فى وسط القاهرة وفى أجمل موقع بها يقبع قصر عابدين والذى يمكن وصفه بأنه جوهرة المتاحف الملكية لما يضم بين جدرانه من مقتنيات نادرة ولتصميمه الفريد الذى قام به المهندس الفرنسى دى كوريل روسو والاسرار والحكايات والأحداث التى دارت داخله وسجلها التاريخ المصري.. وهو أول مقر للحكم يسكنه الحاكم بجوار الشعب حيث اختار الخديو إسماعيل قصر عابدين بك الذى كان يعيش فيه، اشتراه من زوجته بعد وفاته وأمر بهدمه وإقامة قصر له مكانه إلا انه احتفظ باسمه وقام بشراء الأراضى المحيطة به لتوسعته لتبلغ مساحته 24 فداناً.. وكان نزول الخديو إسماعيل من قلعة محمد على مقر الحكم إلى قصر عابدين بين الشعب هو من أهم وأعظم الإنجازات فى ذلك العصر حيث اعتبرت مصر الدولة الأولى التى ينزل فيها الحاكم من القلاع والحصون إلى حيث يعيش الشعب.. وقد بلغت تكلفة تصميمه 40 ألف دولار، وجمع التصميم العديد من الفنون حول الجدران والديكورات الإيطالية والتركية والفرنسية وزينت قاعاته بمجموعة من اللوحات النادرة وقطع الاثاث المطلية بالذهب حيث وصلت تكاليف تأسيسه إلى 120 ألف دولار وهو رقم ضخم فى ذلك الوقت.. وعند بناء القصر كانت أرضه الواسعة تضم جبانات تحتضن رفات المصريين فتم نقلها خارج القصر إلا ضريح سيدى بدران، ولهذا الضريح قصة يعرفها الذين عملوا فى بناء قصر عابدين فكلما حاولوا هدمه أصيب العمال وتعرضوا لإصابات خطيرة فأمر الخديو بالاحتفاظ بالضريح وإدخاله ضمن تصميمات القصر، كما أعاد الملك فؤاد بعد ذلك تجديد الضريح بزخارف نباتية ملونة وكتابات قرآنية مشابهة للموجودة فى مسجد الفتح الموجود فى القصر بجوار باب باريس.. وهذه البوابة هى أشهر أبواب القصر حيث تضم مدخل الزوار وهى بوابة تظهر فيها دقة التفاصيل من نقوش وزخارف فريدة أمر الخديو بصنعها خصيصاً للقصر فى العاصمة الفرنسية باريس ومن هنا جاء اسم البوابة العتيقة وبمجرد المرور من بوابة باريس تظهر نافورة مياه محاطة بتماثيل لأبناء محمد على باشا.
يعتبر هذا القصر أحد التحف المعمارية فى تاريخ القاهرة حيث كان مقراً لحكم الأسرة الملكية فى مصر من عام 1872 حتى عام 1952 فقد سكنه لاحقاً ابنه الخديو محمد توفيق ثم الخديو عباس حلمى الثانى ثم السلطان حسين كامل ثم الملك فؤاد.. وقد شهد قصر عابدين العديد من المناسبات الملكية حيث عزل فيه الخديو إسماعيل كما أقيم فيه حفل زفاف ولى عهد إيران شاه إيران على الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق.. وعن التصميم الداخلى للقصر يكفى ان نعلم انه يضم 500 غرفة ويتكون من طابقين الأول يضم الحرملك والسلاملك بينما يحتوى الدور الأرضى على حديقة القصر وصيدلية للأدوية النادرة ودار الطباعة الملكية ومكتب الملك فاروق.. ويضم القصر عدة قاعات وأجنحة حيث تعد قاعة محمد على هى أكبر وأفخم قاعة على الإطلاق، بينما توجد قاعات أخرى مثل البيضاء والحمراء والخضراء والتى كانت تستخدم لاستقبال الوفود الرسمية خلال زيارتهم لمصر.. أما الجناح البلجيكى فيعتبر جزءاً رائعاً من قصر عابدين لطرازه المعمارى والزخرفى الفريد وقد أقام فيه ملك بلجيكا وكان هو أول ضيوف هذا القصر لذلك سمى باسمه.. ويحتوى القصر ٥ قاعات كبرى للاحتفالات تتضمن كل منها 100 قطعة من روائع الفن العالمي، ويفوح كل ركن من أركان القصر أريج الإبداع بلوحات فنية ممهورة بتوقيع فنانيين فرنسيين سواء لمشاهد حربية أو للأزياء العسكرية المصرية عبر العصور، بالإضافة لمجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية للأسرة المالكة وصورة الزفاف الملكى للملك فاروق.. كما يحتوى القصر على قاعات وصالونات ومسرح يضم مئات الكراسى المذهبة، وقد شيد القصر بأبواب حديدية عملاقة وأسوار من الفولاذ تحيطها حدائق بديعة تحتضن أشجاراً ونباتات نادرة احضرها الخديو من دول أوروبية.. وقد سعى الملك فؤاد الأول لتنفيذ فكرة المتاحف داخل القصر وحرص على تخصيص عدد من قاعات القصر لها لتصبح متاحف تتضمن مقتنيات الأسرة من أسلحة وذخائر وأوسمة ونياشين ووثائق يتباهى بها أمام ملوك العالم.. وقد ورث الملك فاروق ولع والده باقتناء التحف وأضاف للمتاحف الكثير من المقتنيات الخاصة به والتى جمعها من مزادات أوروبا حيث يعود معظمها للقرن الثامن عشر.. وتتضمن المتاحف أيضاً متحفاً للفضيات والكريستالات النادرة والسلاح ومتحف الوثائق التاريخية والدروع والمدافع والسيوف والخناجر ومن بينها سيف روميل ومسدس موسوليني.. ومن ضمن المتاحف ذلك الذى أطلق عليه متحف السلام وخصص لعرض الهدايا الملكية والميداليات وكان الرئيس مبارك قد أمر بإضافته للقصر عام 2005، أما مكتبة القصر فتضم أكثر من ٥٥ ألف كتاب جميعها يصنف بأنه من النوع النادر وبأكثر من لغة فى مجالات شتي.. وهكذا تظل مصر وسط العالم صاحبة أعرق القصور والمتاحف والتاريخ.