بينما كنت منهمكة فى كتابة أحد الموضوعات الصحفية لإرسالها للجريدة رن هاتفى برقم تابع لإدارة الشئون المعنوية ووجدت من يبلغنى بقبول ترشحى للدورة رقم 43 للإعلاميين والصحفيين والتى تعقد بالأكاديمية العليا للدراسات العسكرية والإستراتيجية وبعد عدة ثوان قضاها المتصل فى إبلاغى بموعد بدء الدورة ومدتها طلب منى إحضار خطاب من الجريدة موجه لمدير الأكاديمية مدون فيه عبارة «قادم إليكم» يعقبها اسمى على أن يتم تسليمه للمختص عن الدورة.. أغلقت الهاتف وأنا أضحك بشكل ساخر على عبارة «قادم إليكم» وحصلت على الخطاب وذهبت إليهم وكلى شغف بمعرفة ماذا سأدرس فى هذه الدورة التى ستستمر لمدة شهر.
بوجه حازم لا يخلو من بسمة صنعت حالة من الألفة أطل علينا اللواء أركان حرب ممدوح الجزار مشرف الدورة ليعطينا التعليمات الخاصة بهذه الدورة وجميعها جاءت فى إطار الالتزام والحرص على تمثيل المؤسسات التى ننتمى إليها بشكل مشرف ورغم أن الأمر قد يبدو عادياً إلا أننى أكاد أجزم أن عاداتى اليومية بفضل التزامى بالحضور فى موعد يومى محدد قد تغيرت للأفضل وأصبحت أكثر تنظيماً فى الحياة.
ذهبت لهذه الدورة وأنا لا أعى الكثير من المصطلحات ولا أفهم الكثير من الأحداث ولا خلفياتها وبالتالى لا أستطيع الحديث عنها إلا أن ما تم شرحه من خلال محاضرات مستفيضة من كوكبة من الخبراء الاستراتيجيين عن مفهوم الدولة والأمن القومى وحروب الجيل الرابع والحروب النفسية والكثير من القضايا وفى مقدمتها الأمن المائى جعلتنى لا أفهم فقط ولكن أملك أساليب الفهم التى تؤهلنى للبحث بشكل موثق عن أى قضية بشكل يوفر لى ما أريد من معلومات دقيقة.
أعادتنى بعض المحاضرات لقاعات الجامعة التى تركتها منذ سنوات طويلة وجددت فى الرغبة فى مواصلة الدراسة بعد أن شاهدت من تجاوزوا عامهم السبعين ومازالوا شغوفين بطلب العلم ..أعادتنى بعض المواقف لقيم افتقدناها بعد أن تركت بداخلنا التكنولوجيا الكثير من الآثار السلبية وأنا أشاهد اللواء محمد قشقوش أحد أبطال انتصار أكتوبر العظيم يعتذر منا عن استكمال المحاضرة لحضور جنازة صديق عمره فلمست الوفاء فى الرجل الذى تجاوز الثمانين من عمره.
تأكدت من قيمة مصر وأنا أشاهد محاضرات الزمالة تضم عشرات العسكريين الدارسين من الدول العربية والأفريقية والوفود التى تأتى من كافة الدول للاطلاع على ما تضمه الأكاديمية من دورات هى بلاشك قيمة مضافة لأى شخص ..وشاهدت جيلاً من الشباب تسطع معهم شمس الأمل وهم يترددون على الأكاديمية للحصول على دوراتها المختلفة فى إستراتيجيات الأمن القومى وأساليب التفكير وغيرها.. ذهبت للدورة التثقيفية وأنا لا أعلم إلا عدداً محدوداً من الدارسين بها لا يتجاوز عدد أصابع اليد.
انقضت الدورة ومنحتنى الأكاديمية خطاباً للعودة للجريدة أمسكت به لقراءته فوجدت بين سطوره عبارة قادم إليكم يعقبها اسمى فابتسمت هذه المرة وأنا أقارن بين قادم إليكم الأولى والثانية فقد ذهبت شخصاً وعدت شخصاً مختلفاً أكثر إيماناً بقيمة مصر وأكثر وعياً بالمؤامرات التى تحاك لها وأكثر ثقة بأن دماء الشهداء مازالت قادرة على تحفيز الهمم للحفاظ عليها..حفظ الله مصر وشعبها ووفق رجال جيشها وشرطتها للحفاظ على أمنها داخلياً وخارجياً فما يحاك لها من الداخل أكثر وطأة من مؤامرات الخارج.