فى تقديرى المتواضع وعكس الشعور العام بالتشاؤم السائد بين الكثيرين والذى يصل لدرجة شبه إجماع نتيجة تهديدات الرئيس الأمريكى المتتالية والمتصاعدة حول قضية التهجير، وكذلك تصريحاته الخشنة باستخدام القوة الاقتصادية والعسكرية إذا تطلب الأمر لتحقيق أهدافه المعلنة بطرد الفلسطينيين من أراضيهم فى غزة والضفة الغربية وبذلك تنتهى القضية الفلسطينية إلى الأبد وتكتب شهادة وفاتها وتدفن حتى دون غٌسل فى قبور بلا شواهد، الناس قلقون مما يجرى وهذا مفهوم ومتفهم، لكن ما يجب التنويه عنه ألا يتحول هذا القلق إلى خوف والخوف إلى انبطاح وانهزامية ومن ثم انخفاض الروح المعنوية للامة.
>>>
لكن المشهد بتعقيداته يحتاج قراءة مختلفة من زوايا متعددة، الزاوية الأولى هى الواقع الأليم الذى يعيشه العالم حيث الضعف الشديد الذى تعانى منه المنظمات الدولية وما يتبعه من غياب مفهوم القانون الدولى وكذلك القانون الإنسان عن مجابهة انتهاكات حقوق الدول والشعوب ومواجهة الجرائم ضد الإنسانية من تطهير عرقى أو إبادات جماعية، ومعلوم ان هذا الضعف وهذا الغياب نتيجة عدم وجود تعددية قطبية وتوازن دولى ومن ثم سيطرة دولة واحدة أو اتجاه واحد على مقدرات العالم دون وازع من ضمير أو احترام لقيم إنسانية، اما الزاوية الثانية فهى أننا فى مصر لسنا دعاة حرب أو مواجهة كما ان المغامرات العنترية ولى عهدها وزمانها من وقت طويل.
>>>
فنحن دولة سلام وجيشها لحماية حدودها ومقدراتها ومبادئها وقيمها واهمها قيم السلام والتعاون واحترام القانون الدولى وعدم القبول بالتدخل فى الشئون الداخلية لأية دولة، وهذا يقودنا إلى الزاوية الثالثة وهى ضرورة التفرقة بين المواقف المصرية الرسمية الحاسمة والصارمة والواضحة والتى تحتاج اجماعاًً شعبياً يدعمها ويساندها حتى تصل إلى العالمين وفى نفس الوقت لا تقودنا الحماسة وتسحبنا إلى منطقة نائية عن جغرافية الفكرة الأساسية، فإدارة الحماسة والجرأة والغضب تحتاج أطرا واضحة ومعلنة حتى لا نصطدم برغبات عنترية تتملك البعض بحسن نية أو حتى لغرض فى نفس يعقوب.
>>>
هذا بدوره يقودنا إلى الزاوية الرابعة وهى الحكمة البالغة التى تدير القرار السياسى المصرى فى هذه اللحظات شديدة الدقة، فحماسة الشارع يجب ان تحكمها محددات سلوكيات الشعب وليس ممارسات الجماهير، وهذا يقودنى أهم الزوايا والتى قادتنى إلى كتابة هذا المقال، فهذه التهديدات انصبّت على «المعونة» ورغم أهمية تلك المعونة ودلالتها إلا أنها لا يجب ان تستمر سيفاً مسلطاً على القرار المصرى، نعم نحن فى امس الحاجة لكل دولار، لكن لابد وان نتعلم الدرس – كأمة وليس كحكومة – يجب أن نفطم أنفسنا طواعية عن «سرسوب» هذا المبلغ الهزيل،
>>>
لقد خسرنا فى عام واحد قرابة ٧ مليارات دولار من عوائد قناة السويس، بمعنى آخر خسرنا فى عام واحد ما نتقاضاه من المعونة الأمريكية فى ٦ سنوات، وصبرنا وتحملنا ومررنا وعبرنا بفضل الله، هنا أقول إن التهديدات الأمريكية لا تقف عند حد تجميد أو منع المعونة وربما تطرقت إلى تأليب منظمات التمويل الدولية سواء البنك الدولى أو الصندوق أو البنوك الدولية، وربما حاول المحاولون ضرب الملاحة فى قناة السويس مثلما هو الحاصل الآن، وربما يتم الضغط على أطراف إقليمية ودولية لمزيد من الضغوط علينا، وهنا نصل إلى بيت القصيد، ما هى الأوراق التى يمكن ان نستخدمها فى هذه الظروف وماذا عسانا ان نفعل؟ هنا يمكن ان نمد أيدينا إلى خزينة ومخزون الحضارة الكامن فى الشعب المصرى ليواجه هذه التحديات كما واجهها من قبل وعبر التاريخ، ولكن كيف السبيل وأين هى خارطة الطريق التى تقودنا إلى عنوان كبير «الاعتماد على النفس والاستغناء عن كل ما يخرج وجودة أو تحقيقه عن إطار السيادة الوطنية القائمة على استقرار القرار الوطني» وهذا الاستغناء ليس دعوة وعظية وإنما يجب ان يكون خطة مدروسة لتحقيق هذا الاستغناء الذى يصب فى مربع السيادة، لابد من تغيير أنماط وسلوكيات وثقافات جمعية تصل بنا إلى تلك المنطقة وهذا يحتاج مقالاً جديداً.