شهــد احتفــال وزارة الأوقــاف بليلــة القــدر تــقديم د. أســامة الأزهري وزيــــر الأوقــاف هدية إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى كتاب «الحق المبين في الرد على من تلاعب بالدين»..هذا الكتاب بمثابة مشروع علمي قام وزير الأوقاف بإصداره عام 2015 عقب ثورة 30 يونيو وما جاء بعدها من عنف ودماء وتأويلات فاسدة وتحريفات قامت بها تيارات التشدد والعنف من سماسرة الخراب الذين استباحوا حرمات الدماء والأوطان وحاولوا استثمار الدين لتحقيق أهدافهم بالكذب والادعاءات.
الجمهورية تقدم قراءة تفصيلية لكتاب «الحق المبين» الذى تم ترجمته إلى 16 لغة من اللغات واللهجات العالمية، واستفاد منه ملايين من طلاب العلم والباحثين، وحقق نسب مبيعات عالية على الجانبين الورقي والإليكتروني، فقد أثبت الكتاب أنه تجربة قوية في فضح التيارات المنحرفة بعدما جمع الشبهات التي أوردتها ثم قام بتفنيدها حتى صارت هباء منثورا، وقد نجح د.أسامة الأزهرى وزير الأوقاف في تحقيق النجاة للكثير من الشباب الذين كان يلتقيهم في المنتديات الشبابية بالجامعات والمعسكرات الثقافية ويناقشهم ويحاورهم ويسمع منهم ويحاورهم حوارا كان يمتد حتى ساعات متأخرة من الليل، وقبل أن يفارقهم كان يهديهم كتاب «الحق المبين في الرد على من تلاعب بالدين» ولأن صوت الحق مسموع لذا فإن تيارات التشدد لم تجد سبيلاً سوى مهاجمة الكتاب وصاحبه، وظنوا «وبعض الظن حقد» أنهم بالغون مقصدهم في تحطيم إرادته عن المضي في طريق إنقاذ الشباب من أنياب مناهجهم الفكرية المنحرفة، لكن خابت ظنونهم بعدما آتت ثمار وزير الأوقاف ثمارها في رَدِّ الشباب إلى وطنهم ووسطية دينهم ردا جميلا سنعرض لمحات خاطفة سريعة عن ذلك الكتاب الذى يعكس أن مصر رائدة بعلمائها في حماية وسطية الإسلام من العنف الفكري والتشدد السلوكي.
بدأ وزير الأوقاف كتابه بمقدمة شاملة تشرح الأسباب والوسائل وصولا إلى النتائج ، موضحا أن هذا مشروع علمي أزهري مؤَّصل يستند على مائدة البحث العلمي والتحليل المعرفي الدقيق وخلاصة المقولات والنظريات والأفكار التي استندت إليها تلك التيارات السياسية المنتسبة للإسلام في الثمانين عاما الماضية بهدف تحليلها وشرحها والرد عليها، قياما بواجب البيان للناس، وصيانة للقرآن الكريم أن تلتصق به الأفهام الحائرة والمفاهيم المُظلمة المغلوطة، فكان نتيجة ذلك أن ألصقت بالشرع الشريف أوهام حائرة ومقولات خطيرة واستدلالات مضطربة من ورائها أحداث صعبة ونوازل عظيمة ومعاناة وقتل، مما انتج جوا مشحونا محموما مندفعا تخلط فيه المعاناة والابتلاءات بالفكر والعلم والاستنباط، مما يرجع على صنعة العلم بالتشويش والوقوع تحت الضغوط النفسية الهائلة، وأنتج فكرا مغرقا في التشويش والاضطراب والاندفاع، حتى تصاعد الأمر في الأعوام الأخيرة على نحو فادح بعدما تسارعت حركة الاستدلال والاستدعاء لآيات القرآن في مواردها وفي غير مواردها، بل بدأت الأطروحات الفكرية التي أثمرتها الثمانون عاما الماضية تزداد تعقيدا وتتولد من المفاهيم الكلية عندهم مفاهيم جزئية وخرج ما كان كامنا من تلك الأطروحات إلى حيز بالتنفيذ والجدل وازداد أربابه بعدا عن مناهج أهل التعلم، كما أعيد اليوم بعث فكر التكفير الذى كان كامنا في كتب التيارات المتطرفة فتم تحويله إلى تنظيمات وجماعات وتطبيقات بل تولدت منه الأجيال: الثواني، والثوالث من الأفكار والتطويرات والاستدلالات مما أفضى بها إلى تيارات تقطع الرقاب، وتسفك الدماء وتروع الآمنين وتنقض العهود وتتهم دين الله وتلصق به آثامها المتحيرة وتفسيراتها الفادحة مما يمكن تسميته بظاهرة التفسير الغاضب للقرآن الكريم.
يضيف وزير الأوقاف أن تلك التطورات المتسارعة المتلاحقة استلزمت وقفة تاريخية أزهرية، يستنفر فيها الأزهر علومه ومعارفه وتاريخه وأعيانه ومناهجه وأدواته العلمية، ويضع نتاج تلك التيارات تحت المجهر، حتى يصدر فيها الرأي الفصل، وينفي عن دين الله تعالى ما ألصق به من تحريف المغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
تعرض وزير الأوقاف في كتابه لقضية تجديد الخطاب الديني مبينا أن معناه إزالة كل ما علق بهذا الشرع الشريف من مفاهيم مغلوطة، أو تأويلات منحرفة، أو استدعاء خاطئ لآيات القرآن في غير ما قصدت إليه، وإعادة إبراز مكارم الشريعة، وسمو أخلاقها، ورصانة علومها عن طريق تفعيل مناهج الاستنباط المنضبطة الرصينة، حتى يرجع جوهر هذا الدين نقيا ساطعا، يرى الناس فيه الهدي والسكينة والعلوم والمعارف والحضارة، مستدلا بقول الشيخ محمد أبو زهرة: إنما التجديد هو أن يُعاد إلى الدين رونقه، ويُزال عنه ما علق به من أوهام، ويبين للناس صافيا كجوهره، نقيا كأصله.
قال الأزهري: إن تلاحق الأفكار المنحرفة جعلنا أمام منهجين: منهج فكري مستقيم، في الأزهر الشريف، ويقابله منهج فكري سقيم ومضطرب، مفعم بالتشنج، غاضب ومندفع وعدواني، عنده حماس للإسلام دون فقه ولا بصيرة ولا أدوات للفهم، إلى غير ذلك من سماته وخصائصه الثابتة، وهو يظهر عبر الزمان على هيئة موجات متتالية، وكلما مضت عدة أجيال برزت منه موجة جديدة، بهيئة مغايرة، وتحت شعار واسم جديدين، لكنها تستصحب طريقة التفكير بعينها، وتعيد نفس المقولات والنظريات بعينها، وترتكب الأخطاء الفادحة في فهم الوحي بعينها
أشار وزير الأوقاف أن التيارات الإسلامية المتطرفة في زماننا، تأسست أطروحتها على قضية الحاكمية وتكفير الحكام والمحكومين، وقضية الجاهلية التي هي عندهم ردة وكفر، وقضية حتمية الصدام، وقضية التمكين والاستعلاء، إلى غير ذلك من القضايا، وإذا ما أرادت أن تنتسب، وتبرز عمود نسبها المعرفي، وتفصح عن سند علمي معرفي تنتمي إليه، ومدرسة فكرية تنبثق منها، لوجدنا أنها ينتهي سندها ونسبها المعرفي إلى فكر تلك الفئة التي ناظرها وناقشها ابن عباس، والتي سميت في فترة زمنية بالخوارج، وتسمى في زمننا بأسماء متعددة، وهيئات مختلفة متصارعة ، من الإخوان إلى داعش
كما تطرق د. الأزهري إلى فكرة الحاكمية باعتبارها الفكرة المحورية التي تأسست عليها بقية مفاهيم التيارات الإسلامية هي فكرة الحاكمية، باعتبارها الجذر الذي نهضت على أساسه منظومتهم الفكرية بكل مقولاتها، ومفاهيمها، وفروعها، ومنها تولدت بقية مفاهيمهم، فانبثقت منها فكرة شرك الحاكمية وتوحيد الحاكمية عند سيد قطب وأخيه محمد قطب، وتولدت من ذلك فكرة العُصْبِةِ المؤمنة، وفكرة الوعد الإلهي لهذه العصبة المؤمنة، وفكرة الجاهلية، التي هي حالة بقية المسلمين، وفكرة المفاصلة والتمايز الشعوري بين الفئتين، وفكرة الاستعلاء من العُصبة المؤمنة على الجاهلية وأهلها، وفكرة حتمية الصدام بين الفئتين عند سيد قطب لإقامة الخلافة، وفكرة التمكين، إلى آخر شجرة المفاهيم التي نتجت من قضية الحاكمية، والتي تتكون من مجموعها نظرية متكاملة داخل عقل تلك التيارات، وهي مجموعة من الأفكار، تغزو عقل المتدين، فيتحول بها من متدين إلى متطرف، ثم من متطرف إلى تكفيري ، ثم من تكفيري إلى قاتل يحمل السلاح ويسفك الدماء
قال وزير الأوقاف: عند التفتيش عن الخيط الناظم، والمنجم الفكري، الذي تولدت منه كل تلك الأطروحات المتطرفة، تبين أنه كتاب: (ظلال القرآن)، وأن ما سواه من كتب سيد قطب ككتاب: معالم في الطريق ما هي سوى مقتطفات من كتاب (الظلال)، حتى قال القرضاوي في مذكراته: (إن فكرة التكفير لمسلمي اليوم لم ينفرد بها كتاب المعالم»، بل أصلها في «الظلال» وفي كتب أخرى أهمها «العدالة الاجتماعية))، فــ ( ظلال القرآن) هو المدونة الأساسية التي ترتكز عليها، وتنبثق منها كل تلك التيارات التكفيرية، مما يحتم وضعه تحت المجهر، خاصة أن شكري مصطفى وتنظيم التكفير والهجرة انبثق من ظلال القرآن، ومحمد عبد السلام فرج وتنظيم الجهاد وكتاب: (الفريضة الغائبة ) كلهم انبثقوا من كتاب ظلال القرآن، انتهاء بتنظيم داعش
كشف الأزهري أن سيد قطب ومن سبقوه في هذا الاتجاه التكفيري قاموا ببناء توجههم على فكرةالحاكمية وهي تقوم على أساس فهم مغلوط لقول الله تعالى: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَبِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)، حيث سارع في التكفير، وتوسع فيه، بعدما جعل الحاكمية من أصول الإيمان، فزاد في أمور الاعتقاد أمرا من عنده، ثم كفر الناس بعدم وجوده عندهم، وهذا بعينه مذهب الخوارج، بينما مذهب علماء المسلمين جيلا من وراء جيل على خلاف ذلك، فهناك إلحاح من التيارات التكفيرية عبر الزمن على التأويل المنحرف لهذه الآية الكريمة.
أكد الأزهري أن سيد قطب كان مولع بنظرية الجاهلية ، ولهج بها، وكررها في كتابه: ظلال القرآن على نحو بالغ ، حتى لقد وردت كلمة الجاهلية في كتاب الظلال ألفا وسبعمائة وأربعين مرة (1740) ، كما تحولت قضية دار الكفر ودار الإسلام عند سيد قطب ومن تأثر به مثل صالح سرية، وشكري مصطفى، ومحمد عبد السلام فرج، انتهاء بتنظيم داعش إلى مفهوم مختل، وفلسفة مختلفة، معتبر العالم في نظر المسلم ينقسم إلى قسمين اثنين لا ثالث لهم ، دار الإسلام» وتشمل كل بلد تطبق فيه أحكام الإسلام، وتحكمه شريعة الإسلام، ودار الحرب، وتشمل كل بلد لا تطبق فيه أحكام الإسلام، ولا يحكم بشريعة الإسلام، وهذه الدار أرواحها وأموالها مباحة لا حرمة لها عند الإسلام، وهذا الكلام في غاية الخطورة، وتنبع منه كل تطبيقات التنظيمات التكفيرية المتطرفة، التي صارت شوكة في ظهر المسلمين، وأراقت دمائهم ، وانكفأت على أهل الإسلام فقط ، تكفرهم وتقتلهم، وكل تطبيقات تنظيم داعش، وتنظيم القاعدة، وغيرها من التنظيمات تنبع من هذا النص
تابع الأزهري موضحا أنه بعدما وقعت التيارات المتطرفة في تكفير المسلمين، بسبب قضية الحاكمية ، ثم وصفوا المسلمين بالجاهلية التي هي كفر وشرك، ثم جزموا بانقطاع هذا الدين منذ قرون، وحكموا بكفر القوانين والدساتير، انتقلوا إلى استلاب مهام الحكام وولاة الأمر، ووجهوا السهام إلى صدور المسلمين، وحصروا هدفهم في نزع مقاليد الحكم ، وإنشاء كيان سياسي بديل ، وجزموا بحتمية الصدام ، ثم سموا ذلك جهادا، مما يؤكد أننا أمام عدوان متكرر على مفاهيم الشريعة وقضاياها ، ثم إيقاعها وتنزيلها على أفكار مغلوطة عندهم ، بعد انطلاقهم من الكارثة الكبرى والتي هي تكفير المجتمع.
ثم عقد وزير الأوقاف مقارنة بين الصورة المشوهة للوطن في عقلية التيارات الإسلامية، وبين الصورة الصحيحة للوطن في الفكر الإسلامي وعقلية الأزهر الشريف، مبينا أن التيارات والجماعات الإسلامية في الثمانين عاما الماضية قامت بصناعة فكر سقيم، تحاول فيه أن تستخرج وتصنع تصورا عن عدد من المسائل والقضايا الكبيرة، رغم افتقاد تلك التيارات للأدوات الصحيحة في فهم الشرع، صنعوا فيها صورة مشوهة لقضية الوطن، حيث تتركب صورة الوطن داخل تلك العقلية من عدد من الأمور:
الوطن حفنة تراب لا قيمة لها.
حب الوطن انفعال بشري سخيف، لابد من مقاومته والبراءة منه، مثل ميل الإنسان للمعاصي.
رفض فكرة الوطن لأنها في نظرهم مقابل الخلافة أو الأمة.
الأوطان حدود جغرافية صنعها الاستعمار فلا نحبها ولا نتعامل.
الأوطان هي المساكن التي ترضونها، والتي ذمها الله.
ليس في الشرع آية ولا حديث تدل على حب الوطن.
الحديث المتعلق بحب النبي لمكة فيه خصوصية لمكة وحدها، فلا نقيس بقية الأوطان عليها
هو تصور غير إسلامي، تنضح به الجاهليات، ولا يعرفه الإسلام حيث إن الوطن في الحقيقة ليس حفنة تراب، بل هو شعب وحضارة ومؤسسات، وتاريخ، وانتصارات، وقضايا، ومكانة إقليمية ودولية، وتأثير سياسي وفكري في محيطنا العربي والإسلامي، ورجال عباقرة صنعوا تاريخ هذا الوطن في مجال العلم الشرعي، وفي التاريخ الوطني الحافل بالنضال لحماية هذا الوطن، وفي التاريخ الاقتصادي، والتاريخ العسكري، والدبلوماسي، والأدبي، والفني، وغير ذلك من المجالات التي نبغ فيها العباقرة من أبناء هذا الوطن وأن الدين نفسه حض على حب الأوطان والانتماء لها والدفاع عنها بل والتضحية فى سبيلها، فتجاهل هؤلاء المتشددون كل هذه المكونات التي تصنع مفهوم الوطن، وأصروا على فكرهم الذى يمثل عقوقا وطنيا وفهما متجزئا ومشوها، وتحقير الأمر
انتهى الأزهرى فى ختام كتابه إلى وضع عنوان اسمه «القواعد» مؤكدا أسفل العنوان أنه عند دراسة قضية من القضايا، والانطلاق إلى الوحى الشريف من الكتاب والسنة واستجلاء الهدى منهما، فلابد من إجراءات علمية:
أولها: جمع كل الآيات والأحاديث المتعلقة بالقضية، حتى يتاح لنا النظر فى القضية بصورتها الكلية الكاملة، من خلال مجموع مفرداتها ومتعلقاتها، وإلا فإن انتزاع أحد النصوص دون ما يتعلق به ويتمه ويكمله يجعل الآية التى انتزعت كأنها سمكة أخرجت من الماء.
ثانيها: حسن تركيب النصوص، وضم بعضها إلى بعض، حتى يتقدم منها ما حقه التقديم، ويؤخر ما حقه التأخير، لتيسير التوصل إلى العام والخاص، والمطلق والمقيد.
ثالثها: حسن النظر فى جهات الدلالة، ومعرفة مدلولات الألفاظ
داعيا إلى تفقد ما وقع وتكرر من مناهج الاستنباط، حتى لا تتورط فى استنباط أو معنى أو فكرة أو أطروحة، ثم إذا فتشنا عنها وجدناها بعينها قول الخوارج أو غيرهم، فلا يزيد سعيك ولا نظرك على أن يكون تكرارا لمنهج منحرف، لكنك بعثته من رقاده تحت عنوان معاصر، ولا بد لصناعة فهم صحيح، يكون أمينا على هدى القرآن وعلومه، من ثلاثة أركان عظام وهى: معرفة الوحى الشريف، ومعرفة مناهج فهمه، والإلمام بالواقع إلماما صحيحا، وإياك أن تكون ممن ادعى النص، وتمرد على المنهج، كما أن غياب المعرفة بمقاصد الشريعة، وغياب المعرفة بالسنن الإلهية، يتركان خللا كبيرا فى الفهم، ومن لم يحط بأمثال هذه العلوم فسد فهمه للنص، وفسد فهمه للواقع.
انتهى العرض البسيط لكتاب «الحق المبين فى الرد على من تلاعب بالدين» ويبقى الطرح الذى طالب به وزير الأوقاف فى بداية الكتاب بضرورة بذل الجهد فى تصحيح الأفكار وتفنيد المغالطات التى تثيرها تيارات التطرف.