تناولنا فى المقال السابق أن شعار من أجل الوطن والمواطن، وبناء جمهورية جديدة تتسع للجميع هو شعار المرحلة، الذى يتواكب مع إفراز لتحديات إقليمية وعالمية.. وعقد جلسات الحوار الاقتصادى المتخصصة كبداية لمرحلة جديدة شعارها مساحات مشتركة، من أجل الوصول إلى مخرجات جدية تخدم الوطن والمواطن، وذلك استجابة لدعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وتعزيزا لمواجهة العوامل الجيوسياسية التى برزت بسرعة باعتبارها مخاطر سوقية هيكلية، حيث أثار التشرذم الأعمق مخاوف بشأن الإنضباط المالى فى جميع أنحاء العالم، وقد يؤدى تسارع الصراعات الإقليمية إلى زيادة مفاجئة فى الإنفاق الدفاعي. وعلى الجانب الآخر فإن الدين العام بشقيه المحلى والخارجى مازال فى الحدود الآمنة حيث تبلغ نسبة الدين الخارجى إلى الناتج المحلى الإجمالى نحو 37٪، ونحو 85٪ بالنسبة للدين الداخلي، وهى نسب مازالت أقل من 150٪ كمتوسط متعارف عليه عالمياً.. فالمعضلة الحقيقية فى أزمة الدين العام، هى أعباء خدمة الدين.. حيث بلغ حجم المخصصات لبند الفوائد فى موازنات العامة ما يعادل 37,4٪ من المصروفات العامة للسنة المالية الجديدة، وهو ما يعنى أن الدين العام لن يتوقف عن النمو طالما كان هناك عجز فى الموازنة، وحتى نستطيع وضع أفضل السبل لمواجهة ارتفاع الدين الخارجى فى مصر، فإنه يجب على المجموعة الاقتصادية المصرية التعرف وبعمق على أسباب هذا الارتفاع والتى قد تعود إلى :اتباع سياسات نقدية غير مشددة (منخفضة الفائدة) لفترات سابقة لرفع الفيدرالى الأمريكي، كما أن أسعار الفائدة متغيرة حسب النشاط لوجود أسعار فائدة مخصصة لأنشطة مثل التطوير العقارى أو القطاعات المستهدفة الأخري.واعتماد الصادرات المصرية على الواردات بنسب تتراوح ما بين 40٪ إلى 70٪ فى المتوسط، الأمر الذى جعل من إلغاء نظام الاعتمادات المستندية للحد من الواردات أحد الأعباء الرئيسية فى الضغوط السعرية على الصرف الأجنبى والاحتياطات الدولية لدى البنك المركزي.. مع تراجع الدور فى صياغة سياسة تصنيع محلى تعمل على زيادة الإنتاج والقيمة المضافة من جهة وزيادة مساهمة القطاع الصناعى فى الناتج المحلى من جهة أخري، ما دفع بمزيد من الاعتماد على الأسواق الدولية.
لا يمكن أن نتجاهل وجود فجوة التنسيق التام بين كل من السلطات المالية خاصة فى آجال استحقاق الدين والسلطة النقدية فيما يتعلق بإجراءات الحد من الواردات والمستهدف للقطاعات الإنتاجية.خيث تعد الأزمة الروسية– الأوكرانية أحد أهم الأسباب الرئيسية جراء ارتفاع أسعار السلع العالمية أبرزها الطاقة والغذاء واللوجستيات.. وهو ما ساهم فى ارتفاع أسعار الفائدة عالميا، وخروج ما يزيد عن 23 مليار دولار فى أقل من ثلاثة شهور.
كذلك اضطراب سلاسل إمداد الطاقة ومستلزمات الإنتاج والغذاء مما دفع بزيادة أسعارها وهو ما ألقى بزيادة الضغوط على الاحتياطات الدولية لتنخفض من 44 مليار دولار إلى أقل من 33 مليار دولار.. وبالتالى فإن انسب السبل للتعامل مع هذا الملف وهو الدين الخارجي، تكمن فى نجاح السياسات المالية الحالية تزامنا مع التغيرات التى طرأت على السياسة النقدية لجذب المزيد من التدفقات النقدية والرأسمالية من الخارج، واستقطاب الفوائض المالية لدى الدول العربية بخاصة الخليجية الناتجة عن زيادة أسعار النفط خاصة مع انخفاض العوائد الحقيقية من استثمارها فى الدول الغربية جراء موجة التضخم. وهو ما نجحت فيه مصر عبر إبرام صفقة رأس الحكمة مع الجانب الاماراتى باستثمارات قدرها 35 مليار دولار لتنخفص بعدها ديون مصر الخارجية بمقدار 11 مليار دولار وتصل إلى 153 مليار دولار، ودخول استثمارات عربية مباشرة قدرت بنحو 7.3 مليار دولار من خلال عدد من الاتفاقيات متعددة الأطراف بين مصر والإمارات والأردن، ونحو 10 مليارات خلال العام الجارى من حصيلة استقبال استثمارات عربية وأجنبية فى أصول وممتلكات تطرحها الحكومة من خلال برنامج التخارج من بعض الأنشطة الاقتصادية، خاصة مع إعلان الدولة وثيقة ملكية الدولة. وزيادة مستوى الرهان على صعود الصين وروسيا كأحد الفاعلين العالميين، مما يطرح احتمالية انخفاض التكلفة الحقيقية للدين العام الخارجى للعديد من الدول ومنها مصر، نظرا لتأثر الدولار والذى يستحوذ على نسبة تزيد عن 65٪ من محفظة الدين الخارجية.