- المستثمرون يتخبطون بين البيع العشوائي والعودة للشراء مع بوادر التهدئة
- تعزيز التبادل التجاري بين مصر وشركائها.. ميزة تنافسية تتيح إعادة التصدير بفاعلية
فى مشهد مرتبك واضطراب عالمى، تتحرك الأسواق العالمية ما بين التراجع الحاد والصعود المفاجئ، فبعد ما حققته من خسائر فادحة مع أول يوم لتطبيق قرارات الإدارة الأمريكية الخاصة بالتعريفات الجمركية، تحولت تعاملات المستثمرين نحو الشراء لتعود مؤشرات الأسهم والبورصات إلى المنطقة الخضراء، بعد موجة حادة من الخسائر.
وشهدت الأسواق الآسيوية خلال تعاملات يوم الثلاثاء عمليات شراء واسعة، لتسجل الأسهم اليابانية ارتفاعا ملحوظا بنسبة 5%, كذلك عادت مؤشرات الصين للارتفاع مع توعد الصين باتخاذ إجراءات إضافية ضد أمريكا، واستعادت الأسواق الأوربية قوتها، وكذلك صعدت أسواق الخليج والدول العربية، وصعدت مؤشرات البورصة المصرية وسجل الثلاثيني ارتفاعا بنسبة 75.% وحقق الذهب مكاسب ملحوظة ليسجل ارتفاعا بمقدار ٠.٦٦% كذلك ارتفعت العملات المشفرة وتحديدا عملة البيتكوين لتصل إلى نحو 79 ألف دولار.
وأوضح خبراء الاقتصاد أن الإجراءات الحمائية التى اتخذتها الولايات المتحدة لحماية اقتصادها، أثرت بشكلٍ مباشر على الأسواق العالمية، و أحدثت حالة من الاضطراب، ليندفع المستثمرون لاتخاذ قرارات بيع غير مدروسة خوفا من تبعات التباطؤ والركود الاقتصادى، مشيرين إلى أنه الأسواق بدأت فى التعافى وامتصاص الصدمة، فى ظل توعد الصين بالرد على امريكا باتخاذ قرارات اضافية، كذلك إعلان الاتحاد الأوروبى للسعى نحو اتفاقية “صفر مقابل صفر” لتجنب الحرب التجارية فتحولت تعاملات المستثمرين نحو الشراء فى حالة من التفاؤل والنشاط.
وأضافوا أن فى وقت الأزمات يبحث المستثمرون عن الأمان وضخ أموالهم فى القطاعات المستقرة، لافتين إلى أن الذهب من الأصول الحقيقية والتى مازالت تتمتع بجاذبية كبيرة، عكس العملات المشفرة والتى تعد من الأصول عالية المخاطر والمعرضة لتهديدات تقنية، فى حالة تصعيد الخلاف بين الصين وامريكا.

أكد الدكتور محمد راشد أستاذ الاقتصاد أن السياسات التجارية التى تتبعها الإدارة الأمريكية لها تأثير مباشر فى تشكيل اتجاهات المستثمرين نحو الأسواق المالية, موضحا أن اعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية تقدر ب 10% على الدول المصدرة للسوق الامريكى، بجانب رسوم إضافية تتراوح ما بين 30 و41% على واردات الصين واليابان ودول الاتحاد الأوربى، يشعل حربا تجارية عالمية، تدفع المستمرين نحو البحث عن البدائل الآمنة والتخارج من الأسواق التى تشهد اضطرابات.
وأشار إلى أن الأخبار الجيدة تحرك مشاعر ومعنويات المستثمرين نحو التفاؤل والإقبال على عمليات شراء واسعة فى سوق الأسهم، الأمر الذى أعاد مؤشرات الأسهم فى كافة الأسواق نحو الصعود بعد إعلان الصين عن نيتها فى الرد على امريكا، وسعى الاتحاد الأوروبى للتوصل لاتفاقية بشأن التعريفات وهي اتفاقية ” صفر مقابل صفر” لتجنب الحرب التجارية مع أمريكا.
وأوضح أن سوق العملات الرقمية استجاب لضغوط التعريفات الجمركية والتى أثرت سلبا على حجم التداول، باعتبارها من الأصول عالية المخاطر ولا ترتقي بنفس درجة الٱمان الذى يتمتع به الذهب، مشيرا إلى أن أسهم الشركات المرتبطة بالعملات الرقمية تراجعت بنحو ٧% فى أول رد فعل على التعريفات الجمركية، وعادت للصعود مرة أخرى بعد إعلان الرئيس الأمريكى عن نيته فى التراجع المحتمل عن قراراته. وأشار إلى أن مخاطر الاستثمار فى العملات المشفرة مازالت أكبر بكثير من وعود الدعم لها، موضحا ان سوق تلك العملات يتصف التقلبات الحادة ويعتمد أكثر على المضاربات، عكس الذهب الذى يتصف بانه أصل حقيقى.

من جانبه أكد الدكتور حسن الشقطى عميد كلية التجارة جامعة أسوان، أن الحرب التجارية التى فرضتها الولايات المتحدة، تقود الاقتصاد العالمى لمشهد متخبط ومضطرب يصعب فيه تحديد الرابح والخاسر، فى ظل تصارع الاقتصادات الكبرى, والتى ستؤثر بكل تأكيد على كافة دول العالم، ولكن درجات متفاوته، مؤكدا أن الفرص قائمة أمام الاقتصادات الناشئة ومنها الاقتصاد المصرى، خاصة وأنه حظى بأدنى نسبة رسوم جمركية مفروضة من الولايات المتحدة، بجانب ما يتمتع به مقومات المرونة والتنوع، والموقع الاستراتيجى.
وأوضح أنه من الطبيعى مع دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ، أن تستجيب كل القطاعات الاقتصادية والأسواق المالية المختلفة لأثر الصدمة، وتتحرك قرارات واتجاهات المستثمرين بطريقة عشوائية نحو البيع والحصول على السيولة النقدية، الأمر الذى يدفع كافة الأسواق للتراجع، موضحا أن اسواق الأسهم منيت بخسائر فادحة، ولم تنجو السلع والمواد الخام والمعادن النفيسة بما فيها الذهب من التراجع، وحتى سوق العملات المشفرة.
وأكد الشقطى أن قرارات المستثمرين حاليا غير رشيدة لأنها قرارات انفعالية تأتى كرد فعل للصدمة، ولا يمكن أن نعول عليها فى تحديد اى من القطاعات الأكثر جذبا للاستثمارات، موضحا أن الأصول عالية المخاطر كالعملات المشفرة معرضه لهزات عنيفة ولا يمكن اعتبارها افضل بديل للاستثمار خاصة فى ظل تصاعد التهديد ما بين أمريكا والصين وما يمكن أن يقود لحرب تجارية من نوع آخر متعلق بالتعدين والعملات المشفرة.
وتابع أن الذهب مازال هو أكثر الأصول الآمنة للاستثمار، متوقعا له موجه صعود بعد التراجعات التى شهدها مؤخرا كاستجابة فورية لتفعيل قرارات الرسوم الجمركية. وأكد أن الاستثمار المباشر المعتمد على الإنتاج والسلع هو افضل وسائل الاستثمار، كذلك الاستثمار فى أسهم الشركات الانتاجية على المدى المتوسط يدعم النمو، و أوصى يتوخى الحذر من العملات المشفرة مع ضرورة تنوع المحافظ الاستثمارية لتقليل المخاطر.

قال محمد عبد الهادي محلل أسواق المال، إن القرارات الأخيرة الخاصة بالتعريفات الجمركية التي أقرتها الولايات المتحدة عقب تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سيكون لها انعكاسات سلبية على الاقتصاد العالمي، موضحا أن أول هذه التأثيرات يتمثل في ارتفاع معدلات التضخم عالميًا، نتيجة الزيادة المتوقعة في أسعار السلع، خاصة تلك التي ستُفرض عليها تعريفات جمركية إضافية عند دخولها السوق الأمريكي. ويأتي ذلك في وقت حساس، حيث يحاول الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي التوجه نحو خفض أسعار الفائدة بعد تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، مما يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي العالمي.
وأشار عبد الهادي إلى أن الفرصة الحقيقية تكمن في أن الأنظار تتجه حاليا للأسواق الناشئة، ومنها الاقتصاد المصرى وبالتالى لابد من استقطاب الاستثمارات الأجنبية، خاصة من الدول التي طالتها الرسوم الجمركية الأمريكية، إذ قد تتجه هذه الشركات إلى نقل مصانعها واستثماراتها إلى دول أخرى مثل مصر.
يرى عبد الهادي ضرورة أن تتحرك الدولة بسرعة لتنظيم مؤتمر دولي يروج لمصر كمركز استثماري عالمي، مستغلين موقعها الجغرافي واتفاقياتها التجارية، بما يعزز قدرتها على جذب الاستثمارات العالمية.
وحول تأثير هذه التطورات على البورصة المصرية، أكد عبد الهادي أن السوق المصري، كجزء من المنظومة المالية العالمية، يتأثر ويتفاعل مع التغيرات الخارجية، لا سيما أن هناك شركات مصرية مدرجة في بورصات عالمية وتشكل وزنًا نسبيًا في مؤشرات كبرى. ومع تراجع المؤشرات العالمية، وتزايد حالة القلق لدى المستثمرين المحليين، فمن المتوقع أن تشهد البورصة المصرية انخفاضات مؤقتة في مؤشراتها.
وأشار إلى أنه في ظل هذه الأوضاع، قد يتجه بعض المستثمرين إلى ملاذات آمنة مثل الذهب، كخيار بديل لحماية رؤوس أموالهم. ومع ذلك، يرى عبد الهادي أن المستثمر طويل الأجل هو الرابح الأكبر في هذه المرحلة، حيث إن تحول دفة الاستثمار إلى الدول الناشئة في المستقبل قد يجعل قطاعات البورصة المصرية من بين المستفيدين الرئيسيين من هذه الأزمة العالمية.
واختتم حديثه بالتأكيد على أهمية وضع خطة لاستغلال هذه التحولات الاقتصادية العالمية، بحيث لا تكون مصر مجرد متلقٍ للأزمات، بل تتحول إلى محور جذب استثماري حيوي في المنطقة.

قال سمير رؤوف محلل أسواق المال، إن تطبيق التعريفة الجمركية بنسبة 10% على لاصادرات المصرية للسوق الأمريكي والتي جاءت مع حزمة قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سيكون له تأثير مباشر على عدد من القطاعات، أبرزها الأسهم المرتبطة بالمعادن وقطاع المنسوجات، والتي ستتأثر بشكل فوري وملحوظ، إلى جانب بعض التأثير غير المباشر على قطاعات أخرى مثل البتروكيماويات، وذلك وفقًا لطبيعة الاتفاقيات التجارية المعلنة.
وأوضح رؤوف أن الأسواق المال والبورصة شديدة الحساسية التى من القرارات والمعلومات، لافتا إلى أنه بمجرد الإعلان عن احتمالية التراجع عن قرارات الرسوم الجمركية التى فرضتها الإدارة الأمريكية تحرك كافة الأسواق والأسهم نحو المنطقة الخضراء لتعوض ما فقدته على مدار يومين، متوقعا أن التوصل لاتفاق بهذا الشأن سيحقق نوعا من الاستقرار فى الأسواق.
وأضاف: “سنتابع تطورات أداء السوق الأمريكي خلال الأيام المقبلة، فإذا استمر في التراجع، قد يمتد الأثر السلبي، أما في حال استقراره، فمن المرجح أن يبدأ السوق المصري في استعادة السيولة تدريجيًا، مما يعزز أداء القطاعات المختلفة”.
وأشار إلى أن الفترة القادمة، وحتى أعياد شم النسيم، قد تشهد موجة تذبذب مرتفعة، إلا أن المؤشرات العامة تُشير إلى إمكانية تحقيق قمم سعرية جديدة في السوق المصري على المدى المتوسط، مع بقاء الرؤية غير واضحة بشأن تأثير التعريفة الجمركية بشكل نهائي.
ولفت رؤوف إلى أن أبرز القطاعات المتأثرة ستكون المنسوجات والمواد الخام، نظرًا لاعتمادها الكبير على التصدير ومدخلات الإنتاج المستوردة، مما سينعكس على هوامش الأرباح للشركات العاملة بها. لكنه يرى أن هذه الأزمة يمكن أن تتحول إلى فرصة، قائلًا لو بدأت الدولة في تفعيل شراكات تصنيع حقيقية مع دول مثل الاتحاد الأوروبي والصين، وسمحت للمستثمرين بتصنيع منتجاتهم في مصر بهدف إعادة تصديرها للأسواق العالمية، وخاصة السوق الأمريكي، فستكون مصر حلقة وصل اقتصادية قوية وتستفيد من ميزة تنافسية في الأسعار مقارنة بالصين.
وأكد أن هذه الخطوة من شأنها تشغيل العمالة المحلية وزيادة حجم الصادرات، بشرط توفير عدد من الإجراءات الداعمة مثل تخفيض الضرائب وتخصيص الأراضي الصناعية بسرعة، لضمان الاستفادة القصوى من هذه التغيرات.
وشدد على أن الأثر الإيجابي الحقيقي لهذه التحولات قد لا يظهر على المدى القصير، لكن على المدى الطويل ستسهم بشكل كبير في تطوير قطاعات صناعية متنوعة، وزيادة حجم الأعمال بين مصر وشركائها التجاريين، ما سينعكس تدريجيًا على مؤشرات السوق ويعزز من جاذبيته الاستثمارية.