من الواضح أن المشهد السياسى داخل اسرائيل يسير من سييء الي اسوأ، فمن قرار المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية بتوجيه اتهام الى نتنياهو وعدد من القادة الإسرائيليين بتهم الإبادة والتجويع وتهجير الشعب الفلسطينى، الى تسارع وتيرة الانتقادات والتظاهرات فى الداخل الاسرائيلي، استطلعت «الجمهورية الأسبوعى» اراء عدد من الخبراء الاستراتيجيين والسفراء لتحليل ورصد تطورات المشهد داخل اسرائيل.
أكد الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن قرار المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية هو قرار جيد للغاية ويؤكد على وجود نوع من العدالة الدولية، ولكنه يحتاج إلى آليات لتنفيذه، كما سيعوق نتنياهو عن التحرك كثيرا خاصة للدول الموقعة على لوائح تسليم الشخصيات الصادر ضدهم قرارات مثل هذه.
وقال فهمي: «إن قرارات المحكمة الجنائية الدولية لن تثنى إسرائيل على أن تمضى قدما نحو هدفها من الحرب وتوسيع عملياتها فى رفح الفلسطينية، فى محاولة للوصول للأسرى الإسرائيليين وقادة حماس التى تبحث عنهم إسرائيل فى الأنفاق، وبالطبع الموقف الأمريكى متواطئ مع كل ما تفعله قوات الاحتلال على الأرض».
وأضاف: «اسرائيل ستعود للمفاوضات مرة أخرى ولكن سيكون ذلك بعد استكمال أهدافها فى رفح الفلسطينية سواء بالقضاء على قادة حماس أو الوصول للمحتجزين الإسرائيليين، ولكن ستكون هناك مشكلة كبيرة إن لم يتوصل الاحتلال لهذه الأهداف وبالتالى سيتغير كل شيء وستتجه إسرائيل لوضع خطة لما نسميه اليوم التالى للحرب».
وتابع: «اليوم التالى للحرب مرتبط بإشكاليات عديدة منها الحكم السياسى والإدارة وغيرها من التفاصيل، وبالتالى ستعود إسرائيل للمفاوضات مرة أخرى ولن يجدوا أفضل من مصر كوسيط حقيقى وفعال لحل هذه الأزمة، حيث أظهرت التحركات السياسية المصرية دورها القوى فى الوساطة فى كل أوقات الأزمة».
وفى نفس السياق قال السفير أحمد القويسني، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن قرار المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو ووزير دفاعه وقادة آخرين فى إسرائيل هو قرار تاريخي، مشيرا إلى أنه جاء نتيجة للزخم السياسى والإعلامى الذى حدث مؤخرا فى الولايات المتحدة والدول الغربية.
وأضاف القويسني: «ما قامت به إسرائيل بعد السابع من أكتوبر من مجازر غير مسبوقة، وتهجير وتجويع للشعب الفلسطينى من أرضه وحرمانه من ممارسة أبسط حقوقه فى الحياة، كان لابد وأن يراه العالم بصورته الحقيقية وهو ما حدث لأول مرة فى تاريخ الصراع العربى – الإسرائيلي، مما أدى لتضامن شريحة كبيرة من شباب دول العالم كله مع القضية الفلسطينية».
وتابع: «أرى أن مايحدث الآن من زخم أوروبى وفى الولايات المتحدة الأمريكية تضامنا مع القضيةالفلسطينية، ودعما لحقوق الشعب الفلسطيني، سيؤثر بشكل كبير على الأجيال القادمة فى أوروبا وأمريكا والعالم كله برصد الصورة الحقيقية لما يحدث فى فلسطين، وبالتالى سيفرز جيلا جديدا من السياسيين الذين يعرفون جيدا بل ويؤيدون أن يحصل الفلسطينيون على حقوقهم كاملة».
وعن استمرار الاحتلال الإسرائيلى فى عملياته العسكرية حذر السفير محمد القويسني، من خطورة الوضع فى رفح الفلسطينية مع استمرار أعمال الإبادةالإسرائيلية التى لم تتوقف، مؤكدا أن هذا الوضع المؤسف لابد أن يتم إيجاد حل له بالتوقف الفورى والانخراط فى عمليات التهدئة والهدنة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ومن جانبه أكد الدكتور محمد مجاهد الزيات، مستشار المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن طلب الجنائية الدولية الذى صدر مؤخرا ساوى بين قادة الحرب فى إسرائيل وقادةحماس وهو أمر تدخل فيه نوع من التوازنات السياسية ولا تمثل ما حدث على أرض الواقع.
وقال الزيات: «توجيه التهمة لنتنياهو ولقادةإسرائيل بإحداث إبادة جماعية للشعب الفلسطيني، وعمليات تجويع للسكان فى غزة، يصطدم بالتدخلات والضغوط المكثفة التى تمارسها أمريكا والدول الأوروبية على المحكمة وهو ما أثر بشكل كبير على صدور قرار به كثير من التوازن بين طرفى الصراع».
وأضاف: «سبق للمحكمة الجنائية الدوليةتوجيه الاتهامات لعدد من الشخصيات ولم تنفذ، منهم الرئيس البشير فى السودان ولم يعاقب والرئيس الروسى بوتين مؤخرا، صحيح أن قرارات المحكمة تسرى على الدول الموقعة على اتفاقياتها ولكنها ليس لديها السلطة لإرغام تلك الدول على تنفيذها».
وتابع: «القضية الآن ليست فى تطبيق هذاالقرار من عدمه بتوقيف او القبض على نتنياهو خلال تحركاته فيما بعد، ولكن الأمر الإيجابى هو إصدار قرار من محكمة دولية مثل هذا ضد قادة إسرائيل الذين ارتكبوا مجازر بحق الشعب الفلسطينى ولكنه للأسف سيكون مصيره مثل القرارات الدولية السابقة التى أدانت إسرائيل ولكن لم ينفذ أيا منها».
وعن التهدئة أشار الزيات إلى أنه على الرغم من استمرار إسرائيل فى خطة التوسيع للعملية العسكرية فى رفح، إلا أن الاحتلال الإسرائيلى لا يجد ضاغطاً حقيقياً يجعله يتخلى على الاستمرار فى العملية العسكرية فى رفح، خاصة وأن نتنياهو يرى أن العمل العسكرى هو وحده ما سيحدث النتائج المرجوة من هذه الحرب.