الفلاح المصرى دائما أصيل .. تجرى الشهامة والجدعنة فى دمه .. كنا نقوم بمشروع لتمكين الفتيات فى قرى محافظة بنى سويف .. وكان الأمر يستلزم وجود مكان من أجل عقد جلسات للحوار مع مجموعات للفتيات .. مكان آمن يطمأن اليه الأهالى لوجود فتياتهم فيه .. وتسابق كبراء القوم هناك فى إستضافتهم لهذه الندوات فى مضيفتهم الملحقة بمنازلهم .. طوعا دون مقابل .. بل كانوا يقومون بواجب الضيافة للحاضرين أيضا .
المضيفة فى القرى هى أحد الموارد المجتمعية التى قليلا ما نقوم باستغلالها والاستفادة منها وتوظيفها فى أنشطة التنمية المجتمعية .. مثلها مثل مراكز الشباب والمدارس .. إمكانات متاحة من الممكن أن نستخدمها فى أنشطة كثيرة تسعى الى الإرتقاء بخصائص ومهارات وقدرات الأطفال والمراهقين .. خاصة إذا تطرقنا الى مبادرة «بداية» الحالية .. المدارس تغلق أبوابها طوال فترة الصيف .. رغم وجود إمكانات يمكن أن يتم إستغلالها من أجل القيام بأنشطة كثيرة .. أتذكر أثناء طفولتى أننا كنا نذهب الى مدارس الراهبات فى حلوان أيام أجازة يوم الأحد والأجازات الصيفية للعب واللهو والمشاركة فى ألعاب وأنشطة جماعية .. وكنا ننتظر هذه الأيام بشوق كبير ونسعد كثيرا بالمشاركة فيها ..
والمساجد هى أيضا من أحد الموارد التى لا نحسن الاستفادة منها .. بل لانقوم باستغلالها لما أنشأت من أجله .. عندما اشترى الرسول عليه السلام قطعة الأرض من الفتى سهلا وأخوه سهيلا ليبنى عليه أول مسجد فى الإسلام فى المدينة المنورة .. كان ما يهدف اليه ليس لمجرد إقامة الصلوات فيه بل لأن يكون المسجد دارا لتجمع المسلمين ولقاء الرسول عليه السلام .. ودراسة أمور الدين وتعلمها .. والحوار حول أمور الإسلام والمسلمين. وكانت المساجد مأوى للمسافرين .. وفيه ترسل الرسائل وتستلم من الأئمة ورؤساء الدول .. وأيضا برلمانا لبحث شئون القبائل والعباد .. المسجد كان مركزا لإعلاء كلمة الله ورسالته ومعهدا لنشر العلم والمعرفة وأمور الدنيا والدين كما كان مقرا لإدارة شئون المسلمين.
نرى الأطفال والفتيان يأتون للمساجد لأداء صلاة الجمعة فقط .. وغالبا لانراهم بعد ذلك .. إلا القليل منهم فى شهر رمضان أو قبل الإمتحانات .. أراهم وكأنهم يأتون لتنفيذ الأوامر فقط .. ويجلسون وكأن خطبة الجمعة لاتعنيهم فى شيء .. ولهم الحق كل الحق .. موضوع الخطبة لايهمهم ولا يخصهم .. وكلماتها من الصعب فهمه فهو لايخاطبهم .. وليست موجه اليهم .. مالهم بالخروج الى «الخلاء» ومالهم بالجن وظلمات القبر ورفع الإصبع عند قراءة الشهادة .. وتنتهى الصلاة وينتهى الأمر .. لاسمعنا ولافهمنا ولاتعلمنا .. فلقد فعلوا ما كان عليهم أن يفعلوه .. خرجوا من المسجد كما دخلوه .. ثم أغلق المسجد بالأقفال .. ولاعجب اننا لانرى الكثير من هؤلاء الصغار يأتون الى المسجد عند وصولهم الى سن المراهقة .. حين لا تفيد الأوامر ..
المساجد هى من الأماكن التى أغفلنا كثيرا عن توظيفها فى خدمة المجتمع وفى الارتقاء بصفات أولادنا وبناتنا وشبابنا .. بينما نرى المساجد فى المجتمعات التى يشكل المسلمون فيها أقلة مجتمعية وهى بمثابة مركزا مشجعا لتجمع الصغار والشباب للتعارف وللمرح واللقاء ومزاولة الأنشطة التى تخدم المجتمع والمعاونة فى المناسبات والأعياد وزيادة المعرفة واكتساب المهارات وصقل المواهب .. تجدهم يتسابقون للتوجه الى المساجد فى أوقات فراغهم .. والإنخراط فى الأنشطة التطوعية التى تخدم مجتمعهم .. وتنمى من شخصيتهم وقدراتهم .. ونجد تزايدا لاينقطع فى التعلق بالمساجد مع التقدم فى العمر .. والنتيجة شباب مسلم متحضر ومتفوق إكتسب الثقة فى نفسه ولديه المهارات والكفاءة التى تؤهله للتميز فى الدراسة والعمل ..
ياليتنا نعود الى الفهم الصحيح لدور المسجد فى خدمة المجتمع بأكمله .. وياليتنا نجعله جاذبا لأولادنا وبناتنا ليس فقط من أجل العبادة ولكن أيضا للترويح والتعلم والعمل الجماعى والمشاركة المجتمعية وإكتساب المهارات الحياتية .. وهذا هو السبيل الأجدى لجعل «قلبهم معلقا بالمساجد»