بدأت تظهر تحديات الذكاء الاصطناعى بعدما تأكد المتخصصون أن اللغة العربية تستحوذ على 3٪ فقط من حصة الذكاء الاصطناعي، وأن النموذج الحالى للذكاء الاصطناعى تم تدريبه على 10 مليارات معلومة، وكل هذا أمر عادى فى ظل تلك الثورة التكنولوجية المتطورة، لكن ما يبعث الخوف هو مسابقة تيارات التشدد ودعاة العنف والكراهية إلى ملء الفراغ الإليكترونى من خلال فتاوى مملوءة بالفكر المفخخ، مما يجعل رواد أدوات الذكاء الاصطناعى عرضة للتطرف المعرفي، وبذلك أصبحت التيارات المنحرفة تستعمل خدمة التوصيل السريع لمبادئ التطرف.. ويبقى السؤال: هل ستظل المؤسسة الدينية تقف على الشاطئ أم لديها خطة فاعلة وسريعة للدخول من أوسع أبواب تلك الثورة التكنولوجية الجديدة خاصة أن العالم العربى لم يحرز أى تقدم حقيقى حتى الآن فى هذا المجال.
المفكرون والمتخصصون فى مجالات الفكر الدينى والتكنولوجى تحدثوا عن المخاوف والمطامع التى يمكن للمؤسسة الدينية الحصول عليها فى مجالات الذكاء الاصطناعي.
أكد د. محمد جلال عميد كلية هندسة الأزهر بنين ورئيس وحدة ريادة الأعمال بالجامعة ضرورة دمج الأبعاد الاجتماعية، والدينية فى تطوير الذكاء الاصطناعى لضمان تعزيز التقدم دون الإضرار بالقيم الإنسانية، مشيرا إلى أن الذكاء الاصطناعى يعد واحدًا من أهم التطورات التقنية التى أحدثت تحولاً كبيرًا فى العديد من المجالات من النواحى التقنية، بقدرته على معالجة كميات ضخمة من البيانات وتحليلها بسرعة وكفاءة، ورغم ذلك تواجه هذه التقنية تحديات متعددة تتطلب مراعاة أبعاد اجتماعية وأخلاقية ودينية حيث تعتمد أنظمته على البيانات، فإذا كانت تحتوى على تحيزات، سينعكس ذلك فى النتائج، أما عن الأمان السيبرانى فيمكن استخدام الذكاء الاصطناعى لأغراض خبيثة، مثل الهجمات السيبرانية المتقدمة وغالبًا ما تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعى كصندوق أسود، مما يجعل من الصعب إدراك كيفية اتخاذ القرارات.
وبخصوص التحديات الدينية والأخلاقية قال د. جلال إن الفقهاء عندما تحدثوا عن المفتى حددوا شروطاً فيمن يتولى الإفتاء من بينها كونه يمتلك القدرة على مراعاة الأبعاد الزمانية والمكانية والشخصية، فما يصلح لشخص لا يصلح لآخر ولهذا فإن رؤية المفتى للمستفتى أم لازم فى توصيف الفتوى الشرعية ، أما هذه التطبيقات فإنها تتعامل بصورة جامدة مع المستفتى حيث يقدم لها السؤال وتجتهد هى فى التقاط بعض الرموز المفتاحية للإجابة عن هذا السؤال بما يتوافرعندها من معلومات، وهنا تأتى النقطة الأهم وهى مصدر تلك المعلومات التى توجد فى ذهنية تلك الآلة الناطقة التى تعتبر بمثابة كمبيوتر ناطق مستمع، لذلك يجب على المؤسسة الدينية التى تمتلك الثقة والوسطية أن تبادر لتملأ ذلك الفراغ الإليكترونى بما يساعد على تحقيق الاستقرار العقائدى والأخلاقى للمجتمعات.
طالب د. جلال تصميم تقنيات مسئولة وتضمين قيم العدالة والشفافية والتنوع فى تصميم الأنظمة وضمان أن تكون الأنظمة الذكية قادرة على احترام القيم الثقافية والدينية المختلفة والتعاون بين القطاعات المختلفة بإشراك علماء الدين، علماء الاجتماع، والمختصين فى التقنية لتطوير حلول تتناسب مع المجتمع والدين والتعاون الدولى لإنشاء معايير موحدة للاستخدام الأخلاقى والمسؤول للذكاء الاصطناعي.
بينما أكد د. هانى عبد الفتاح باحث فى الفكر الإسلامى أن التحدى الأكبر لا يكمن فى الذكاء الاصطناعى نفسه؛ بل فى تعامل الإنسان معه، ولا بد من الأخذ بالاعتبار بعض المخاوف والتنبيه عليها فاعتبار الذكاء الاصطناعى له موثوقية الواقع أو المصدر، أمر خطير، لأن نصف المعرفة أخطر من الجهل، فقد يعطى الذكاء الاصطناعى معلومات دينية مضللة أو ليست دقيقة تشكل خطرا على المتلقى فى مجال الفكر الديني، إضافة إلى أن كل ما هو تكنولوجى قابل للاختراق.
مشيرا إلى أن الذكاء الاصطناعى كائن لاوعى له، ولا ضمير ولا مشاعر، ولا يعمل بنفسه، بل يعمل من خلال معلومات يتم تخزينها فى ذاكرته، ومن ثم فإذا كان قد تم تغذيته بمعلومات منحازة فهو بالضرورة سيعطى نتائج منحازة، وبالتالى فهو غير قادر على مراجعة نفسه بما لدى الوعى البشرى من مراجعات، بل نتيجة معلومات يتم معالجتها بشكل معين.
مضيفا ان المؤسسات الدينية بدأت بالفعل فى وضع القضية حيز الاهتمام وتحاول السعى وضع إجراءات عملية، منها اقتراح الازهر لوثيقة أخلاقية توجه وترشد وتحد من جرائم التعامل مع الذكاء الاصطناعي، ومقترح الإفتاء المصرية إنشاء مركز للذكاء الاصطناعى الشرعى يعمل على تغذية ومراقبة الذكاء الاصطناعي، ورغم هذا فإن تلك الخطوات لن تكون كافية فى مواجهة الخطوات المتسارعة من قبيل القائمين على تطبيق.
أشار د. محمد قاسم المنسى أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة أن الذكاء الاصطناعى مهما ارتفع شأنه واتسعت دوائر العمل به لا يزيد عن كونه وسيلة سريعة للحصول على المعلومات لكن المشكلة فى مدى صحة هذه المعلومات ومقدار الثقة بها، مشيرا أن الذكاء الاصطناعى أسهم فى تغيير المفاهيم بعدما بلغت نسبة المعلومات المتاحة للتطبيق إلى عشرة مليار معلومة فى بعض التقديرات وربما كان العدد أكبر، وذلك العدد الضخم من البيانات يجعل السيطرة عليها بمثابة تحديا كبيرا يفرض على المؤسسة الدينية ضغوطا شديدة يجب أن تتكاتف وتطور من أدواتها الفكرية والبشرية وأن يكون لديها فكر استباقى يساعدها على أن تتقدم خطوة حتى تسبق عقليات التيارات المتشددة التى تسعى للإفادة من قدرات أفرادها فى نشر أفكارهم، ويجب أن تدرك المؤسسة الدينية أنها تملك ما لا يتوافر عند تلك التيارات حيث لديها تاريخ من الوسطية والاعتدال والتسامح والتعايش بما يعطيها قبولا مجتمعيا.
مشيرا أن الذكاء الاصطناعى يعتريه الأحكام الخمسة الوجوب والحرمة والندب والاباحة والكراهة فقد يكون استعماله واجبا فى حق العالم المتمكن القادر على استخدام هذه التقنية فى بيان حكم شرعى أو الرد على شبهة من الشبهات، وقد يكون حراما فى حق من يستعين به على المحرمات ونشر العقائد الفاسدة والتخريب وتدمير الاخلاق والقيم، وقد يكون مندوبا أو مستحبا اذا تم استخدامه استخدم فيتعليم الطلاب والتواصل مع أساتذتهم أو استخدامه فى نشر العلم النافع والتجارب المفيدة والرشيدة فى المجتمع، ويكون مباحا فى كل ما ينفع الناس، وقد يكون مكروها اذا تم استخدامه فى استهلاك الوقت والانشغال بأمور غير مفيدة.
د. إبراهيم عاشور الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر أكد ضرورة تشكيل لجان متخصصة تمتاز بالتنوع بين البرمجة الإليكترونية والفكر الاستباقى والفكر الشرعى بحيث يعمل أعضاء تلك اللجان بشكل متناسق بهدف فحص المدى الذى وصل إليه الذكاء الاصطناعى فى مجالات العقائد والأفكار المجتمعية، حيث أثبتت بعض العينات التى تم الوصول إليها أن جماعات متشددة قامت بتغذية الذهنية البرمجية للذكاء الاصطناعى بفتاوى وتفسيرات وتأويلات وأحداث تاريخية مغلوطة بصورة خادعةمما قد لا يظهر أثره حاليا بل خلال عدة سنوات نتوقع أن نفاجأ بموجة جارفة من الفكر المتشددالمنحرف الذى يرى الإسلام أنه دين قتل وذبح وكراهية وعدوان، ويتجاهل التسامح والاعتدال والتعايش والتعاون الذى يعتبر أصل شريعة الإسلام وفروعها فى ذات الوقت؛ مضيفا أن الذكاء الاصطناعى ليس ذكاء حقيقيا، وإنما هو مجرد اسم، و يعتمد على ما يتغذى به من معلومات، وقد يكون المُغْذِى له قام بوضع معلومات مغلوطة، عمدا أو جهلا، خاصة إذا علمنا أن المحتوى المطروح على شبكة المعلومات الدولية باللغة العربية ضئيل جدا لا يتماشى مع نسبة مسلمى العالم وكثير مما كُتب عن الإسلام من غير العرب أو من غير المسلمين كان معاديا للإسلام، ولم يكن منصفاً أو حتى محايداً.
شدد د. عاشور أنه يجب على المؤسسات الدينية – وعلى رأسها الأزهر الشريف القيام بمهمة إنتاج برامج للذكاء الاصطناعى تحت إشرافها، حتى تقدم للمستخدم الفكرة الصحيحة، والمعلومة السليمة عن الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقا وتاريخا ولغة، وتدريب المختصين لديها على استخدام برامج الذكاء الاصطناعى الموثوقة، والاستفادة بما تحويه من كم هائل من البيانات والمعلومات وبهذا نكون قد أفدنا من خير الذكاء الاصطناعي، وتجنبنا مفاسده وأضرار.