ليست حرباً مع إسرائيل ولا عداء مع أمريكا
فى أوقات الشدة والأزمة تتجه الأنظار دوما إلى العقلاء الذين يزنون الأمور بميزان الحكمة، فالعقلاء لا ينصاعون للأهواء والنزعات الشخصية الضيقة، لا تحركهم المشاعر بقدر ما تحركهم العقول، العاقل يصمت فى وقت الثرثرة ويتكلم فى اللحظات الدقيقة حينما تشتد الأزمة ونحن الآن فى حالة أزمة حقيقية، لكنها مستمرة ومستدامة ومرشحة للتصعيد والتعقيد، لذلك نحن فى أمس الحاجة لعقلاء الأمة خاصة عقلاء وكبراء وخبراء الفكر والثقافة والإعلام والصحافة، فهؤلاء الذين يعتلون منابر التواصل مع الناس يجب أن يقفوا فى الصفوف الاولى للعقلاء والحكماء.
>>>>
فالقضايا ذات الطابع الدولى والمرتبطة بالعلاقات بين الدول تحتاج دقة ومهنية وموضوعية دون محاولة إرباك المشهد وتعقيد المسألة، وحتى لا يكون الكلام جملة مفيدة، أتحدث عن تعامل الإعلام والصحافة مع دور مصر فى قضية التهجير، فالدولة المصرية أعلنت وأفصحت عن مواقفها الرافضة بصرامة لكل تلك المحطات والمحاولات، لكن يجب ان ينتبه الجميع ان مصر ليست فى حالة حرب مع اسرائيل وليست فى حالة عداء مع امريكا، فرغم مواقفنا الثابتة ضد اسرائيل وممارستها كدولة مارقة عنصرية محتلة للأرض الفلسطينية ومرتكبة لجرائم حرب ضد الإنسانية فى غزة والضفة، إلا أننا ملتزمون باتفاقية السلام ولسنا فى حالة حرب ولا نخطط لذلك ولا نسير فى هذا المسار الصدامى ولا نرغب فيه.
>>>>
لكننا نتسلح لحماية هذا السلام، فالسلام يحتاج قوة تحميه، وكلما قويت الجيوش قلت احتمالات الحرب والعكس صحيح ايضاً، ورغم هذا هو الخيار الإستراتيجى إلا أن هذا لا يعنى بأى حال من الأحوال اننا نغض الطرف او نصمت او نقف موقف المتفرج او المحايد فى القضايا الكبرى مثل القضية الفلسطينية، فمصر هى التى تحمل فوق رأسها كل هموم المنطقة، وبالنسبة للولايات المتحدة وتصريحات الرئيس ترامب حول التهجير، يجب ان نشير إلى النقاط التالية : اولاً مصر وأمريكا تربطهما علاقات استراتيجية رفيعة المستوى على كافة المستويات، ثانيا هناك مصالح مشتركة بين البلدين تديرهما مؤسسات البلدين بشكل احترافى بعيدا عن التباينات السياسية.
>>>>
ثالثا خطاب الرئيس السيسى الرافض للتهجير حمل بين سطوره محاولة ذكية للإشادة بتصريحات سابقة لترامب عن حل الدولتين وإحلال السلام الدائم والعادل والتأكيد على ان هناك فرصة يجب ان نغتنمها لإقامة الدولة الفلسطينية رغم كل الظروف المعاكسة، رابعا : الرئيس الأمريكى له طبيعة خاصة تفسرها قراراته وتصريحاته اليمينية التى تؤمن بالواقعية السياسية المفرطة عكس اليسار الليبرالى الذى ينظر للأمور بنظرة رومانسية، خامسا : يجب ان نضع الموقع الأمريكى من غزة فى سياق المواقف الأمريكية تجاه اوروبا والناتو والدانمارك واوكرانيا وكندا والمكسيك وبنما، فالتوجه العام للترامبية اليمينية لها طابع خاص ومختلف وجدير بالانتباه والتدقيق والمتابعة.
>>>>
فما يجرى فى أوروبا شيء لا يكاد العقل يستوعب كل تفاصيله ، لذلك أدعو من خلال هذه الكلمات كل العقلاء ان ينظروا إلى المشهد من اعلى نقطة وليس من اسفلها واسافلها.