لأننى مولع بالتاريخ عموما والبحث فى اصل الأشياء على وجه الخصوص، ففى قراءتى لآيات القرآن أو الأحاديث النبوية الكريمة أبدأ بقراءة أسباب نزول الايات او المناسبة التى رويت فيها الأحاديث، كذلك الأمثال والحكم التى نرددها فى مواقف بعينها ابحث أيضا عن المناسبة التى قيلت فيها، فمعرفة أصل الأشياء وبداياتها تمكننا من القراءة المنضبطة والسليمة للأمور، بيد ان اهتمامى الشخصى بالبدايات واصول الأشياء أثر لا شك ودون أن أدرى على مجمل سلوكياتى المهنية والشخصية، فعلى المستوى المهنى وهو الأهم لا اكتب ولا أتحدث فى ملف او موضوع معين ما لم اكن ملما إلماما كاملا بأصله وفصله.
وهذا دفعنى للقراءة بشكل عام وبقراءة التاريخ بشكل خاص، ومن يقرأ التاريخ بعناية سيكتشف أن التاريخ متغير ومتبدل وليس فيه ما هو ثابت إلا الجغرافيا، من أيضا كان الاهتمام بالخرائط الجغرافية التى تشبع العين سعادة معرفية، وعلى المستوى الشخصى ترانى لا أميل إلى ما هو عابر بل ابحث عما هو راسخ ثابت مستقر فى اصله وفرعه، هذه المقدمة التى يغلب عليها الطابع الإنسانى الشخصى هى التى أوصلتنى إلى طريقة التفكير النقدى للأمور، فأنا لا أستسيغ الأمور على عواهنها ولا أتقبل الثوابت دون معرفة كيف أصبحت ثوابت، فمن صنع تلك الأشياء وصنف هذا ثابت وهذا متغير هو بشر مثلنا يصيب ويخطئ وربما كانت ظروف هذا التصنيف او القرار او غيره كان محاطا بظروف تطلبت ذلك.
لذلك عندما نتحدث عن السير التاريخية لابد ان نقرأ اولا الشخصيات الفاعلة والظروف المحيطة حتى نستطيع الحكم على الأشياء بموضوعية وتجرد.
وعدم القيام بذلك جريمة علمية وقع فيها الكثيرون، فمن اتخذ قرار الحرب فى معركة ما، كان لديه من الدوافع والتحديات التى حتمت عليه اتخاذ قرار الحرب، والقائد الذى يرى الانسحاب من معركة ما يجب ان تقف على الظروف التى دفعته لذلك الانسحاب، وهنا لا يصح ان نحكم على من اتخذ قرار الحرب بالشجاعة وتسبغ على من اتخذ قرار الانسحاب بالخذلان، فربما يكون قرار الحرب حماقة وغرورا وسوء تقدير وربما كان قرار الانسحاب حكمة ومهارة وحسن تقدير، من هذه الزوايا اقرأ التاريخ وأستدعى حكاياته لأعيش بداخلها وأتقمص شخوصها واتصور كل الظروف المحيطة بالأحداث حتى يكون الحكم موضوعيا.
كنت أفكر فى شكل الحكومة المصرية وعدد وزاراتها وتخصص كل وزارة ومدى ارتباطها بباقى الوزارات، فذهبت إلى ما هو أبعد من مجرد التفكير السطحى العابر، فكيف نشأت فكرة الحكومة وما هى مسارات تطورها وصولا إلى شكلها الحالي، فهناك وزارات خرجت من رحم ظروف محددة مثل وزارات السد العالى والتموين والإرشاد القومي، ومثلما تم استحداث وزارات التكنولوجيا والبيئة كاستجابة للتطورات المذهلة التى يشهدها العالم، ولذلك اتساءل هل شكل وهيكل الحكومة المصرية يحتاج اعادة نظر وفقا للتطورات والمستجدات الحالية والمستقبلية؟ أم انها مثالية وتحقق كل مستهدفات الدولة ببراعة ولا نحتاج اعادة نظر؟
هل نحتاج دمج وزارات ذات طبيعة متقاربة ومتداخلة وتفكك وزارات ليس بينها رابط؟ هل نحتاج استحداث وزارات وإلغاء وزارات اخرى ؟ بيد ان هذا الموضوع لا يجب ان تقوم به الحكومة او حتى رئيسها بل ارى ان يكون هناك لجنة محايدة من الخبراء الكبار ليسوا تابعين لأى وزارة او جهة بل لجنة مجردة مستقلة تعيد رسم خريطة الجهاز الإدارى للدولة وشكل الحكومة الذى يحقق مستهدفات الدولة والمجتمع، لتقليل عدد الوزارات يؤدى إلى التناغم بين عدد قليل من الوزراء مقارنة بأعداد الوزراء الحاليين، فوجود حقيبة للاقتصاد على سبيل المثال تضم بين جنباتها كل ما يخص الاقتصاد والاستثمار والتعاون الدولى سيمكن صانع السياسة الاقتصادية من الادارة الكلية الشاملة المتناغمة.
كذلك منظومة بناء الفكر والوعى والقوة الناعمة تحتاج وزارة تضم الثقافة والإعلام والوعى القومي، وهنا اتساءل عن الحكمة فى وجود هيئة اقتصادية ضخمة مهيئة الأوقاف فى وزارة دعوية فى المقام الأول هى وزارة الأوقاف؟ وما الحكمة من وجود الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية ضمن وزارة البترول ؟ اعتقد ان هذا الامور جميعها تحتاج إعادة نظر.