أمام العرب فرصة تاريخية اليوم لإنهاء جميع الخلافات وحل مشاكلهم بأيديهم
تتوجه عيون أكثر من 400 مليون عربى من المحيط إلى الخليج صوب المنامة عاصمة البحرين التى تستضيف اليوم اجتماع القمة العربية رقم 33 والذى يأتى وأحوال الأمة لا تسر.. وكان الله فى عون القادة والزعماء الذين وضع وزراء الخارجية على مائدتهم ملفات شائكة وقضايا مشتعلة.. تأمل الشعوب ان يتمكنوا من الاتفاق على قرارات تؤدى إلى اخماد نيرانها!!
يتساءل رجل الشارع قبل الخبراء ورجال السياسة.. كيف يمكن ان يتصدى القادة لحرب الإبادة التى يشنها جيش الاحتلال الصهيونى ضد الشعب الفلسطينى وتدميره لغزة وتشريد أهلها وبدء غزو رفح.. بينما الأمة ممزقة.. فالأشقاء فى السودان يواجهون أزمة كبيرة بسبب الصراع.. واليمن السعيد ابتلى بحرب الإخوة الأعداء.. وليبيا تقسمت بين إدارتين وجيش وميليشيات.. والقوى الدولية الإقليمية تستعرض قوتها على الأراضى السورية.. والعراق يحاول الفكاك من الهيمنة الأمريكية والأطماع الإقليمية والخلاف بين الجزائر والمغرب وصل إلى قطع العلاقات.. وتونس على صفيح ساخن.. ولبنان يبحث عن رئيس.. ونزاع حدود بين جيبوتى مع جارتها أريتريا والصومال وجزر القمر يواجهان تهديدات أثيوبية وما خفى كان أعظم.. ألم نقل من البداية كان الله فى عون القادة؟!
وسط هذه الأجواء تنعقد القمة.. وعلى العرب أن يعرفوا انه لولا هذا التمزق والحروب الأهلية والخلافات العربية ما كان يمكن أن يتجرأ نتنياهو وحكومته النازية المتطرفة على الاستمرار فى دك غزة من شمالها إلى جنوبها طوال أكثر من 220 يوماً متواصلاً.. وهو فى مأمن من أى رد فعل عربى يجبره على وقف العدوان خاصة فى ظل الحماية الأمريكية التى يوفرها له الرئيس جو بايدن سواء فى المحافل الدولية باستخدام «الفيتو» أو بالدعم اللامحدود بالمال والسلاح!!
انشغلت بعض الدول العربية بما يجرى داخلها واكتفت ببيانات الشجب والإدانة ومناشدة المجتمع الدولى التدخل لوقف حرب الإبادة فى غزة.. ولم تكن هناك مواقف جادة وفعلية ومؤثرة سوى من بعض الدول وفى مقدمتها مصر.. أما باقى الدول فساهمت بتقديم المساعدات التى أحضرتها إلى العريش لتدخلها مصر عبر معبر رفح.. وهذا ما أدى إلى زيادة التعنت الإسرائيلى وزيادة وحشية جيش الاحتلال فى الاعتداء على المدنيين خاصة النساء والأطفال وقيام المستوطنين الصهاينة بتدنيس الأقصى وحرق سيارات الاسعاف والاغاثة ونهب المساعدات.. وصل الأمر إلى قيام وزير التراث «عميحاى إلياهو» بالمطالبة بضرب غزة بالقنابل النووية وهو نفس الاقتراح الذى تبناه منذ أيام السيناتور الأمريكى «ليندسى جراهام».. فإلى هذا الحد وصل التوافق الصهيونى الغربى لإبادة العرب ونحن منشغلون فى حروب أهلية داخلية؟!
الغريب.. انه بينما يتواصل العدوان على الشعب الفلسطينى وبدء اجتياح رفح الفلسطينية.. فمازالوا يتحدثون عن مصير غزة فى اليوم التالي.. وكل من هب ودب يدلى بدلوه ويضع تصوره.. سواء فى إسرائيل أو أمريكا أو الاتحاد الأوروبي.. جميعهم حددوا كيف يدار القطاع بعد انتهاء الغزو «إذا انتهي».. إلا الفلسطينيون لم يتفقوا حتى الآن على تصور مع انهم أصحاب المصلحة وهذه أرضهم.. وغزة تابعة للسلطة الفلسطينية وفقا لاتفاقية أوسلو التى أعلنوا وفاتها.. وهذا يذكرنا باتفاقية «سايكس بيكو» حينما كان المحتلون يوزعون أراضى الدول العربية بينهم فى غياب تام من العرب أصحاب المصلحة.. ويرسمون الحدود التى تضمن بث الشقاق بين الجيران حتى يظلوا فى خلافات للأبد.
أمام العرب فرصة تاريخية اليوم فى المنامة لإنهاء جميع الخلافات وحل مشاكلهم بأيديهم وعدم انتظار فرض حلول من الخارج للأزمات فى السودان واليمن وليبيا وسوريا والعراق ولبنان.. والوقوف بجانب كل دولة عربية لها مشكلة أو نزاع مع دولة جارة غير عربية.. فحل مشكلة فلسطين يبدأ من المصالحة العربية- العربية والفلسطينية- الفلسطينية.. وعندما تتوحد الكلمة يمكن استخدام أوراق القوة التى يمتكلها العرب «وهى كثيرة» للضغط على أمريكا والقوى العظمى لوقف المذابح الإسرائيلية ووضع حد للمجازر التى راح ضحيتها أكثر من 35 ألف شهيد وشهيدة!!
بالتأكيد ستؤكد القمة دعمها للشعب الفلسطينى وحقه فى تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.. وليت القادة يتفقون على انضمام كل الدول العربية إلى دعوى جنوب أفريقيا فى محكمة العدل الدولية لاتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية كما أعلنت مصر وليبيا عن انضمامهما وهذه الخطوة ستلبى طموحات الشارع العربى وتؤكد لنتنياهو وحكومته اننا صبرنا طويلا واستنفدنا كل الوسائل الممكنة لإقامة العدل والسلام ولكن ذلك لم يقابل من إسرائيل إلا بالمزيد من البطش والعدوان وسفك الدماء!!
أمام القادة العرب ملفات عديدة مهمة وصعبة.. ومازلنا نأمل فى وجود الحكماء الذين يمكنهم التوفيق بين الجميع وتحكيم العقل والمصلحة العامة.. فالمسئولية كبيرة لإنهاء الصراعات وتحقيق المصالحات وتطلعات الشعوب.. وبخلاف المسائل السياسية والأمنية فعلى الجانب الاقتصادى هناك الكثير يمكن الاتفاق عليه لتحقيق السوق العربية المشتركة والتكامل بين الدول العربية وزيادة الاستثمارات والتجارة البينية وثقافيا مطلوب الاهتمام بنشر اللغة العربية ومحو الأمية وتشجيع الإبداع فى الآداب والفنون والرياضة.. والأهم إصلاح الجامعة العربية ومؤسساتها حتى تقوم بدور أكبر فى التقريب بين الشعوب من المحيط إلى الخليج وتحقيق «الحلم العربي»!!
لم يعد اتفاق العرب على كلمة واحدة وتجاوز كل خلافاتهم البينية مجرد ترف أو خيار تفرضه الأحداث لإنهاء مشاكل ونزاعات قائمة.. ولكنه أصبح ضرورة ملحة لضمان وجود الأمة والحفاظ على كيانها وسط عالم جديد يتشكل وظروف دولية لا تعترف سوى بالتكتلات القوية.