أعظم ما يمتلكه الإنسان هو القدرة على قراءة ما يجرى على أرض الواقع.. بل وامتلاك الرؤية الاستباقية قبل وقوع الأحداث أو التحديات والتهديدات.. وأعظم ما يميز مصر استشرافها للمستقبل واطلاعها على ما يدور فى أذهان الآخرين.. لذلك تأتى تحركاتها وعلاقاتها فى قلب الهدف تغلق المنافذ والأبواب فى وجه تحركات مريبة ومشبوهة تستهدف أمنها القومى أو وجود نوايا وأنشطة والتفاف من أجل تركيعها وارجاعها عن مواقفها التى تشكل حائط صد وسداً منيعاً ضد مخططات قوى الشر.
الحقيقة ان الدبلوماسية الرئاسية تتجلى وتتألق وتحقق نتائج وضربات وخطوات استباقية تتعلق بالمشهد الإقليمى وما يدور من صراعات بين جنباته وفى دهاليز المنطقة من قبل تحالف الشر.. التحركات والأنشطة والجهود التى تقودها الدبلوماسية الرئاسية فى هذا التوقيت الدقيق تحتاج قراءة عميقة من قبل المحللين.. فطبيعة الحال هناك كثير من التحديات والتهديدات والمخططات التى تستهدف الدولة المصرية من كل حدب وصوب بل أراها تحديات وتهديدات وجودية وهذا كل ما يتحدث عنه الخبراء والمتخصصون والكتاب والمعلقون عما يحاك لمصر لكن تظهر فى أحيان كثيرة عبقرية التحرك المصرى على جبهات عدة تؤدى إلى قوة موقفها فى مواجهة التهديدات وتشكيل تحالفات إقليمية ودولية ترفض وبقوة مخططات قوى الشر التى تتسبب فى اشعال المنطقة والعالم وأيضاً الممرات المائية والبحرية وصناعة أزمات وصراعات.. العالم فى غنى عنها ومحاولات لإعادة صياغة المنطقة لصالح أهداف ومخططات قوى الشر ودعم نفوذ النظام العالمى القائم والقديم على حساب المتطلعين لنظام عالمى جديد بتشكيل يتسم بتعددية الأقطاب ويقضى على الازدواجية والظلم ويرسخ مبادئ الاحترام والقانون الدولى وحتى يعم السلام ويتفرغ العالم للبناء والنماء وتلبية احتياجات وآمال البشر.
لا شك ان مصر تتعرض لأخطر مؤامرة فى تاريخها.. والجميع يعرف حجم التهديدات والأزمات التى تواجه الأمة المصرية من حدود مشتعلة فى جميع الاتجاهات الإستراتيجية إلى مخططات تستهدف أراضيها وأمنها القومى وأطماع تهدد المنطقة.. وأيضاً تداعيات الأزمات الدولية والإقليمية خاصة على الصعيد الاقتصادى وموارد الدخل القومى ومحاولات توتير وعسكرة البحر الأحمر.. ثم حملات أكاذيب وشائعات تحاول تزييف الوعى والتحريض والتحريك من أجل التدمير وهناك أيضاً محاولات للابتزاز والبلطجة.. عدم الرد عليها بمثابة صفعة قوية على وجه أصحابها لأنهم تعكس ان العالم بالنسبة لهم بات أشبه بالعزبة والغابة.. لكن كل ذلك مجرد أضغاث أحلام وتخاريف وضغوط وممارسة سياسة قديمة وفاشلة هى سياسة حافة الهاوية لم تفلح مع مصر فى أخطر القضايا والتحديات وأدارت مصر لها ظهرها بثقة لا تبالى مساومات رخيصة فالفيصل فى الميدان وعلى أرض الواقع دون صخب أو ضجيج أو حتى عناء الرد على مثل هذه الترهات التى أشعلت على مدار الفترة الأخيرة العالم بالأزمات.
مصر وان كانت تفتح قلبها وعقلها للجميع فى إطار الاحترام المتبادل والندية والتوازن وعدم التدخل سواء فى الشئون الداخلية أو القرار الوطنى ولا تغلق أبوابها فى وجه أحد ولا تبدأ بمعاداة أحد.. لكن هناك من يظهر انه صديق وشريك إستراتيجى لكنه ينحاز بشكل أعمى لمشروعات صهيونية وتتوالى المطالبات والمساومات والابتزاز الذى من شأنه أن يضر بالأمن القومي.. لذلك فإن مصر فى هذه الحالة لديها من الأوراق الكثيرة والبدائل المتعددة تبحث عن مصالحها وتحقيق أهداف كافة الأطراف طالما أنها لا تمس السيادة أو الأمن القومي.. ومن يتابع نشاط وتحركات الدبلوماسية الرئاسية المصرية فى هندسة العلاقات الدولية والإقليمية يقف احتراماً وتقديراً فنحن أقرب إلى معركة شرسة فى «الشطرنج» السياسى والدبلوماسى والأمنى والإستراتيجى تتحرك مصر على رقعته بدهاء وحكمة وعبقرية تؤلم وتوجع الخصوم وتبعث برسائل قوية.. فإذا بدأنا بالتحالف المصري- الصومالي- الاريترى وتوقيع الشراكة بين الأطراف الثلاثة يعكس تحركا فى منتهى الذكاء.. ثم تأتى زيارة الرئيس السيسى لجيبوتى كأول رئيس مصرى يزوها ليكتمل عقد العلاقات الإستراتيجية بين مصر وثلاثية الصومال وجيبوتى وأريتريا.. وما لهم من أهمية قصوى فى أمن البحر الأحمر وباب المندب هذا على الصعيد السياسى والإستراتيجى ناهيك عن الصعيد الاقتصادى والاستفادة من تجربة مصر الملهمة فى هذه الدول.. ثم جاءت زيارة الفريق أول الركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السودانى لمصر وما تمثله من أهمية فى هذا التوقيت وفى ظل الأوضاع فى السودان الشقيق والنجاحات التى يحققها الجيش الوطنى وحاجة الأشقاء لإعادة الإعمار والاستفادة من القدرات والخبرات المصرية الهائلة وما قدمته مصر من دعم شامل للأشقاء خلال الأزمة الراهنة ثم التوافق فى ملفات الحفاظ على الأمن المائى والرفض القاطع للإجراءات الأحادية بحوض النيل.. مشاهد أخرى تعكس نجاح الدبلوماسية الرئاسية- نراها فى علاقات الشراكة الإستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي.. وأيضاً الزيارة ذات النجاح الكبير للرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون على كافة الأصعدة.. الثنائية والاقتصادية والعسكرية وفى القضايا المحورية ذات الاهتمام المشترك.. ثم جولة الرئيس السيسى فى الخليج وزيارته لقطر والكويت وأيضاً نجاحات كبيرة وشاملة فى العمل العربى المشترك لمواجهة التحديات وعلى الصعيد الاقتصادى ونرصد أيضا دور الدبلوماسية الرئاسية فى بناء علاقات إستراتيجية مع كافة القوى الكبرى فى إطار التوازن.. وتجسد ذلك فى تنفيذ تدريبات بحرية مشتركة مع روسيا فى البحر المتوسط وتدريبات جوية مشتركة مع الصين.. ثم استقبال الرئيس السيسى لكبار المسئولين فى العالم وهو ما يعزز المصالح المشتركة وتقارب الرؤى والمواقف ومن أبرزها الحاكم العام لكومنولث استراليا وفتح آفاق جديدة بين البلدين على كافة الأصعدة.. ولا تتوقف اتصالات الرئيس السيسى على الصعيد الدولى وأيضا فى فتح قنوات الحوار والتعاون وهو يوسع علاقات مصر الدولية وفتح أبواب التعاون المشترك.