في تقديري أن سقوط المروحية الإيرانية وعلي متنها الرئيس الإيراني ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان ومجموعة من كبار المسئولين ومصرعهم جميعا في ظروف شديدة الصعوبة والتعقيد ليست هي قمة الأزمة التي تمر بها بلاد فارس، بيد أن موت الرئيس هو بداية أزمة كبيرة ستتعرض لها الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي يحكمها نظام الملالي منذ ثورتهم في عام 1979، ودون الدخول في تفاصيل نسبق بها الأحداث الدرامية المنتظرة والمتوقعة، فإن ما يجري في ايران لا يخص فقط ايران بل سيؤثر علي المنطقة بأسرها في ظل المعطيات التالية – وجود صراع تاريخي بين النظام الحاكم في ايران ودولة الاحتلال الاسرائيلي تصاعد علي خلفية حادث قصف القنصلية الإيرانية في دمشق وما تلاه من ردود افعال من الطرفين – وجود أذرع إيرانية متجذرة في سوريا والعراق واليمن ولبنان تؤثر تلك الأذرع علي القرار السياسي في تلك الدول من خلال التوجهات والمصالح الإيرانية – هناك توتر دائم بين الولايات المتحدة وأوروبا الغربية من ناحية وبين النظام الحاكم في ايران بسبب البرنامج النووي الإيراني والتمدد الإيراني في منطقة الخليج التي تمثل موردا اساسياً للنفط والغاز المتجه إلي الدول الغربية – هناك تحالف إيراني روسي صيني بدأ يتشكل بعد اندلاع الحرب الروسية – الاوكرانية – هذه بعض المعطيات الثابتة والتي يمكن أن نقرأ من خلالها تفاعلات الأزمة الإيرانية، واليوم الصعيد الداخلي في ايران يمكن أيضًا التقاط مجموعة من الأمور يجب أن تكون حاضرة في المشهد أثناء قراءته المتأنية، – هناك جدل حول خلافة المرشد العام للثورة الإيرانية وهو اعلي سلطة في البلاد وكان الرئيس الراحل إبراهبم رئيسي أحد الأسماء المطروحة بالإضافة إلي مشتهي خامنئي نجل المرشد الحالي – دور للحرس الثوري في هذا الجدل مازال يحتاج قراءة واقعية وموثقة وليست إفادات إعلامية – هناك نقاش حول مدي تعميق أو تسطيح العلاقات الإيرانية مع الصين ولكل مسار مؤيدون ومعارضون، فالرئيس الراحل كان من أنصار عدم تسريع وتيرة الانغماس في مشروع الحزام والطريق وإفساح المجال لمزيد من المناورات مع الأمريكان والهنود في مشروعات تنموية أخري ومنافسة تكون إيران جزءا أساسيا منها – كل هذه العوامل لابد وأن تكون حاضرة، علي الجانب الآخر هناك من يشير إلي تورط اسرائيل والموساد الذي ينشط في منطقة الحدود الإيرانية الآذرية الأرمينية في استهداف طائرة الرئيس الإيراني لكن إسرائيل نفت اي صلة بينها وبين الحادث، وهناك من يلمح إلي أن الحادث يقف وراءه الحرس الثوري، لكن هذا الطرح غير وارد نظرا للوحدة العضوية العقيدية التي تجمع كل الأطياف رغم خلافاتها الظاهرة، ويبقي أن المنطق يقودنا الي ان الحادث نتيجة خلل في الطائرة وسط جغرافية ذات تضاريس صعبة وحالة الطقس المعاكسة التي شاهدناها أثناء البحث عن حطام الطائرة هو سيد الموقف ، وهنا لابد وان نشير إلي أن العقوبات الاقتصادية المفروضة علي إيران من الغرب حرمت إيران الغنية من امتلاك أسطول جوي حديث كما حرمت ايران من قطع الغيار والصيانة المطلوبة في أوقاتها، يكفي ان نعرف ان طائرة الرئيس الإيراني عمرها 45 عاماً! وكشف الحادث عن دور المسيرات واهميتها القصوي في الحروب الحديثة حيث استطاعت تركيا ان تسجل هدفا وسط الكتل الضبابية من خلال المسيرة التركية التي قيل إنها هي التي توصلت إلي مكان الحادث وقامت برسم علم تركيا المكون من الهلال والنجمة لتكون افضل تسويق للمسيرات التركية امام العالم، رغم إعلان المسئولين الإيرانيين أن المسيرات الإيرانية هي التي توصلت الي مكان الحادث مع توجيه الشكر لتركيا وروسيا وباقي الدول التي ساهمت في البحث والإنقاذ.