المطروحة على القادة العرب، وهذا الملف تضمنته قمة جدة السابقة، حيث ركزت على موضوع المحافظة على الثقافة العربية الأصيلة،وتكريس إعتزازنا بقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا الراسخة، ونعلم يقينا إدراك القادة العرب أهمية المحافظة على الهوية العربية، وأن يدرج كبند رئيسى ضمن بنود القمة، لمجابهة الغزو الثقافى والتحديات التى تواجه عاداتنا وتقاليدنا، كما أن المحافظة على الهوية العربية لا تقتصر فقط على القادة العرب، وإنما يقع على عاتق الشعوب لمواجهة الغزو الثقافى الذى ينخر فى الجسد العربي.فالغزو الثقافى كان هو البداية الواسعة لدخول الدولة الصهيونية إلى أرض العرب «فلسطين» عبر جمعية صهيونية فى بازل بسويسرا عام ٨٩٨١، مهدت الأرض عبر آلة الاستعمار الغربى خاصة من جانب بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية إلى تمكين هذا الغزو الفكرى والثقافى والوصول لوعد بلفور 1917، لذا فإن إعطاء هذا الملف أهميته التى يستحقها من جانب القادة العرب من صميم تحقيق الأمن القومى العربى ، ووأد المشروع الصهيونى التوسعى ، ولهذا فإننا نرى أن الغزو الثقافى من أخطر التحديات التى تواجه المجتمعات العربية فى الوقت الراهن، وهو أكثر خطورة من التحدى السياسى والتحدى الاقتصادي, وذلك لما له من علاقة وطيدة تنسحب على المجتمع ذاته، لذا لم نخرج بعيدا عندما أكدنا فى مقالات سابقة أن العولمة ليست مجرد سيطرة وهيمنة وتحكم بالسياسة والاقتصاد فحسب، ولكنها ابعد من ذلك، أذ انها تمتد لثقافات الشعوب، وتعمم نموذجاً من القيم، وقد أكد ذلك الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الأب بنفسه حين قال»إن القرن القادم، القرن الواحد والعشرين، سيشهد انتشار القيم الأمريكية وأنماط العيش والسلوك الأمريكي. ولذلك سعت أمريكا منذ ذلك الحين إلى الترويج لهذه النظرية وتصديرها إلى العالم العربى بهدف تقويض منظومة القيم فى المجتمع العربي. لتكون النتيجة هى القضاء على التنسيق الفكرى والعقائدى والفلسفى ومتانة التضامن الأسرى فى المجتمعات العربية.
إن الغزو الثقافى لا يقل خطورة عن الغزو العسكري، بل يمكن أن يكون أشد خطورة منه، فالمقاومة والمواجهة العسكرية يمكن أن تنجح فى طرد الاحتلال وإجباره على مراجعة خسائره ،وهى حالة تستدعى جهوداً ضخمة وعملاً متواصلاً وزمناً طويلاً لمواجهتها ومعالجة آثارها.لذا فإننا نأمل أن تكون قمة المنامة انموذجا للتعاون العربى الفعال لمواجهة هذا التحدى الاعظم .عبر نهضة تعليمية فى الدول العربية أن أفضل السبل لمواجهة تداعيات الغزو الثقافى هو التحاور مع الآخر، ورفض فكرة الإنغلاق والاستفادة من الجوانب الايجابية للعولمة الثقافية، وترك كل ماله صلة أو مساس بأخلاقيات وقيم المجتمع العربي.