عبر سنوات طويلة.. شهدت الساحة التشريعية والنيابية جدلاً واسعا حول مشروع تعديل قانون الايجار القديم، وتباينت الآراء بين طرفين لطالما شكلا محور هذا الملف الاساسي، والطرف الاول «الملاك».. الذين يرون ان حقوقهم ظلت مجمدة لعقود، والطرف الثانى «المستأجرون» الذين يخشون من تداعيات التعديلات على استقرارهم الاجتماعى والمعيشى وبينما يعتبر الملاك ان الوقت قد حان لانهاء ما يصفونه بـ «الظلم التاريخي» الذى حرمهم من الاستفادة من ممتلكاتهم وسط ارتفاع تكاليف المعيشة، يحذر المستأجرون من ان المقترحات الجديدة خصوصا المتعلقة بانهاء العلاقة التعاقدية او رفع القيمة الايجارية بشكل جذرى قد تؤدى إلى تشريد ملايين الأسر البسيطة، وتخالف احكام المحكمة الدستورية التى اكدت ضرورة تحقيق التوازن وعدم المغالاة، وفى هذه السطور، يقترب «الجمهورية الاسبوعي» من الملف ويسأل الخبراء ونتعرف على تفاصيل التعديلات المقترحة.
الحكومة المصرية، بدأت فى طرح تعديل قانون الإيجار القديم بعد حكم من المحكمة الدستورية العليا بضرورة تعديل القانون الحالي، وصرح رئيس الوزراء د.مصطفى مدبولي، إن الحكومة أحالت مشروع قانون الإيجار القديم إلى مجلس النواب، مؤكدًا أن القانون سيراعى جميع الأبعاد الاجتماعية، وأن أبرز مقترحات القانون تتضمن وضع رقم معين للإيجارات فى المدن والقري، فضلًا عن مدة زمنية كمرحلة انتقالية لا تقل عن 5 سنوات لمراعاة البعد الاجتماعى مع زيادات تدريجية خلال تلك الأعوام.
دائرة النقاش
مشروع القانون الجديد دخل دائرة النقاش المجتمعى والنيابي، والبرلمان يقف أمام تحدٍ حقيقى هو..كيف يمكن تحقيق معادلة عادلة تحفظ حقوق الملكية، وتراعى فى الوقت ذاته البعد الاجتماعى والاقتصادى لملايين المواطنين؟! ولازالت اللجنة المشتركة من لجنة الإسكان والمرافق والأدارة المحلية والشئون التشريعية بمجلس الشعب تواصل مناقشة مشروع تعديل قانون الايجارالقديم المقدم من الحكومة وتستمع لكل الأطراف وتناقش كل الافكار بحثا عن الوصول إلى قانون عادل لكل الاطراف.
حجم المشكلة كشفتها أرقام رئيس الجهاز المركزى للاحصاء الذى ذكر ان اجمالى الوحدات المؤجرة 3 ملايين و19 ألف وحدة، منها مليون و880 الف وحدة للسكن و575 الف وحدة للعمل ونحو 9300 للعمل والسكن معاً.
وكشف ايضا ان 36 ٪ من المستأجرين يدفعون اقل من 50 جنيها وبعضهم يدفعون175 قرشاً فقط فى الشهر مضيفا ان نحو 360 الف وحدة مغلقة.
د. وليد جاب الله، خبير التشريعات الاقتصادية يري، ان الإيجار القديم هو مفهوم لتلك العلاقات الإيجارية التى يحكمها مبدأ الاستمرار القانونى مع ثبات الأجرة القانونية، وخضوعها للتقدير من جانب الدولة، وقد قامت الدولة خلال فترة الخمسينات بالتدخل بخفض الأجرة فى ثلاثة تشريعات مُختلفة، وكانت فى ذلك تتبنى نهج اشتراكى يتناسب مع طبيعة تلك الحقبة، وكانت الأجرة المُحددة قانوناً تتسم بالعدالة وفقاً لمعايير الخمسينات والستينات من القرن الماضي، حيث كانت التسعيرة الجبرية هى التى تحكم كل شيء، وكان المالك المُحددة الأجرة لعقاره يقوم بشراء احتياجاته، ويحصل على ما يريد من خدمات بالتسعيرة المُحددة أيضاً، ولكن مع تغير الأحوال واتجاه الاقتصاد لمسار رأسمالي، انطلقت الحرية الاقتصادية بصورة كبيرة لمُعظم السلع والخدمات، وبقى الإيجار القديم دون تدخل من الدولة لإصلاحه، وكانت مُحاولات الإصلاح محدودة جداً ولا تفى بمُقتضيات عدالة التحول بين قطاعات الاقتصاد، فتأكلت القيمة الإيجارية تدريجياً وصارت فى مُستوى الأجرة البخسة، وانتشرت ظاهرة تساقط العقارات بفعل عدم الصيانة، وانتشرت ظاهرة الوحدات السكنية المُغلقة التى يمكن لها أن تُساعد فى توازن السوق حال إعادة طرحها، واختلت قواعد المُنافسة العادلة بين أنشطة تجارية تدفع أجرة بخسه، وأخرى تدفع أجرة مُرتفعة فى الإيجار الحر الذى تقرر فى نهاية التسعينات، وفقدت الأوقاف إيرادات أصولها التى قُدرت عام 2016/2017 بما يزيد على 450 مليار جنيه، وكأن أصحاب الوقف قد أوقفوه للمُستأجرين، وليس لأعمال الخير.
الحل التدريجي
وأضاف ان المحكمة الدستورية قد أصدرت العديد من الأحكام المُتعلقة بهذا الملف، والتى دعت فى أسبابها إلى التحرك الشامل لهذا الملف، ولكن حكومات ما قبل يناير 2011 كانت تتهرب من هذا الملف الذى تأخر إصلاحه مثل الكثير من الملفات التى أصبح قدر الجمهورية الجديدة أن تتعامل معها، ومؤخراً أرسلت الحكومة مشروع قانون لمجلس النواب لإصلاح هذا الملف مكوناً من 9 مواد، وهو ما يعبر عن قدرة الحكومة على التصدى لتلك القضية القديمة من خلال 9 مواد فقط، وأن تقوم بحلها بصورة تدريجية خلال 5 سنوات فقط، من خلال زيادات تدريجية فى الأجرة، وإعطاء أولوية للمُستأجرين فى الحصول على وحدات سكنية وغير سكنية بمشروعات الدولة.
وقال»د. جاب الله: إنه فى حال إقرار هذا القانون فإنه سيكون له تأثير إيجابى كبير فى تحريك سوق العقارات فى مصر، وصيانة تلك العقارات المُتهالكة، وفتح الوحدات المُغلقة مما سيدفعها السوق ليزيد المعروض فينخفض متوسط الإيجارات، وسيعود حق الله المُتمثل فى إيرادات الأوقاف المُهدرة التى ستتحول تلقائياً لأكبر صندوق استثمارات فى مصر، وستعود إيرادات الدولة من العقارات التى تؤجرها للغير فى الكثير من الأماكن المُتميزة فى مصر، وسترتفع حصيلة الضرائب العقارية مما يعزز من توازن الموازنة العامة ويجعلها أكبر قدرة على زيادة مُخصصات الحماية الاجتماعية.
وأكد أن مصر التى تستوعب ملايين الضيوف الأجانب، قادرة على استيعاب حركة التغيير المُرتبطة بهذا الملف، وموافقة الحكومة على إرسال مشروعها الإصلاحى لمجلس النواب بهذا الشكل يعكس قُدرتها على تحقيق ما جاء به بما فيه إعطاء مزايا وأولوية للمُستأجرين فى الحصول على فرص فيما تطرحه من مشروعات عقارية.
مناقشات برلمانية
النائب محمد عطية الفيومى رئيس لجنة الاسكان بمجلس النواب، أكد أن اللجنة تسعى جاهدة لتحقيق العدالة ومصلحة كل من المالك والمستأجر فى قانون الإيجارات القديم الجديد، موضحا الحرص على الحيادية فى إدارة المناقشات، مشيراً إلى أن اللجنة منفتحة تمامًا على جميع الآراء وتستمع إلى وجهات نظر وحجج مختلف الأطراف المعنية، بما فى ذلك الملاك والمستأجرين، بالإضافة إلى خبراء القانون المدنى والدستوري.
واضاف أن اللجنة استضافت أساتذة القانون المدنى من كليات الحقوق، فى مناقشات دستورية معمقة، وأن العمل جارٍ على قدم وساق لإنجاز القانون فى أقرب وقت ممكن، مع مراعاة تحقيق التوازن بين مصالح جميع الأطراف، وأتوقع أن تتضح الصورة بشكل كامل خلال أسبوعين، معربًا عن أمله فى التوصل إلى قانون عادل يرضى جميع الأطراف وهذا هو هدف البرلمان العدالة للطرفين.
ائتلاف الملاك
ما بين الملاك والمستأجرين تختلف النظرة للمشروع الجديد، فالملاك يرونه خطوة مهمة وضرورية، وكما يقول مصطفى عبد الرحمن، ممثل ائتلاف ملاك العقارات القديمة، فقرار الحكومة بشأن تعديل قانون الإيجار القديم، مهم بل وصفه بأنه «متأخر 70 أو 80 عامًا». ومع ذلك، أعرب عن تحفظاتهم الرئيسية على مشروع القانون الحالي، والتى تتركز حول محورين أساسيين: قيمة الإيجار وفترة توفيق الأوضاع.
مؤكدا أن تحديد ألف جنيه كحد أدنى للإيجار فى القانون الجديد «لا قيمة له» فى الوقت الحالي، وأن أقل قيمة إيجار اليوم تبلغ 3000 جنيه، وطالب عبدالرحمن بزيادة الحد الأدنى إلى 2000 جنيه، معتبرا أن منح المستأجرين خمس سنوات لتوفيق أوضاعهم أو ترك الوحدة السكنية «طويل جدًا» خاصة فى ظل وجود عقارات متهالكة تحتاج إلى صيانة عاجلة، واقترح تقليص هذه الفترة إلى ثلاث سنوات فقط.
شدد على أن المحلات التجارية «تكسب بسعر اليوم» وبالتالى لا يوجد مبرر لمنحها فترة توفيق أوضاع مماثلة للمساكن، وطالب بتقليص هذه الفترة إلى سنة واحدة كحد أقصي، مع رفع الحد الأدنى للإيجار إلى 5000 جنيه، خاصة أن مشروع القانون يتضمن بندًا ينص على تولى الدولة توفير وحدات سكنية بديلة للمستأجرين غير القادرين، معتبرًا أن هذا الحل يضمن حقوق جميع الأطراف.
أشاد عبدالرحمن بدور المحكمة الدستورية فى الدفع بهذا الملف، مؤكدًا أن حكمها يعتبر «انتصارًا للعدل» وملزمًا لجميع الجهات والمؤسسات فى الدولة، وأنهم يسلكون «الطريق المشروع» للمطالبة بحقوقهم ويناشدون الدولة تعديل القانون بشكل يحقق العدالة والمصلحة العامة، موضحا أن تجميد القانون لسنوات طويلة أدى إلى تدهور قيمة الإيجار وتأثيره السلبى على حقوق الملاك، وأن «القانون يجب أن يكون كائنًا حيًا» يتغير مع المتغيرات الاقتصادية.
.. والمستأجرون
وفى المقابل المستأجرون يرون أن القانون ظالم لهم ويعرضهم لازمات ويطالبون بالتأنى وعدم اصداره ويؤكد أحمد مجدي، المنسق العام لاتحاد المستأجرين فى مصر، قلقه الشديد بشأن مشروع القانون المقترح لتنظيم الإيجارات القديمة، واصفًا إياه بأنه مخالفة صريحة لأحكام المحكمة الدستورية، وتمريره بهذا الشكل سيشكل سابقة خطيرة فى تاريخ التشريع المصري، مؤكدا أن الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا تناول فقط آلية زيادة القيمة الإيجارية، ولم يتحدث مطلقًا عن إنهاء العلاقة التعاقدية أو طرد المستأجرين وعلى الحكومة أن تلتزم بحكم الدستورية.
وأَضاف، إن الحديث عن الإخلاء أو إنهاء العقود بهذه الطريقة يعتبر خروجًا صارخًا عن الدستور، وأن العلاقة بين المالك والمستأجر فى العقود القديمة تمت برضا الطرفين وتحت رقابة الدولة، والعديد من المستأجرين دفعوا مبالغ مالية كبيرة تُعرف بالخلو مقابل الحصول على الوحدات السكنية، بالإضافة إلى تحملهم تكلفة التشطيب وإدخال المرافق، وأن المستأجر شريك أساسى فى تأسيس الوحدة، وشارك فى بناء العقار بطريقة أو بأخري، فكيف يُلغى عقد تم برضا الطرفين بهذه السهولة؟ هذا يهز ثقة المواطنين فى القانون.
قال «مجدي» «نعم هناك من يشعرون بالظلم» لأنهم يتقاضون مبالغ زهيدة، لكن لا يجب أن يُحل الظلم بظلم آخر، ولا يمكن اعتبار جميع الإيجارات 5 جنيهات، فهناك من يدفع 75 و100 و200جنيه شهريًا حسب تاريخ العقد، وأى تعديل لقيمة الإيجارات يجب أن يتم عبر آليات اقتصادية، تحددها جهات محايدة مثل لجان تقييم محلية أو المحكمة ذاتها، لا أن يتم فرضها بشكل مفاجئ وغير مدروس، وحذر من مغبة تمرير القانون بشكل مخالف للدستور، قائلاً إذا وافقت الدولة على هذا القانون، فستفتح بابًا لفئات أخرى بالمجتمع للمطالبة بتعديلات مخالفة، موضحانحن لا نرفض تنظيم العلاقة الإيجارية، ولكن نطالب بأن يتم ذلك وفق الدستور، حفاظًا على الثقة فى مؤسسات الدولة، ومنعًا لإثارة الذعر بين ملايين الأسر المصرية.
حلول مرفوضة
علاء الدسوقي، أحد المستأجرين من مدينة المنصورة، يؤكد رفضه الشديد لبعض بنود مشروع قانون الإيجار القديم، مؤكداً أن ما يتم تداوله حول فترات انتقالية محددة أو زيادات جذرية فى القيمة الإيجارية يتعارض مع أحكام المحكمة الدستورية العليا ويهدد الاستقرار الاجتماعى لملايين الأسر المصرية.
وقال: إن مشروع القانون لا يزال فى طور التسريبات ولم يُعلن عن صيغته الرسمية بعد، لكن بعض البنود المتداولة تمثل انحيازًا واضحًا لرؤية بعض الملاك دون اعتبار للحقوق المكتسبة للمستأجرين التى أقرّتها أحكام قضائية نهائية، موضحا أن الامتداد القانونى لعقود الإيجار القديمة ليس محل اجتهاد أو تفاوض، بل خاضع لما يقارب 30 حكمًا قضائيًا صريحًا، قضت بأن الامتداد القانونى يقتصر على جيل واحد فقط من ورثة المستأجر الأصلي، شريطة الإقامة الدائمة معه قبل وفاته، وهو ما لا يجوز تقليصه بقانون جديد.
وشدد «الدسوقي»، على أن المحكمة الدستورية نفسها، أقرت بحق الدولة فى تحريك الأجرة بشرط ألا يكون ذلك بطريقة تنطوى على غلو، مضيفا أ أن التسريبات التى تتحدث عن حد أدنى للإيجار يبدأ من ألف جنيه غير منطقية، خاصة أن هناك عقودًا إيجارية لا تزال قيمتها لا تتجاوز 10 أو 20 جنيهًا شهريًا، وهى كانت أجورًا مرتفعة وقتها حسب مستوى الدخول فى ذلك الزمن، وأن الملاك استفادوا سابقًا من دعم الدولة وإعفاءات ضريبية ومقدمات مالية من المستأجرين، كما أن معظم العقارات كانت مرخصة بغرض التأجير وليس التمليك، وهو ما نصت عليه بوضوح المادة 69 من قانون 49 لسنة 1977.
وقال إنه لتحقيق التوازن بين مصالح الطرفين، يجب تحريك تدريجى للأجرة يتناسب مع الحالة الاجتماعية للمستأجر وتاريخ إنشاء العقار، واستغلال الوحدات المغلقة والمهجورة بدلًا من الضغط على المستأجرين، وتقنين العلاقة بين الطرفين بما يحفظ السلم الاجتماعى والاستقرار.
وأكد أنه سيتقدم مع متضررين آخرين بطلب إلى المحكمة الدستورية العليا لوقف تنفيذ القانون عبرما يُعرف قانونيًا بعقبة تنفيذ باعتباره معوقًا لتطبيق الأحكام الدستورية السابقة الخاصة بامتداد العلاقة الإيجارية، مشيرا الى اننا فى دولة قانون ومؤسسات، والأحكام القضائية هى صمام أمان لحماية المجتمع واستقراره، ولا يجوز أن يتم تجاهلها تحت أى ظرف أو ضغط.
أما جوليا محمد من محافظة الاسكندرية أحد الملاك أعربت عن استيائها الشديد من الوضع الراهن واصفة اياه بالكوارث والقنبلة الموقوتة، خاصة مع تزايد حالات انهيار العقارات الآيلة للسقوط فى الإسكندرية، والتى تهدد حياة المواطنين، وشددت على ضرورة تقليص الفترة الانتقالية المنصوص عليها فى القانون والتى تبلغ 1825 يوماً «خمس سنوات» معتبرة انها مكافأة للمستأجر على حساب حقوق وتساءلت لماذا نحتاج إلى خمس سنوات لإنهاء هذا الظلم الفترة الانتقالية يجب ان تكون للغير قادر فقط، أما القادر فليتفضل بتسليم الوحدة للمالك، مؤكدة على أهمية تحرير العلاقة الإيجارية فى القطاع التجاري، حيث يحقق المستأجر أرباحًا بسعر السوق، بينما يدفع للمالك إيجارًا زهيدا
وطالبت، بتحرير الوحدات المغلقة فورًا دون منحها أى فترة انتقالية، معتبرة أن بقاء الوحدات مغلقة كارثة تضر بالاقتصاد وتمنع المالك من الاستفادة من ملكيته وعلى الحكومة المصرية ومجلس النواب أخذ صوت الملاك المتضررين فى الاعتبار، مؤكدة أن التعديلات الحالية تظلم المالك وتمنح المستأجر مكافأة على حساب حقوقه المشروعة، مؤكدةأنها لا تهدف الإضرار بالمستأجرين ولكنها تسعى إلى تحقيق العدالة وإنهاء الظلم الذى عانوا منه على مدى عقود.
عمرو عمار، أحد الملاك، يرفض الوضع الراهن لقانون الإيجار القديم، مؤكدًا أنهم يعانون من ظلم كبير وتجاهل لحقوقهم، والوضع «شائك» و»غير عادل»، مشيرًا إلى أنهم يواجهون تحديات كبيرة فى استعادة حقوقهم، فى ظل القانون الحالى الذى يمنح المستأجرين حقوقًا ممتدة للأجيال، بينما يعانى الملاك من تدهور أوضاعهم المادية.
ظلم كبير الصورة النمطية التى يتم ترويجها عن الملاك حيث، يتم تصويرهم على أنهم «شياطين» يستغلون المستأجرين، والواقع عكس ذلك تمامًا، وأنهم يعانون من تدهور أوضاعهم المادية بسبب القانون الحالي، مطالبابتعديل قانون الإيجار القديم، بما يضمن تحقيق العدالة والتوازن بين حقوق الملاك والمستأجرين، حيث إن العديد من الدول التى كانت تعانى من نفس المشكلة، قامت بتعديل قوانينها بما يتماشى مع العدالة.
رأى قانوني
شريف الجعار المحامى ورئيس اتحاد مستأجرين مصر يحذر من خطورة مشروع القانون المقترح بشأن تعديل أوضاع الإيجار القديم، مؤكدًا أن بنود المشروع تتعارض صراحة مع أحكام المحكمة الدستورية وتُهدد الأمن الاجتماعى لملايين المصريين، خصوصًا من كبار السن والفئات المهمشة، والمشكلة الحقيقية ليست فى المستأجرين، بل فى خرق الحكومة للأحكام الدستورية، والحكم الصادر عن المحكمة الدستورية بتاريخ 9 نوفمبر 2024 ينص على تحريك القيمة الإيجارية للمساكن القديمة وفق آلية متدرجة دون التطرق إلى الإخلاء بعد خمس سنوات، كما جاء فى نص المشروع الجديد.
وأوضح، أن الحكم الدستورى أقر بحق الامتداد لجيل واحد من ورثة المستأجر، بشرط الإقامة المستقرة لمدة عام على الأقل قبل الوفاة، وهو ما تم الالتزام به فى العقود الحالية، وأن العقود تمت برضا الطرفين دون إكراه، والعديد من المستأجرين دفعوا مبالغ خلو وتجهيزات وأدخلوا المرافق على نفقتهم الخاصة، فكيف يمكن أن يتم إخلاؤهم؟.
وقال، منتقدا دمج الحالات السكنية والتجارية فى المعاملة التشريعية الجديدة، معتبر ذلك تجاهلاً لحقيقة أن المحلات التجارية تُعيل أسرًا وعمالًا وليس فقط أصحاب المحلات، حيث إن كل محل فيه صاحبه وثلاثة عمال، أى أربع أسر على الأقل ستتضرر، فهل الدولة ستوفر بدائل لهؤلاء؟ وهل ستمنحهم معاشًا؟ هل ستعيد لهم الدعم الذى حُرموا منه باعتبارهم تجارًا؟
وأوضح أن القانون رقم 6 لسنة 1997 سبق أن رفع القيمة الإيجارية للمحال إلى ثمانية أضعاف، مع زيادة سنوية بنسبة 10 ٪، قبل أن تُخفض المحكمة الدستورية هذه الزيادة إلى 2 ٪ سنويًا عام 2002، مشيرا الى إنه منذ 2002 وحتى اليوم، الأجرة تتحرك، ولا صحة لما يُقال عن إيجارات تجارية بخمسة أو عشرة جنيهات.
وقال شريف: هناك شريحة واسعة من المواطنين، من كبار السن والعمال البسطاء، سيتحولون إلى مشردين إن تم إخلاؤهم، والدولة نفسها تمنح 500 جنيه تكافل وكرامة للبعض، فكيف تطالبهم بدفع إيجارات تصل إلى ألف جنيه؟ وانتقد فكرة الإخلاء دون توفير بدائل.
جدل شعبي
وأكد الدكتور على سالمان، المحامي، أن قانون العلاقة بين المالك والمستأجر يُعد من أكثر القوانين إثارة للجدل فى مصر، نظرًا لتاريخه الممتد لأكثر من سبعين عامًا، والذى تسبّب فى أزمة مزمنة عطلت حقوق الملاك وفرضت واقعًا قانونيًا غير عادل، مشيرا إلى أن الحكومات المتعاقبة تجنّبت لسنوات طويلة الاقتراب من هذا الملف الشائك، إما لأسباب اجتماعية أو لمصالح شخصية، مما جعل المالك يدفع الثمن وحده، رغم التغيرات الاقتصادية الهائلة التى شهدتها البلاد، وعلى رأسها معدلات التضخم التى جعلت القيم الإيجارية المتدنية والتى لا تكفى حتى ثمن دواء عبئًا على المالك.
وأوضح الحكم التاريخى الصادر عن المحكمة الدستورية العليا فى 9 نوفمبر الماضى شكّل نقطة تحول كبيرة، حيث وصف استمرار العلاقة الإيجارية بالقانون القديم بأنه «عدوان على قيمة العدل»، ألزم المشرع بالتدخل الفورى لتعديل القانون، وهو ما استجابت له الحكومة بالفعل بإعداد مشروع قانون جديد.
وأضاف «سالمان»، أن هناك آمالاً كبيرة معقودة على البرلمان المصرى لإقرار هذا المشروع وإنصاف المالكين، خاصة فى ظل تأكيد الدستور على صون الملكية الخاصة، وفتوى دار الإفتاء المصرية التى أكدت حرمة القانون القديم لما يمثله من ظلم واضح.
ولفت إلى أن مئات الآلاف من الوحدات السكنية المغلقة لا تحقق فائدة لأى طرف لا للمالك ولا للمستأجر ، كما تحرم الدولة من موارد ضريبية ضرورية، مؤكدًا أن الوقت قد حان، فى ظل الجمهورية الجديدة، لتمكين المالك من الاستفادة من أملاكه.
ودعا، إلى توحيد قوانين الإيجارات فى مصر، مطالبًا بالعودة إلى مظلة القانون المدنى لعام 1996، مؤكدًا أن وجود أكثر من قانون ينظم العلاقة ذاتها أمر يتعارض مع منطق العدالة واستقرار الدولة القانونية.
وقال أن البرلمان اليوم أمام «اختبار حقيقي»، خاصة فى ظل حكم المحكمة الدستورية والمشروع الحكومى المطروح، وفى وقت تحتاج فيه الدولة إلى تنمية مواردها، على رأسها الضرائب العقارية، مشيرًا إلى إعلان رئيس مجلس الوزراء عن جاهزية 400 ألف وحدة سكنية جديدة، وهو ما يعزز من ضرورة التحرك لتشريع يعيد الحقوق إلى أصحابها.